قال شكسبير: "مَنْ لا يُقدر وُجودك، لا تُعظّم غيابه"، وهذه المقولة صحيحة بنسبة مائة بالمائة، فالإنسان الذي تتواجد في حياته بكل جوارحك، وتمنحه كل شي بمُنتهى التفاني والإخلاص، وتعيش مشاكله وهُمومه وآلامه، وتدخل في دائرة أفراحه وسعادته، وتُشاركه في كل تفاصيل حياته، وفجأة تكتشف أن وُجودك وعدمك سواء لديه، وأنه يستطيع أن يحيا بدونك، ورُبما يوجد البديل في أي لحظة، وبدون أي عناء، فهنا انسحب من حياته بمُنتهى الهدوء، ولا تبكِ على ذكرياتك معه، ولا تبحث له عن مُبررات للرجوع، ولا تلتمس له الأعذار عن استهتاره بمشاعرك، واستهانته بوجودك في حياته، فإن كان قد اعتبر وجودك مثل غيابك، فعليك أن تُؤمن بأن غيابه أفضل ملايين المرات من وُجوده.
صدقني يا سيدي القارئ، ليس أصعب على الإنسان من إحساسه بأنه لم يترك بصمة في حياة أقرب الناس إليه، رغم أنه تفانى في عمل كل شيء له، فهذا الإحساس قاتل بلا نقاش، ومُؤلم لأقصى درجة مُمكنة، ويصعب احتماله، ولكن هل من المنطقي أن نذهب لهؤلاء الأشخاص، ونُكرر عليهم مدى قيمة وجودنا في حياتهم، فهذا أمر غير منطقي بالمرة، ولن يُجْدي من الأساس.
وللأسف لن يكون هناك سبيل لدرء الضرر، ولمَّ شتات النفس، سوى قرار واحد يصدر من صميم الوجدان، وهو غياب هؤلاء الأشخاص من حياتنا تمامًا، ولا نبكي على أي شيء فعلناه من أجلهم، لأن البكاء لن يُعيد ما راح، ولن يأتي بثماره على الإطلاق، ودعوا الأيام هي التي تقول كلمتها، وتُصدر قرارها، فربما مَنْ استهان بوجودك، ولم يُقدره، يعرف قيمتك عندما تنسحب بلا رجعة، لاسيما لو تيقن أن غيابه لم يُؤثر فيك مُطلقًا.
فالزمن وحده كفيل بإعادة كل شيء إلى نصابه الصحيح، وكل إنسان مهما تظاهر بأنه لم يُخطئ أمام الناس، فبالقطع يعترف بالحقيقة بينه وبين نفسه، وقطعًا بصمتك ستظهر مع الأيام، ولن تُمحيها أي آثار زائلة بلا قيمة، لأن ما يقوم به الإنسان بإخلاص، لابد أن يترك صدىً حقيقيًا، وبصمة صادقة، فهذا هو الزمن.
وللأسف الشديد، قد يُنكر البعض فضلك، وقد يستبدلك البعض بغيرك، وقد يستهين البعض بمشاعرك، وقد ينساك البعض، حتى وأنت أمام عينيه، ولكن الزمن وحده كفيل بأن يُخلد ذكراك، ويُوثق مواقفك، ويطبع بصماتك، ويُحيي إنسانيتك.
وهنا لابد أن تعترف بأنه يكفي اعتراف الزمن بوجودك، فهذا أكبر تقدير لك ولمكانتك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة