"إسرائيل شعب الله المختار"، مقولة يرددها الاحتلال الإسرائيلى طوال الوقت، ليؤكد بها أهميته وقدسيته وسط شعوب العالم، فالشعور بالاستعلاء والاستكبار على جميع الخلق أصبح داء مزمنا لدى هذا المحتل، الأمر الذى دحضته الشرائع والديانات السماوية، فقد كذبها القرآن الكريم فى العديد من الموضوعات، وعلقت عليه الكنيسة مؤكدة فهم اليهود الخاطئ لها، ولعل أبرز تساؤل أمام أعيننا الآن هو كيف لمجموعة من اللصوص سرقوا الأرض وانتهكوا العرض وحرقوا الأخضر واليابس وقصفوا المبانى وقتلوا الأطفال واغتصبوا النساء ودمروا المدارس والمستشفيات ويريدون محو تاريخ الأمة ويسعون فى الأرض فسادا، أن يتصفوا بشعب الله المختار؟!
لا عهد لهم
من جانبه علق فضيلة الشيخ أحمد ترك، الداعية الإسلامى، قائلا: "الحقيقة إذا نظرنا للتاريخ والكتب المقدسة، خاصة القرآن الكريم، سنجد أن فئة بنى إسرائيل تكلم عنها الله تعالى فى أكثر من 100 آية، فبنو إسرائيل يتعالون على البشر والشعوب والبلدان ويعتقدون أنهم أعظم من الشعوب الأخرىو وعرق أقدسو ويتعاملون من هذا المنطلق، والله عز وجل، قال: "يَا بَنِى إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ"، مضيفا "كانوا يعتبروا الوفاء بالعهود مع من هم أقل درجة إهانة لهم - أى لبنى إسرائيل - لأن من دونهم ليسوا بشر وما هم إلا حيوانات - حسب معتقداتهم الخاطئة - ولن يكون لديهم وفاء بالعهد مع الحيوانات البشرية من وجهة نظرهم الاستعلائية، ولذلك الله أمرهم بالوفاء بالعهود، وهذا سر عدم انسجامهم مع الشعوب الأخرى.
وتابع فى تصريحات خاصة لليوم السابع أن ما يحدث فى الواقع من إطلاق الأكاذيب له أصل تاريخى، فنحن نتعامل مع عقيدة ومع فئة لا بد أن ندرسها جيدا، والعقائد الخاصة باليهود وتفسيرهم عن التوراة تصب فى هذا الأمر، فهم ينظرون للعرب على أنهم حشرات، وفكرة التقية فى حد ذاتها جاءت منهم، وهى إخفاء نيتهم فى بداية التعامل حتى يتمكنوا منك ثم يقتلوك، وأضاف أنه من المعلوم أن اليمين المتطرف فى إسرائيل هو الذى يحرك الدولة، ولو أن سيدنا إبراهيم وسيدنا يعقوب معنا الآن، لتبرآ منهم ومن أفعالهم.
الشيخ أحمد ترك
علاقة باباوات الكنيسة الأرثوذكسية بالقدس
وعلق الباحث إسحاق إبراهيم الباجوشى، عضو لجنة التاريخ القبطى بالكنيسة، قائلا إن رواية «شعب الله المختار» تم تفسيرها خطأ، فالله ليس له شعب أو أمة مختارة، بل الأمة التى ترضى الله جاءت فى الكتاب المقدس «مبارك شعبى مصر» - وعلى الرغم من ذلك فإننا لا نستغل هذه البركة الخاصة من الله لنا.
وأوضح عضو لجنة التاريخ القبطى فى تصريحات خاصة لليوم السابع أنه بالنسبة للفكر المسيحى، فالعبرانيون هم أولاد إبراهيم، وهم نسل إسحاق ويعقوب، وأصبحوا اليهود، وبعد ذلك بدأت القصة تتخذ منحى أن الله يريد أن يخلص البشر، ولكن هذا الشعب لم يخصه الله دون غيره، بدليل أنه أرسل يونان إلى شعب نينوى، وهو ليس شعبه.
وتابع بأن باباوات الكنيسة الأرثوذكسية دافعوا عن القدس، وكان كاتب الجيوش الأيوبية أيام صلاح الدين الأيوبى وأيام الملك العادل ومسؤول عن تدبير الجيش وتحركاته يسمى سمعان بن كليل بن مجارة بن أبى الفرج، حيث ترك الجيوش الأيوبية سنة 1206 وهذا دليل قاطع بأن دفاع الأقباط عن القضية الفلسطينية أو عن بيت المقدس ليس أمرا جديدا عليهم، والبابا كيرلس السادس قال، فلنتسلح جميعا وخاصة الأقباط للمحاربة عن نصرنا العادل بإذن الله وندعم شعب فلسطين، وكان الأنبا صموئيل أسقف الخدمات الذى استشهد مع الرئيس الراحل أنور السادات، قد شارك فى العديد من الحروب التى تدعم القضية الفلسطينية، والبابا شنودة الثالث نظم العديد من المؤتمرات الداعمة لفلسطين، فكل إنسان يصنع البر هو شعب الله المختار، بدليل إرسال الأنبياء.
الباحث إسحاق إبراهيم الباجوشى
حديث البابا شنودة عن شعب الله المختار
وكان قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية السابق، قد تحدث خلال احتفالية اليوبيل الذهبى لجامعة الدول العربية فى عام 1995، عن القضية الفلسطينية والقدس، قائلا: "أما عن القدس، فاليهود يسمونها أرض الميعاد، ويقولون إنهم عاشوا فيها بوعد من الله، وأنا أقول لكم إنهم جاءوا إليها ليس بوعد من الله، وإنما بوعد من بلفور، فتعالت أصوات التحية والتصفيق داخل قاعة الاحتفال مشيدة بكلمة قداسة البابا".
وأوضح إنه لم يحدث أن هناك شعبا غضب منه الله مثلما غضب من اليهود، شارحا القصة من البداية، بأن الوعد الذى أعطاه الله أولا للآباء كانت له ظروفه، وكان له شروط خاصة ومدى زمنى معين انتهى فيه، فالعالم قديما كانت تسوده الوثنية وعبادة الأصنام، وأراد الله أن يحفظ مجموعة من الناس بعيدا عن التأثير الوثنى فى أرض الآباء والأنبياء، فكان نسل أبينا إبراهيم، ونسل حفيده يعقوب إسرائيل، وأعطاهم الله وعدا أن يعيشوا لكى يحفظوا الإيمان إلى أن يأتى الوقت لينتشر فيه الإيمان فى الأرض كلها وتذوب الوثنية وعبادة الأصنام ولكنه كان وعدا مشروطا.
كلمة البابا شنودة
وذكر أن الذى حدث أن هؤلاء الناس عبدوا الأصنام حتى فى أيام موسى النبى، وعندما تأخر موسى النبى أياما على الجبل مع الله، نحتوا عجلا ذهبيا وسجدوا له، وقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التى أخرجتك من أرض مصر، وغضب الله عليهم غضبا شديدا، وبعد ذلك بدأ داود النبى يتخذها عاصمة، له حتى القرن التاسع أو العاشر قبل الميلاد.
وأوضح البابا أن فكرة شعب الله المختار، قد انتهت، فهل من المعقول أن الله يترك آلاف الملايين الذين يعبدونه الآن، ويختار 3 ملايين يحتلون أرض فلسطين؟! لا يمكن.
وأدان البابا شنودة الثالث اعتداءات اليهود على أرض فلسطين، وقال: لا نقبل فلسطين إلا أن تكون دولة مستقلة ذات سيادة تحكم نفسها بنفسها وكل ما فكرنا فيه أثناء اتفاقية غزة وأريحا أن هذه مجرد خطوة أولى تعقبها خطوات، ولكننا لم نجد هذه الخطوات بل وجدنا تنكرا للاتفاقيات السابقة، فالسلام الحقيقى يعطى لكل ذى حق حقه ونحن كرجال دين نطالب بحق وكرجال دين نطالب بالعدل.
جانب من كلمة البابا عن القضية الفلسطينية
محاولات صهيونية للغزو الثقافى..
وقال الدكتور إبراهيم الجمل، أمين عام بيت العائلة بالإسكندرية إن القرآن الكريم نفسه كذب هذه المقولة، بدليل قوله تعالى فى سورة المائدة الآية رقم 18 «وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ»، وقال فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع» إن الاحتلال الإسرائيلى يحاول طول الوقت أن يلعب على أوتار الفكر والثقافة والدين، وهو أن يكون هناك غزو ثقافى للشعوب والعقول العربية.
الدكتور إبراهيم الجمل
عبارة سياسية مُغلفة بالدين..
وعلق القس بطرس عزيز، رئيس لجنة الرعاة بمجلس كنائس مصر، على أن فكرة «شعب الله المختار»، هى أن الله فى العهد القديم اختار إبراهيم وبعده ابنه إسحاق وبعده ابنه يعقوب الذى تحول إلى "إسرائيل"، ولأن العالم كان مليئا بالعبادات الوثنية؛ فأحب أن يحافظ على مجموعة من الناس ألا يضلوا، فجاءت مقولة شعب الله المختار، طالما أنهم ينفذون وصايا الله ويقبلون بالسيد المسيح، وذكر أن المقولة انتهت بأن اليهود أنفسهم تعدوا وصايا الله فى العهد القديم، ولم يعبدوه، والمرة الثانية حينما رفضوا المسيح ولم يؤمنوا به وقتلوه.
القس بطرس عزيز
من جانبه، علق الشيخ إبراهيم رضا، أن الكيان المحتل الغاضب يتمسح بموسى، ولكن لا علاقة لهم به إطلاقا، والتوصيف الصحيح للاحتلال أنهم مجموعة من اللصوص ولديهم استعداد لارتكاب كل الجرائم للتوسع فى الحلم «من النيل للفرات».
وأضاف إبراهيم رضا، أن الاحتلال يريد تهجير الغزيين طمعا فى الاستيلاء على غزة، فهم ليست لديهم عقيدة محصنة لأنهم لصوص، وهناك آيات تبشرنا بالنصر القريب، فكلمة «شعب الله المختار» مجرد جملة صنفت من خلال أجهزة مخابراتية لا علاقة لها بالسماء، وهى تمسُح بالدين.
الشيخ إبراهيم رضا
وفى عام 2008 صدر كتاب للمفكر المصرى الراحل عبدالوهاب المسيرى، وهو مفكر مصرى يسارى، ومؤلف موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية» التى تعد أحد أكبر الأعمال الموسوعية العربية فى القرن العشرين، حول إعادة التذكير بأن أعضاء الجماعات اليهودية لم يكونوا قط شعبا واحدا ذا وحدة يهودية عالمية، ويتسق بهوية واحدة ويبحث عن وطن قومى، وأن القضايا الخاصة بالهوية اليهودية لم تحسم بعد.
وضرب «المسيرى» مثلا بقانون العودة الذى صدر بعد إعلان قيام الدولة عام 1948 وينص على أنه يحق لكل يهودى أن يهاجر إلى إسرائيل، لكن واضعى هذا القانون لم يحدده أى يهودى تحق له العودة، كما لم يعرفوا بالضبط ما اليهودية التى يؤمن بها هذا اليهودى فى ظل تعدد الموروثات الدينية والعرقية للجماعات اليهودية التى لم تستمد هوياتها من هوية يهودية عالمية، بل من مجتمعات عاشت فى ظلها، ما يدحض المقولة التى يرددونها طوال الوقت بأنهم شعب الله المختار.
المفكر المصرى الراحل عبدالوهاب المسيرى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة