حرب أوكرانيا وعام على معركة الدم والغاز.. "بوتين" يستبق الذكرى الأولى بـ"رسائل تهديد" ويراوغ بـ"المبادرة الصينية".. ملف الوقود و"الودائع المجمدة" ألغام فى طريق السلام.. وأمريكا تحبس أنفاسها مع فسخ معاهدة ستارت

الجمعة، 24 فبراير 2023 02:09 ص
حرب أوكرانيا وعام على معركة الدم والغاز.. "بوتين" يستبق الذكرى الأولى بـ"رسائل تهديد" ويراوغ بـ"المبادرة الصينية".. ملف الوقود و"الودائع المجمدة" ألغام فى طريق السلام.. وأمريكا تحبس أنفاسها مع فسخ معاهدة ستارت حرب اوكرانيا
إعداد : ريم عبد الحميد ـ نهال أبو السعود

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

عام كامل مر علي الرصاصة الأولي في الحرب الأوكرانية التي اندلعت شرارتها في 24 فبراير 2022 ، حينما اختارت روسيا البدء في تحرك استباقي لما رأته تهديداً لأمنها القومي ، بعد تواتر الأنباء عن اعتزام أوكرانيا الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي ، وحلف الناتو ، ما يخلق وفق الرؤية الروسية تهديداً شائكاً ومستقراً علي حدودها.

 

وعلي مدار عام الحرب ، وبالتزامن مع دوي المدافع وغبار المعارك الدائرة في الشرق الأوكراني ، كان الاقتصاد العالمي علي موعد مع انهيارات مركبة ، وركود مربك ، ومؤشرات تضخم تأبي الاستقرار في أزمة فاقت كثيراً تلك التي ظهرت في اعقاب انتشار وباء كورونا عالمياً ، وسط غياب شبه تام للحلول القريبة بعدما انتقل الصراع بين روسيا ومعسكر الغرب الداعم لأوكرانيا وبمقدمته الولايات المتحدة إلى ميادين العقوبات الاقتصادية ، وتعليق لإمدادات الغاز أربك احتياطات الطاقة ، وأصاب الكثير من ماكينات الإنتاج علي صعيد عالمي بشلل دفع الجميع ثمنه غاليا.

 

وعلي مدار العام الأول من الحرب الأوكرانية ، تراجع الاهتمام العالمي بالتطورات الميدانية للقتال علي الجبهات تدريجياً.. اعتادت الانوف رائحة البارود والدماء ، وألفت الأعين مشاهد المدن التي احالتها القذائف والغارات والاجتياحات إلي أكوام من الرماد ، ليختطف البيت الأبيض والكرملين وعواصم صنع القرار السياسي والعسكري في القارة العجوز وبمقدمتها بروكسل الأضواء بحثاً عن مبادرة تقود إلى الحل ، وأملاً في سلام يبدوا بعيداً وتعاف من الآثار الاقتصادية التي اجتاز مداها ميادين القتال ، وعبرت بوتيرة سريعة ، الخرائط والحدود.

 

اليوم السابع ، في الذكري الأولي من الحرب الأوكرانية ، يرصد في ملف شامل ما خلفته المعارك من آثار.. ويرصد ما هو قائم من فرص سلام - ولو كانت بعيدة-  وما هو واضح من احتمالات أكثر دموية وقسوة تقود الجميع إلى حرب عالمية ثالثة .

 

عصا التصعيد وجزرة السلام .. ما الذي دار في آخر ساعات "العام الأول" ؟

ومع اقتراب "ساعة الحرب" من الدقائق الأخيرة فى العام الأول ، كان الرئيس الروسي فلادمير بوتين يصارح شعبه في "يوم الدفاع عن الوطن" ، ويوجه رسائل تهديد حاسمة لخصومه داخل أوكرانيا وما ورائها ، معلناً اعتزام موسكو الاقدام علي إجراءات جديدة بخصوص القدرات الصاروخية للثالوث النووي، لمواكبة تطورات الصراع الذي يدور - علي حد وصفه -  داخل الأراضي التاريخية لروسيا.

 

وفي كلمته مساء الأربعاء ، قال بوتين إن العام الحالي سيشهد دخول أولى منصات منظومة "سارمات" الصاروخية الخدمة القتالية، مؤكدا أن موسكو ستواصل الإنتاج التسلسلي لصواريخ "كينجال" الفرط صوتية. ولفت إلى أن العام الحالي سيشهد كذلك تسليم كميات كبيرة من صواريخ "تسيركون" الأسرع من الصوت التي تُطلق من البحر.

 

وجاءت تصريحات بوتين بعد يومين من إعلان روسيا تعليق مشاركتها في معاهدة "نيو ستارت"، وهي آخر اتفاقية متبقية مع واشنطن للحد من نشر الرؤوس الحربية النووية لكلا البلدين.

 

الانفصال الروسي عن معاهدة نيو ستارت ، قابلته الولايات المتحدة بالتأكيد علي التزامها الكامل ببنود الاتفاق ، حيث أكدت المتحدثة باسم وزارة الدفاع سابرينا سينج لصحفيين ليل الأربعاء أنه "لا شيء سيتغير في ما يتعلق بالالتزامات التي من المقرر أن نفي بها". ووصفت قرار روسيا تجميد المعاهدة بأنه "مؤسف وغير مسئول".

 

وقالت سينج إن الحكومة الأمريكية تعتقد أن "القوة النووية المسؤولة تحتاج إلى مواصلة العمل مع الدول الأخرى في جميع أنحاء العالم التي لديها هذه القدرات النووية"، وإن واشنطن تأخذ التزاماتها بموجب معاهدة نيو ستارت "على محمل الجد".

 

الرسائل الروسية الأخيرة في العام الأول لم تخلو من التلويح بـ"جزرة السلام" .. ففي موسكو ، وبعد محادثات مشتركة مع الصين ، تم الإعلان عن "رؤية مشتركة" لتسوية سياسية للنزاع في أوكرانيا ، وهو ما أكده مسئول السياسة الخارجية الصينية وانغ يي بعد لقائه الرئيس الروسي.

 

وقالت وزارة الخارجية الروسية إن "الشركاء الصينيين أطلعونا على آرائهم حول الأسباب الجذرية للأزمة الأوكرانية، إضافة إلى مقارباتهم لتسويتها سياسيا"، لكنها أشارت إلى أنه "لم يدر حديث عن أي خطة سلام محددة".

 

وذكرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن عدم تطرق المسؤولين الأمريكيين إلى الرغبة في التسوية السياسية دليل على نية واشنطن زيادة التصعيد، ورحبت باستعداد الصين للعب دور في تسوية الأزمة

 

وفي كييف ، قال اولكسندر كورنينكو نائب رئيس البرلمان الأوكراني إن الحكومة الصينية لم تتشاور مع الجانب الأوكراني أثناء اعداد "خطتها المقترحة للسلام"، مشيراً إلى أن الرئيس فولوديمير زيلينسكي طرح قبل ذلك، وخلال لقاءات في قمة العشرين ، خطة سلام .

 

وفى مقابلة سابقة مع وكالة الاسوشيتدبرس، قال وزير الخارجية الأوكرانى أن روسيا لا يمكن دعوتها إلى القمة إلا إذا واجهت جرائم حرب أمام محكمة دولية"، غير أن الحديث عن سلام دون وجود طرف روسى سيظل أمراً يفتقر كثيراً لأدوات حل الأزمة.

 

بدوره، أعاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش تأكيد ضرورة التوصل إلى سلام شامل في أوكرانيا بما يتماشى مع قيم وميثاق المنظمة الدولية.

 

وقال الأمين العام، خلال الجلسة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة مرور عام على حرب روسيا على أوكرانيا، إن الحرب تؤجج عدم الاستقرار الإقليمي والانقسامات العالمية وتصرف الانتباه والموارد عن الأزمات الأخرى والقضايا العالمية الملحة.

 

 

الغاز والأصول المجمدة .. ألغام اقتصادية في طريق السلام

وفي الطريق إلى السلام البعيد ، ألغام اقتصادية لا يمكن اجتنابها ، بمقدمة تلك الألغام تأتي الأصول الروسية المجمدة ، التي ستحول - بطبيعة الحال - عن اقتناع روسيا بشكل جاد علي وقف إطلاق النار .

 

فخلال العام الأول من الحرب، تبادلت روسيا من جهة، والولايات المتحدة والدول الغربية من جهة، فرض العقوبات الاقتصادية وتجميد الأصول عبر حزم متتالية، ما يفتح العديد من التساؤلات الهامة، حول مصير تلك الأصول، وما ستؤول إليه حل الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وانهاء الحرب التى بدأت فى 24 فبراير الماضى.

 

وقدرت وزارة المالية الروسية حجم الأصول المجمدة من قبل الغرب بما يتراوح بين 300 مليار و350 مليار دولار، وهو ما يقارب نصف احتياطيات روسيا من الذهب والنقد الأجنبى، وبرغم أن تلك الأصول من الناحية القانونية لا تزال ملك للإدارة الروسية، إلا أنها لا تستطيع التصرف فيها بموجب العقوبات.

وبخلاف التقديرات الروسية، ذكر المفوض الأوروبى للعدالة فى الاتحاد الأوروبى ديدييه راندرز أن قيمة أصول روسيا المجمدة تقدر بـ 17.4 مليار يورو، وتشمل حسابات بنكية وعقارات ويخوتا وسلعا فاخرة أخرى لـ1350 من المواطنين والشركات الروسية التى وقعت تحت العقوبات الأوروبية.

 

وفى مقدمة الكيانات الروسية التى عانت من العقوبات، يأتى البنك المركزى الروسى فى المقدمة، حيث بلغت حصته من "التجميد" 23 مليار يورو، ووفقا لبيانات مطلع العام الحالى.

وفى موسكو، اقترحت وزارة المالية الروسية صفقة تبادل للأصول المجمدة بين المستثمرين الغربيين والروس، بحث تقوم هذه الآلية على الاستعاضة عن أصول المستثمرين الروس التى جمدتها الدول الغربية بسبب العقوبات بأموال مستثمرين أجانب محجوزة داخل روسيا، غير أن هذا الاقتراح لا يزال قيد الدراسة من جانب واشنطن والغرب.

 

وبرغم عدم الرد القاطع من قبل الغرب على مقترح روسيا، إلا أن الدعوات التى ظهرت على لسان مسئولين غربيين باستخدام الأموال الروسية المجمدة فى إعادة إعمار أوكرانيا، يظل كذلك مقترحاً غير قابل للتنفيذ فى ظل عدم إمكانية تطبيقه من الناحية القانونية، وسيعرقل أى حدث عن قمة السلام المرتقبة، ويقوض فرص نجاحها حال انعقادها.

 

وتظل المقترحات الروسية بشأن تسوية ملف الأصول المجمدة، اطروحات من موقع قوة، وهو ما عبر عنه نائب رئيس مجلس الأمن القومى الروسى دميترى ميدفيديف، الذى قال صراحاً أن روسيا بإمكانها اتخاذ قرارات مماثلة عبر "تأميم" أصول الشركات الأجنبية وودائع الأفراد الأجانب داخل بلاده.

 

وبحسب تقرير سابق للنبك المركزى الروسى، يقدر حجم الإجمالى للاستثمار الأجنبى فى الاقتصاد الروسى بنحو 1.18 تريليون دولار، 679 مليار منها عبارة عن اسهم فى الأعمال التجارية، و392 مليار دولار أخرى موزعة ما بين السندات والقروض والسلف التجارية وودائع.

 

ومنذ أن اتخذت السلطات الروسية - ردا على العقوبات - تدابير وقائية لمنع سحب رؤوس الأموال للدول المذكورة إلى الخارج أصبحت هذه الأموال محجوزة بالفعل داخل البلاد.

 

ومن الودائع إلى أزمة انقطاع أنابيب الغاز العابرة للمحيطات ، تظل الألغام الاقتصادية عائقاً حقيقاً في طريق السلام ، حيث يظل ملف الطاقة أحد الأعمدة الرئيسية للحرب الممتدة منذ عام ، كما يعد في الوقت نفسه أحد مفاتيح السلام التي لا يمكن اغفالها في أي سيناريوهات مقترحة للحل. فمنذ أن قررت دول الاتحاد الأوروبي تقليص واردات الغاز الروسي بنحو الثلثين على أساس التخلي عنه تقريبا نهاية العام الحالي، فضلا عن فرض عقوبات على النفط الروسي وفرض سقف سعرى لبيعه تم تحديده بـ45 دولارا للبرميل، أقدمت روسيا علي تحركات ناجحة نسبياً خلقت مستوردين جدد لما تنتجه من غاز .

 

القرار الأوروبي الذي تم بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية ، دفعت دول الاتحاد وشعوبها ثمنه غالياً من خلال خطة طوارئ لم تنته وفاتورة مرتفعة بداية من تكاليف الإنتاج ، وصولاً إلى فواتير الكهرباء في المنازل ، وخفض للاستهلاك في المنشأت العامة والخاصة علي حد سواء.

 

وقبل بداية موسم الشتاء الحالي، أعلن الاتحاد الأوروبي في أكتوبر أن جميع دوله حققت هدف تخزين أكثر من 82% من احتياجاتها من الغاز ، إلا أن تلك الخطط لم تفي بأهدافها كاملة برغم أن شتاء العام الأول للحرب لم يكن بالبرودة المعتادة ، ولم يتطلب المزيد من الوقود للتدفئة .

 

وقبل بداية الحرب ، كانت أوروبا تستورد 40% من احتياجاتها من الغاز من روسيا، وكانت ألمانيا أكبر مستورد للغاز الروسي بحوالي 5.6 مليارات متر مكعب، إلا أن هذا الوقع تغير ، حيث استبدلت أوروبا  روسيا بدولاً من بينها الولايات المتحدة وقطر والجزائر والنرويج، إذ تستورد الدول الأوروبية شهريا 25 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال، ثم يأتي الغاز القادم من النرويج في المرتبة الثانية بواقع 20 مليار متر مكعب شهريا، ثم الإنتاج الداخلي للدول الأوروبية، الأمر الذي جعل الغاز الروسي يتذيل ترتيب مصادر الغاز القادم نحو أوروبا.

 

ورغم ما يبدوا ظاهراً من نجاح أوروبا في معركة الغاز ، إلا أن الصين -  ذلك البلد الصناعي الكبيرـ كان غائباً خلال العام الماضي عن قوائم المستوردين للغاز بسبب اغلاقات كورونا ، وهو سيرغم أوروبا بطبيعة الحال إلى العودة مجدداً إلى خضم الأزمة ، وربما الرضوخ للجانب الروسي.

 

وحذر تقرير للوكالة الدولية للطاقة من احتمال عودة الطلب الصيني على الغاز الطبيعي المسال لمستوى عام 2021، ما قد يؤدي في العام المقبل إلى عجز أوروبي في مخزون الغاز قد يصل إلى 57 مليار متر مكعب تعادل نحو 15% من الاستهلاك الأوروبي.

 

ولا يعني فشل روسيا في الرهان علي "برودة الشتاء" ، أنها خسرت المعركة علي المدي الطويل ، فبخلاف احتمالات تبدل الأحوال خلال أشهر بشتاء أقل دفئاً في 2024 ، تظل الدول الأوروبية بحاجة إلى استثمارات ضخمة علي صعيد اللوجستيات اللازمة لتخزين الوقود ، تقدر بحسب تقارير غربية بـ 107 مليارات دولار لبناء محطات جديدة لتخزين الغاز الطبيعي المسال، وتوسيع مشاريع الطاقة المتجددة، وهي تكلفة باهظة في ظل ازمة التضخم والركود علي مستوي العالم أجمع.

 

وتكشف التحركات الروسية خلال العام الأول من الحرب ، والاتفاقيات التي تم توقيعها مع الصين ودولاً آسيوية أنها في طريقها للتخلي عن "الزبون الأوروبي" بشكل كامل، وتعويضه من خلال تدشين أنابيب لنقل الغاز إلى الحليف الصيني ، ومنه إلى دول القارة ، وهو ما يتطلب ـ وفق التقارير الروسية ـ من عامين إلى ثلاثة أعوام ، أو 10 سنوات بحسب التقديرات الغربية، وعلي اختلاف التقديرات ، يظل التفاهم بين معسكر روسيا والصين ، ومعسكر الغرب حول مصير الغاز ، أحد أهم النقاط التي ستحدد ما إذا كانت الحرب الأوكرانية في طريقها للحل ، أم أنها تسير بقوة الدفع إلى حرباً عالمية ثالثة.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة