مها عبد القادر

التنشئة السياسية من منظور الأمن القومي المصري

الإثنين، 25 ديسمبر 2023 04:18 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تسعى التربية السياسية إلى إعداد المواطن الصالح الذي يتحلى بالقيم المجتمعية النبيلة التي تحثه دومًا على العطاء والمشاركة والتفاعل مع سائر القضايا التي يمر بها المجتمع؛ بالإضافة لإدراكه تجاه المخاطر المحدقة بالوطن، ومشاركته الفاعلة في تحقيق ماهية الأمن القومي في ضوء ما يستطيع أن يقوم به أو يؤدي من مهام نوعية تعلى من شأن وكيان مجتمعه ويحقق التنمية في صورتها الشاملة والمستدامة.

والمطالع لحضارات الأمم وما مرت به من أحداث شكلت عقيدتها، يجد أن التنشئة السياسية تقوم على ما تتبناه كل أمة من مبادئ وقيم تحاول من خلالها الحفاظ على هويتها وقوميتها، وتجنبها الانسياق في جعبة الأمم الأخرى؛ لتضمن بناء أجيال تمتلك المقدرة على البناء ويترسخ في وجدانها الولاء والانتماء، وتحافظ على ما لديها من مقدرات، وتعمل جاهدة على تعظيمه، وتتشكل أهمية الأمن القومي في أذهان تلك الأجيال لتعمل على تعضيده، وتستمد فكرها السياسي الصحيح من غايات الوطن العليا التي لا تخضع لمصالح ضيقة أو تغيرها أهواء، أو تحد من تحقيقها تحديات وصعوبات متغيرة على الساحتين الداخلية والخارجية.

وجمهورية مصر العربية دول ذات سيادة تحكمها قيم وأعراف مجتمعية عرقية وراسخة ممتدة من جذور ثقافية تتسم بالعمق والثبات؛ فبرغم التغيرات التي جرفت ثقافات عديدة؛ إلا أن الثقافة المصرية يصعب خرقها أو اختراق سياجها الحامي المتمثل في نسق القيم الزاخر بالإيمان والإخلاص في قلوب ووجدان شعب عظيم يدافع عن وطنه بكل ما أوتي من قوة، ولا قبل للخضوع أو التبعية مهما قدم من تضحيات تلو التضحيات؛ فهو شعب على رباط العزة والكرامة لا يتراجع أو يتنازل.

ومؤسسات الدولة الوطنية بتنوعاتها المختلفة وما تحمله من أهداف سامية تسعى مجتمعة لغرس قيم الولاء والانتماء وحب الوطن والإخلاص له والتضحية من أجله فيما تتبعه من منهجية قد تحددها استراتيجية معلنة أو غير معلنة، وبالطبع تؤدي المؤسسات التربوية على وجه الخصوص هذا الأمر عبر مناهجها التعليمية وأنشطتها المتنوعة الثرية التي تستهدف صقل الأذهان ببنية معرفية سليمة تؤدي إلى تصفية الوجدان لدى منتسبيها كي تتشكل الاتجاهات الثابتة تجاه حب الوطن ورموزه، ومن ثم يتكون الوعي السياسي في صورته الصحيحة.

وتقع مسئولية التنشئة السياسية على عاتق الدولة في المقام الرئيس؛ حيث تضع من الأهداف العليا ما يحض عليها ويلزم مؤسسات الدولة بتحقيقها بصورة ممنهجة تضمن تنمية الإيجابية لدى الفرد؛ ليصبح مشاركًا في سائر الفعاليات والمشاركات السياسية، ولا يقع في براثن السلبية والاتكالية، ومن ثم يصبح فريسة للفكر المتطرف، ومن ثم تضحى الديمقراطية نمطًا من أنماط الترف؛ فتضيع الحقوق وتضعف المسئوليات وتسود الدكتاتورية وتفرض البيروقراطية سلطانها على كافة الأصعدة؛ فيذوب كيان الدولة ويحدق بها المخاطر والتحديات التي تهدد أمنها الداخلي والخارجي على السواء.

ومما لاشك فيه أن بقاء الحضارة مرهون بثقافة تعتمد على مبادئ ومعايير تقوم عليها الدولة، وهذا يتعلق بالتنشئة السياسية بشكل واضح؛ لأن الأجيال الصاعدة هي التي سوف تصنع القرار السياسي بمختلف مستوياته وتنوعاته، وينبغي أن نحرص على إعداد أجيال تحمل الراية، وتمتلك الكفايات التي تؤهلها لتحقيق هذا المطلب الخطير؛ حيث إن التنمية بمستوياتها وأبعادها ومجالاتها المختلفة تتوقف على سياسية الدولة العامة وقراراتها المصيرية، ومن ثم نستطيع القول بان التنشئة رسالة دولة وضمانة مجتمع بأسره بكامل مؤسساته الرسمية وغير الرسمية.

وفي ضوء ما تقدم ناكد بما لا يدع مجالًا للشك بأن التنشئة السياسية أحد مقومات الأمن القومي المصري؛ حيث تُسهم في غرس القيم والمبادئ والاتجاهات السياسية الصحيحة، وتعمل على التنمية المقصودة للفكر الإيجابي تجاه الوطن ومقدراته ورموزه، وتضمن نماء المشاعر الوطنية وتعميقها في الوجدان، وتقي الفكر من مسارات الانحراف، وتحث النفس على السلم والسلام، وتوجه الفرد لطرائق التعايش السلمي وأساليب الحوار البناءة، وتدعم الفرد تجاه الانخراط المجتمعي، ومن ثم تؤهل الكوادر لتصبح قادة في المستقبل القريب.

حفظ الله شعبنا العظيم ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة