خليل ابو شادى

جمال حمدان: "لا فلسطين بل ولا عرب" بدون مصر

الأربعاء، 08 نوفمبر 2023 05:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ليس لأطفال فلسطين إلا مصر، هذا ما تقوله الأحداث، فبعد عملية طوفان الأقصى، أطلقت أطراف سياسية مختلفة التصريحات النارية، "حزب الله وإيران وتركيا وغيرها"، لكن لا أحد يتحرك، وذلك ببساطة، لأنه ليس دورهم، فهذه الأطراف تستطيع إشعال أزمة، لكنها لا تستهدف خوض حرب حقيقية، أو إنجاز تحرير حقيقي للشعب والأرض.
وهذا ما يقوله واحد من أهم علمائنا منذ سنوات طويلة، ففي كتاب العالم الكبير جمال حمدان "شخصية مصر دراسة في عبقرية المكان" الباب الحادي عشر بعنوان مصر والعرب، الفصل 43 بين الوطنية المصرية والقومية العربية "الاستمرارية والانقطاع"، يقول حمدان: فلعل الاختبار النهائي لزعامة مصر، في أن ترقى إلى مسؤوليتها عن استرداد فلسطين، وإذا صح أن نقول إنه لا وحدة للعرب بدون زعامة مصر، فإنه صح أن نقول إنه لا زعامة لمصر بين العرب دون استردرد فلسطين، لأنه لا وحدة للعرب أصلا دون استرداد فلسطين.
 
هذا الاستنتاج ليس عنتريا، وإنما ورد في آخر هذا الفصل من الكتاب، بعد مقدمات جغرافية وتاريخية منتشرة في كتابه المعجزة، وخاصة في هذا الفصل المهم، حيث بني العالم العبقري استنتاجه على النحو التالي:
 
وإذا التفتنا إلى جيران العرب المباشرين، فإن مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي تناظر الوحدات الكبرى في جيران العرب مثل تركيا وإيران وأسبانيا... نستطيع إذن أن نعد مصر من زاوية الحجم البشري هي القوة الأولى في العالم العربي.
 
والواقع أن هناك نمطا خاصا يتكرر كالقاعدة العامة في توزيع الكتل البشرية على وجه الأرض عامة، ففي كل محيط جغرافي واسع نجد أن هناك دولة ضخمة الحجم، تحيط بها كوكبة من الدول الصغرى نسبيا، ولا تملك الأخيرة سوى أن تشعر بثقل الدولة الأولى سياسيا وحضاريا، كالصين في شرق آسيا، والهند في جنوب آسيا، وروسيا في شرق أوروبا، والولايات المتحدة في أمريكا الشمالية، والبرازيل في أمريكا الجنوبية، وكذلك مصر بالنسبة لمحيطها العربي.
وتحت عنوان "الكيف قبل الكم أحيانا" يقول جمال حمدان: لكن مصر لا تستمد ثقلها من الحجم الخام وحده، ولكن من تجانسها الشديد أيضاً، فوحدتها الجنسية واللغوية مطلقة، ولا تعرف فيها الأغلبية والأقلية التشرزم والتشيع الطائفي ولا القبلية، وكل المصريين يشكلون وحدة وطنية على درجة نادرة من التماسك في الوطن العربي.  
 
لذلك فإن مصر في حركتها لا تعرف التشرزمات والشظايا التي تفكك كثيرا من الشقيقات العربيات، ما يمنحها ثقلا فعالا يزيد على ثقل عدة وحدات صغيرة قد يفوق مجموعها حجم مصر، ولهذا فإن الاستقرار السياسي سمة واضحة في مصر، والنتيجة أن مصر أقوى قوة في العرب مرتين، مرة بمطلق حجمها، ومرة بتجانسها المطلق. مصر مركز الثقل الطاغي وقطب القوة في العالم العربي، ينتشر ظلها وشبه ظلها بل والصدى بعيدا في آفاقه، فوجودها محسوس بقوة حتى في الأماكن العربية التي ليس فيها مصريون.
 
من هنا كانت مصر أكثر من عضو ضخم في الجسم العربي، إنها رأس، بل ورأس موح ومؤثر، وجهاز عصبي مركزي فعال، كبوصلة للعالم العربي تتحسس نبضه وترصد تيارات العالم وتحدد اتجاه القافلة، وهي في الحالتين النموذج الذي يترسمه العالم العربي في تطوره السياسي وغير السياسي، ولذلك كانت مصر أسبق الدول العربية إلى المجال العالمي وأقدرها عليه.
 
ومن هذه الأوضاع تحتمت على مصر بانتظام مسؤولية الحماية والدفاع عن العروبة ابتداء من الصليبيات والتتار حتى الاستعمار الأوروبي الحديث والاستعمار الصهيوني الأحدث.
 
ومن نفس هذه الحقائق ينبع عداء القوى الاستعمارية لمصر -أحيانا إلى درجة الحقد- فالاستعماريون يعلمون عن يقين أن ها هنا قلعة العرب وها هنا مفتاح القلعة، فكانت دائما الهدف النهائي لضرباتهم ومؤامراتهم، فنحن نسمع دائما عن محاولات عزل مصر عن العرب، ولا نكاد نسمع عن محاولات شبيهة تجاه دول عربية أخرى، وباختصار في حجم مصر وقوتها يكمن خطرها ويكمن أيضا الخطر عليها.
 
ويأتي موقع مصر الجغرافي ليمنحها مزيدا من التفرد، فهو كالقلب من الجسم، واسطة العقد، وهمزة الوصل بين آسيا العربية وأفريقيا العربية، وهي التي قدمت المغرب العربي إلى المشرق تاريخيا وجغرافيا، فمصر كالعقدة البشرية، عقدة المعمور العربي، فعندها فقط تلتحم ذراعا العروبة في أفريقيا، بالحلقة السعيدة التي تطوق المشرق العربي.
وحتى إذا غيرنا المنظور وضيقنا عدستنا، وضيقنا حدتها حتى لا نرى خلالها إلا أبرز خطوط العمران، استطعنا رؤية هلالين خصيبين، الأسيوي المعروف، والأفريقي الأضخم والأقل شهرة، ومصر نقطة التماس والالتحام بينهما، فمن أي زاوية أو منظور ستجد مصر دائما واسطة العقد، ولعل هذا هو السبب في أنه إذا كان بين العرب تؤمات إقليمية تجد لمصر توأمين من الأشقاء العرب "السودان والشام".
 
ويتميز موقع مصر من العروبة بأنها ضمن الدول العربية التي  ليست لها حدود مع غير العرب، فأصبحت بمنأى عن أخطار مثل التتريك على تخوم سوريا، والتعجيم في الخليج، والمؤثرات الزنجية في السودان
وتحت عنوان فرعي "قضية الزعامة التجربة التاريخية"، يقول حمدان في كتابه: هي قضية حسمتها الجغرافيا إلى الأبد، فإن دور مصر القيادي والريادي لم يتوقف حتى عندما انتقلت الزعامة شكليا إلى غيرها.
 
ويواصل العالم العبقري جمال حمدان في كتابه شخصية مصر: من ثم إذا كان مصير مصر عربيا من الناحية السياسية، فإن مصير العرب مصريا من الناحية الحضارية.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة