بيشوى رمزى

الكوارث والأزمات.. معضلة المجتمع الدولى المزدوجة

الأحد، 19 فبراير 2023 04:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يبدو الزلزال الأخير الذي ضرب سوريا وتركيا، بمثابة "جرس إنذار" جديد للمجتمع الدولي، في ظل حالة من الأزمات التي باتت تضرب العالم، في السنوات الاخيرة بدءً من الوباء وحتى الأزمة الأوكرانية، وتداعياتهما الكبيرة التي حلت بالعالم، دفعت باقتصادات الدول نحو الهاوية، بينما حملت أبعاداً سياسية في ظل تأثيراتها المباشرة على حياة المواطنين في كل أنحاء العالم، لارتباطها بأمن الغذاء والطاقة، ترتب عليها موجات عاتية من الغلاء والتضخم، مما خلق حالة من الاضطراب جراء عجز الحكومات عن التعامل السريع معها، تجلت في ارتفاع وتيرة الاحتجاجات في دول اتسمت بنيتها السياسية بالاستقرار لعقود طويلة من الزمن.
 
وبالنظر إلى مفهوم الأزمات الدولية، نجد أنها تبدأ محدودة النطاق، في منطقة معينة، ولكنها قابلة للتفاقم، لتتسع جغرافيا نحو رقعة جغرافية أوسع، قد تمتد إلى شتى أنحاء الكوكب، على غرار وباء كورونا، والذي اندلع في الصين، ليتفشى من مشارق الشمس إلى مغاربها، وهو ما استغرق قدرا من الوقت، ربما يسعف الدول لاتخاذ ما تراه من اجراءات احترازية لحماية نفسها أو على الأقل التخفيف من حدة التأثيرات، في الوقت الذي يمثل فيه الزلزال الأخير صورة للكوارث، والتي تبقى متفاقمة في لحظة اندلاعها، دون تدرج، وهو ما يبدو في حجم الخسائر التي تعرضت لها سوريا وتركيا، في لحظة وقوعه، وما نجم عنها من حالة طوارئ لحظية في كل دول العالم، تحسبا لتكرارها في مناطق أخرى أو موجات "تسونامي"، قد تأكل الأخضر واليابس.
 
وبين الأزمات والكوارث، تبدو العديد من التقاطعات، أبرزها قابليتها للتمدد الجغرافي، إلا أنهما مختلفان فيما يتعلق بلحظية التأثير، فالكارثة تأثيرها في نفس لحظة اندلاعها، بينما يبقى تأثير الأزمة أطول نسبيا، وإن أصبحت تسير بصورة أسرع من الماضي، وهو ما يتطلب التعامل بشكل أكثر فاعلية لاحتواء تداعياتها المباشرة لحظة اندلاعها، وهو ما يمثل انعكاسا لمعضلة تبدو مزدوجة يواجهها المجتمع الدولي في المرحلة الحالية.
 
ففي الوقت الذي كشفت فيه الأزمات المستحدثة حالة من العجز الدولي عن احتوائها، ومنع تفاقمها وتمددها زمنيا وجغرافيا، في ظل غياب الاستراتيجيات طويلة الأمد في التعامل معها، تبقى كارثة الزلزال كاشفة هي الاخرى عن غياب خطط الطوارئ، فيما يتعلق بإغاثة المناطق المنكوبة وسكانها، سواء من قبل الدولة التي وقعت بها أو من قبل محيطها الإقليمي أو عبر المجتمع الدولي بصورته الجمعية، وهو ما يعكس المآسي المركبة التي يشهدها العالم.
 
والحديث عن مخاطر الكوارث الدولية الكبرى، ربما لا يقتصر على الطبيعي منها، على غرار الزلازل والبراكين، وإنما تبقى خطورتها في ظل امتزاجها بالأزمات القائمة، سواء من حيث التزامن الوقتي، وهو ما يبدو في الوقت الراهن في ظل تزامن كارثة الزلزال مع تداعيات اقتصادية عميقة للأزمة الأوكرانية، تعوق إلى حد كبير من تدفق المساعدات الدولية، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، التي يمر بها العالم، من جانب، أو من حيث اندلاع الكارثة كنتيجة للأزمة، في ظل حديث متواتر عن مخاوف كبيرة من احتمالات نشوب حرب نووية كنتيجة للصراع الراهن بين الغرب وروسيا في أوكرانيا، وهو ما يساهم في مزيد من توسيع نطاق الأزمة، لتحمل في طياتها طبيعة كارثية لحظية، في مناطقها الجغرافية، جنبا إلى جنب مع قابليتها للتفاقم والتمدد الجغرافي، لتضع شعوب العالم بأسره في صراع مع الحياة.
 
وهنا أصبح العالم، في مواجهة صريحة مع تحالف جديد بين الكوارث والأزمات، حيث صار كلا منهما مكملًا للآخر، فالكارثة تدفع العالم نحو أزمة شاملة، بينما أصبحت الكوارث مدخلا لازمات عميقة لم تعد مقتصرة على النطاق الجغرافي المحدود، وهو الأمر الذي يتطلب جهدا دوليا مضاعفا لمواجهتها في المرحلة الحالية، عبر استراتيجيات، تحمل خططا للمواجهة السريعة، مع أخرى ذات نطاق زمني أوسع للتعامل مع التداعيات، وقبلهما خطط استباقية للتعامل مع الكوارث والأزمات المتوقعة، بحيث تكون هناك حالة من الجاهزية للتعامل معها حال وقوعها أو منعها إن أمكن.
 
وللحقيقة، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب المزيد من التكامل والتضامن بين أعضاء المجتمع الدولي، سواء على مستوى الدول أو الأقاليم، بعيدا عن سياسات تصدير الأزمات، والتي اعتمدتها القوى الكبرى للاحتفاظ بمكانتها الدولية، عبر تفعيل الدور الذي يمكن ان تلعبه القوى الكبرى، أو المنظمات الدولية والإقليمية التي يمكنها التعاون فيما بينها في هذا الإطار.
 
وهنا يمكننا القول بان التكامل بين الدول دون تمييز لم يعد مجرد رفاهية سياسية وإنما بان ضرورة ملحة، حتى يتمكن الجميع من حماية نفسه قبل حماية الاخر، وهو ما يبدو في العديد من المشاهد التي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك عجز المنظومة الدولية في صورتها الحالية عن المواجهة، جراء التمييز القائم على ما يسمى بدول العالم الاول والثالث، وهو ما يعكس الحاجة لتغيير النظرة للدول على أساس تمييزي، يمكنه التأثير بالسلب على شعوب العالم بأسره.








الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة