رغم مرور 71 سنة على معركة الإسماعيلية الشهيرة، إلا أن تضحيات رجال الشرطة مازالت تتواصل حتى الآن، ولكن تبقى أسماء محفورة في ذاكرة ووجدان الوطن، لا سيما الشخصيات البوليسية التي قدمت الكثير من أجل حماية واستقرار هذا الوطن، ومن بينهم:
مصطفى رفعت
لقاء لم يستمر سوى دقائق قبل معركة الاسماعيلية جمع "مصطفى رفعت" بالجنرال الإنجليزى الأشهر "أكسهام"، حيث طلب الأخير من الأول الرحيل عن المكان قائلًا:" شيل القماشة اللى فوق المبنى دا ـ يقصد العلم ـ واركب القطار أنت وجنودك وتحركوا من الإسماعيلية على القاهرة"، فرد "رفعت" بصلابة:" القماشة دى علمنا، وهيفضل يرفرف هنا، أما القطار فممكن تركبه انت وجنودك، لأننا لو حاربنا بعض 50 سنة مش هنسلم"، فاندهش الجنرال الإنجليزى، قائلًا:" انت كدا بتحارب جيش بريطانيا العظمى.
وفى تسجيل نادر لـ"رفعت" بعد سنوات من المعركة يقول: "نزلت لقيت الجنرال الإنجليزى أكسهام على باب المحافظة، وأيقنت أن الواحد كدا كدا ميت، لكن قبل ما أموت لازم أعمل حاجة فاستبسلنا"، مضيفًا بعد انتهاء المعركة، بأن أكسهام أمر جنوده بمنح الأبطال المصريين التحية العسكرية، قائلًا:" حيونا، وحسيت أنى كبرت وبقيت زى الجبل".
طلب الجنرال «أكسهام» قائد القوات البريطانية فى منطقة الإسماعيلية البكباشى شريف العبد «اللواء فيما بعد»، وكان ضابطا للاتصال المصرى مع القوات البريطانية، فتوجه إليه فى مبنى لشركة القناة، فكان سطرا فى المعركة البطولية للشرطة المصرية ضد القوات الإنجليزية يوم 25 يناير - مثل هذا اليوم - 1952.
يتذكر «العبد» فى شهادته للكاتب الصحفى جمال الشرقاوى فى كتابه «حريق القاهرة - قرار اتهام جديد» عن «دار الثقافة الجديدة»: «كان أكسهام بملابس الميدان.. أخرج من جيب سترته خطابا تلاه على: «أمرت بإبعاد كل البوليس الاحتياطى عن المنطقة، ويجرى الآن حصار ثكنات البوليس الرئيسية، وأطلب كل قوات البوليس النظامية والاحتياطية أن تتجمع فورا بدون أسلحتها أمام ثكناتها على أن يتقدم أكبر الضباط رتبة فى كل ثكنة إلى المدخل لتلقى التعليمات فى الساعة السادسة وخمسة وعشرين دقيقة صباحا، وإذا لم يتم ذلك أو فى حالة إطلاق النار على قواتى سأستخدم القوة لتنفيذ أوامرى».
يضيف العبد: «قلت إن هذا الأمر لا يمكن تنفيذه، عندئذ أعطانى الإنذار، وحملنى مسؤولية ونتائج رفضه.. توجهت إلى منزل وكيل المحافظة وأطلعته على الإنذار فعلمت منه أن عساكر البوليس فى المحافظة، وبلوك النظام أخذوا سلاحهم وذخيرتهم المحدودة، ومصممون على القتال».. يؤكد، أنه فى السادسة والنصف صباحا، حدث اتصال تليفونى بين منزل وكيل المحافظة ومدير الأمن العام بالقاهرة، واستطعنا أن نوقظه من النوم وأبلغناه وانتظرنا الرد، لكن أحدا لم يرد، وفى السابعة صباحا بدأت المذبحة الأولى، وسمعنا صوت أول طلقة مدفع أطلقتها الدبابات البريطانية، ورد عليها رجال البوليس، ودكت المدافع البريطانية مبنى المحافظة القديم.. استمر الضرب 10 دقائق ثم عادت القوات البريطانية تطلب التسليم، وأعطت مهلة 15 دقيقة.. لكن مصطفى رفعت صاح: «لن تتسلمونا إلا جثثا هامدة.
مصطفى رفعت «اليوزباشى» وقتئذ «اللواء فيما بعد» بطل ورمز هذه المعركة، واستلهم الكاتب أسامة أنور عكاشة قصة قيادته للعمل الفدائى فى القناة قبل ثورة 1952 فى مسلسله «ليالى الحلمية».. يكشف فى شهادته بكتاب «حريق القاهرة»: «قررت أنا وصلاح الدسوقى التطوع للسفر للقتال لتنظيم صفوف المقاومة وتنظيم قوات البوليس المبعثرة هناك، قدمنا طلبا لمدير الكلية، انضم إلينا صلاح ذوالفقار «الفنان»، وصلنا إلى الإسماعيلية، اتصل بنا بعض الضباط الأحرار ومدونا بالقنابل والذخائر، واتصلنا بمجموعات الفدائيين، توسعنا فى نشاطنا، كنا نهرب للفدائيين عندما نعلم أن الإنجليز سيقومون بحملات تفتيشية، وندرب ونمد الفدائيين بالذخيرة، وتحولت المنطقة إلى جحيم للبريطانيين».
يتذكر «رفعت»: «يوم 25 يناير كانت قوات البوليس حوالى 700 أو 1000 عسكرى موزعة على معسكرى المحافظة والمستوصف، وكنا الضباط فى لوكاندة قريبة، والتسليح للعساكر كان بندقية «لى انفيلد»، ونصف العساكر بالخيرزان فقط.. أيقظنى فراش اللوكاندة وكان متعاونا، يغطينا عندما نغيب أثناء القيام بالعملية.. كان معى اليوزباشى عبدالمسيح مرقص واليوزباشى مصطفى كمال عشوب والبكباشى حسان أبوالسعود، قال الرجل: الحقوا المدينة احتلها الإنجليز.. نزلنا على الفور مع عساكرنا، قرأنا الفاتحة، حتى الأخ عبدالمسيح قرأ معنا.
ذهبوا إلى المحافظة، يتذكر: «تحمس العساكر عندما رأونا، قالوا: «لا تسليم، نخلص كلنا ولا نخرج من هنا، وزعنا أنفسنا وذخيرتنا، بدأ الضرب بالأسلحة الثقيلة بوحشية، تساقط القتلى والجرحى، جاء عامل التليفون يبلغنى أن وزارة الداخلية تطلبك، لأنهم لم يجدوا أحد الضباط الكبار.. كان المتحدث وزير الداخلية فؤاد سراج الدين.. قال: فيه إيه عندك؟، وجهت سماعة التليفون ناحية الضرب، وقلت: هذا هو الموجود.. قال عندك قتلى.. قلت: نعم. قال: أين الضباط الكبار؟ قلت: لا أعرف، قال: ماذا ستفعلون؟.. قلت: لن نسلم، وفى هذه اللحظة سقطت قنبلة على السويتش فقطعت المكالمة، وآخر كلمة قالها الوزير: «شدوا حيلكم».
يتذكر «رفعت»: «طار ذراع جندى.. توجهت لرعايته، فقال: اذهب أنت لواجبك، شد حيلك، ولع لى سيجارة، اضطررت للخروج، رفعت راية، توقف الضرب، جاء أكسهام وسأل: ستسلمون؟.. قلت: «لا، أطلب الإسعاف للجرحى»، صرخ: «سلم أولا»، فقلت له: «استمر، واستمر»، اتخذت العملية طابع المذبحة، كانت طائرة تطوف بالميكروفون تطلب تسليمنا.. استمر الضرب حتى الرابعة بعد الظهر.. قررت حسم الموقف بالخروج والالتحام مع أكسهام. خرجت ففوجئت بضابط آخر أكبر، خبط رجليه وحيانى تحية عسكرية قوية، اتضح أنه الجنرال ماتيوس قائد المنطقة، جاء لما طالت المعركة، قال: «أنت ورجالك قمتم بأكثر من الواجب وموقفكم مشرف، ومستعد لتلبية مطالبكم».. تذكرت أننى تحدثت فى مقابلة سابقة مع أكسهام، فقال بازدراء: «انزل هذا الشىء الرث من مكانه مشيرا إلى علم مصر»، فقلت لـ«ماتيوس»: أول طلب لنا أن يبقى علمنا، وسنخرج فى طابور منظم، ولن نرفع أيدينا، فوافق.. حاولت إقناع الجنود، وبعد جهد وافقوا، وقفنا فى طابور منظم، وخرجنا، وكانت المفاجأة أن أصدر القائد الإنجليزى أمره بتحية طابور العساكر المصريين».
انتقل جنود الشرطة إلى المعتقل، كان العدد نحو ألف، يتذكر«رفعت»: «بعد يومين جاء من يدعونى لدفن الضحايا «50 شهيدا» و80 جريحا»، وجدت أكتافهم فى أكتاف بعض، يملأون حجرتين كبيرتين فى المستشفى، جاء يوم الإفراج عنا من الأسر، دخلنا مكتب الوزير مرتضى المراغى، نظر إلى: «أنت مصطفى، على العموم أنا كفيل بالأفكار اللى فى دماغك دى أشيلها.. خرجت من عند الوزير، وورائى قرار بإجازة مفتوحة.. طبعا هم متخيلين إن إحنا ناس شيوعيين أو سياسيين».
فؤاد سراج الدين
يُعد فؤاد سراج الدين باشا من أشهر القيادات الأمنية، لموقفه الحازم والحاسم في معركة الإسماعيلية الشهيرة، عندما طلب من رجاله الصمود في وجه المحتل الإنجليزي.
ولد سراج الدين في 2 نوفمبر 1911م ، وهو سياسي ورجل دولة مصري، ينتمي في أصوله لعائلة سراج الدين وهي عائلة مصرية وفدية، وهو مؤسس حزب الوفد الجديد.
عمل وكيلا للنائب العام ومحاميًا في الفترة من 1930 ـ 1935، انضم للهيئة الوفدية عام 1935 والهيئة البرلمانية في عام 1936 وأصبح عضوا في الوفد المصري عام 1946 ثم سكرتيرًا عامًا للوفد عام 1949، وعمل وزيرا للزراعة في 31 مارس سنة 1942، ووزيرا للشئون الاجتماعية ثم وزيرًا للداخلية في يوليو سنة 1942 ،وزعيما للمعارضة الوفدية في مجلس الشيوخ 1946، ووزيرا للمواصلات في يوليو سنة 1949 في وزارة حسين سرى الائتلافية التي مهدت لانتخابات عام 1950، ووزيرًا للداخلية في 12 يناير سنة 1950 وفي نوفمبر من نفس السنة أضيفت عليه وزارة المالية، عاد حزب الوفد للحياة السياسية 1978 وأصبح رئيسًا له حتى 9 أغسطس 2000 حيث توفاه الله.
ورغم كل هذه المناصب، إلا أن منصب وزير الداخلية يعد الأهم والأبرز في حياته، ومواقفه في معركة الإسماعيلية الخالدة في ذاكرة الوطن، حتى توفي في 9 أغسطس 2000.
صلاح ذو الفقار
تحتفل وزارة الداخلية خلال هذه الأيام، بعيد الشرطة رقم 71، الذى يعيد للأذهان معركة الإسماعيلية الخالدة، حيث سطر رجال الشرطة مشاهد ومواقف بطولية فى ملحمة الإسماعيلية، وكان من الضباط المصريين فى هذه المعركة حينئذٍ الفنان صلاح ذو الفقار الذى كان برتبة نقيب وقتها، حيث ولد صلاح ذو الفقار 18 يناير عام 1926، لأب ضابط شرطة برتبة عميد، وكان الأخ الخامس لأربعة أشقاء "محمود - عز الدين - كمال - ممدوح"، وكان يحلم بدخول كلية الطب فالتحق بكلية طب الإسكندرية، لكن بسبب مرض والده ووفاته انقطع عن الدراسة لفترة وارتفعت نسبة غيابه عن الكلية وتم فصله.
تقدم صلاح ذو الفقار لكلية الشرطة واجتاز الاختبارات وتخرج عام 1946، ضمن دفعة الوزراء أحمد رشدى والنبوى إسماعيل وزكى بدر، وعمل فى سجن طرة، وتم تعيينه مدرسًا فى كلية الشرطة.
وكان صلاح ذو الفقار مشرفًا على السجن الذى اعتقل فيه الرئيس السادات فى شبابه عندما كان متهمًا فى قضية مقتل أمين عثمان.
وكشفت منى ذو الفقار، ابنة الفنان الراحل صلاح ذو الفقار، كواليس تكريم الرئيس عبد الفتاح السيسي لوالدها، على هامش احتفالات عيد الشرطة الـ 71 بأكاديمية الشرطة.
وقالت ابنة صلاح ذو الفقار عن التكريم: «كنت طايرة، أول مرة أحضر تكريم لبابا على أنه بطل وطني تطوع للكفاح ضد المحتل الأجنبي، وشارك الفدائيين المقاومة في الدفاع عن الوطن.
وأضافت ابنة الفنان الكبير الراحل، أنه للمرة الأولى تحضر تكريم والدها؛ الذي شارك في ملحمة الشرطة بمعركة الإسماعيلية يوم 25 يناير 1952؛ واستطاع التصدي، مع مجموعة من أبناء الوطن الشرفاء، للمحتل الأجنبي، ورفضوا تسليم المدينة، ودافعوا عنها حتى اللحظة الأخيرة.
وأوضحت منى ذو الفقار، أن العائلة فخورة جدًا وفي غاية السعادة لهذا التكريم الذي جاء في وقته، لافتة إلى أن والدها كان ضابطً للشرطة، وعمل مدرسًا في كلية البوليس، وتولى مسئولية انتقال المستجدين في الشرطة للحياة الشرطية.
ولفتت ابنة صلاح ذو الفقار، إلى أنه أيام العدوان الثلاثي على مصر، توجه والدها إلى خط القناة رفقة مستجدين، من رجال الشرطة، وحصل على هذا الموقف نوط الواجب من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
عبد الكريم درويش
يعد عبد الكريم درويش شيخ رجال البوليس، وأحد أبطال معارك الشرطة، حيث ولد في 7 أبريل 1926 وتخرج فى كلية البوليس فى 7 سبتمبر 1946.
حياة حافلة بالإنجازات للبطل، بدأها في مديرية أمن الشرقية، ثم عمل ضابطا بمصلحة الجوازات والهجرة والجنسية، والتحق بالعمل فى كلية الشرطة عام 1953، وانتقل إلى مصلحة الأمن العام منذ 1954، ثم قطاع التفتيش منذ 1963، وعمل مديراً لمكتب الشرطة الجنائية والدولية "الإنتربول" عام 1964، ومديراً بمصلحة التدريب عام 1966، وفى عام 1967 مديرا لمعهد تدريب ضباط الشرطة، وفى 1974 عين مديرا لكلية الشرطة، وفى 1978 عين مساعداً لوزير الداخلية لأكاديمية الشرطة، وبعدها بعامين عين مساعداً أول الوزير لأكاديمية الشرطة.
يعتبر الجنرال "عبد الكريم درويش" أول نائب وزير داخلية فى مصر عام 1986 وأحيل للتقاعد فى نوفمبر 1986.
حياة مليئة بالإنجازات والتكريمات، حيث حصل "عبد الكريم" على عددا من الأنواط، منها نوط الواجب من الطبقة الثانية عام 1956، وحصل على الدكتوراه من جامعة نيويورك عام 1962، ووسام الجمهورية من الطبقة الثانية عام 1979 ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1985.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة