أحداثاً متتالية بطلها كيان غامض يدعى "كنيسة التوحيد" .. هذا ما شهدته اليابان، ذلك البلد الأسيوي المنفتح كثيراً على الغرب منذ جريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق شينزو آبي، مروراً بإقدام أحد المواطنين علي حرق نفسه اعتراضاً علي جنازة القتيل، ووصولاً إلى تحذير حكومي رسمي من الكنيسة، أعقبه استقالة وزير الاقتصاد لارتباطه بالكنيسة التي يكتنفها الكثير من الغموض.
البداية كانت في مساء الثامن من يوليو الماضي ، حينما كان شينزو أبي يلقي خطاباً انتخابيا أمام أنصاره خارج محطة القطار الرئيسية بمدينة نارا ، قبل أن يخرج من بين الحشود القاتل ، المدعو تيتسويا ياماغامي ويسدد طلقة استقرت في صدر ضحيته وأردته قتيلاً ، ليكون بعد ذلك خلال التحقيقات أنه أقدم علي تلك الخطوة لاعتقاده أن "آبي" يروج لـ"جماعة دينية" ويدعمها ، مشدداً في الوقت نفسه أنه لا يحمل أي ضغينة ضد رئيس الوزراء أو يعارض توجهاته السياسية.
شينزو آبي وقاتله فى لقطة وثقتها الكاميرات
اعترافات القاتل ، لم تمر مرور الكرام ، فبعدما طوت اليابان صفحة "شينزو آبي" في جنازة شهدت أيضاً أحداثاً استثنائية ، حيث أقدم احد المواطنين علي حرق نفسه احتجاجاً علي "مراسم" الوداع الأخير لرئيس وزراء اليابان القتيل ، قال رئيس وزراء اليابان الجديد فوميو كيشيدا بعد 3 أشهر من الحادث الدموي أن الحكومة بصدد إصدار أمر بحل كنيسة التوحيد من جانب محكمة.. مرجحا بأن تكون الجماعة الدينية المثيرة للجدل متورطة فى جرائم.
وأضاف كيشيدا - حسبما نقلت وكالة الأنباء اليابانية "كيودو" ، أنه أصدر تعليماته لوزير الثقافة بالتحقيق في نشاط كنيسة التوحيد ، بالنظر إلى أن الحكومة تلقت أكثر من 1700 طلب استشارة على مدار 25 يوما، وبعد التحقيق ستقيم المحكمة ما إذا كان يتعين إصدار أمر بحل الكنيسة.
وأوضح كيشيدا ، في جلسة برلمانية، إنه من بين الشكاوى المقدمة للحكومة ، قضايا جنائية.. لافتا إلى "أن كنيسة التوحيد ربما تكون قد انتهكت قواعد مختلفة ، بما في ذلك القانون الجنائي".
وذكرت الوكالة الرسمية في ذلك الحين، أنه على الرغم من أنه لا يمكن منع الكنيسة من العمل في اليابان بموجب قرار الحل ، إلا أنها قد تفقد الامتيازات الإدارية، مشيرة إلى أن المجموعة التابعة لكنيسة التوحيد وقعت في دائرة الضوء منذ مقتل رئيس الوزراء السابق شينزو آبي بالرصاص في يوليو الماضي على يد قريب لعضو في كنيسة التوحيد، والذي حمل ضغينة ضد المنظمة واعتبر رئيس الوزراء الياباني الأطول خدمة، من مؤيديها.
الكلمة التي ألقاه رئيس الوزراء أمام البرلمان كانت إشارة لما يدور خلف الكواليس داخل أروقة الحكومة اليابانية، فبعد أقل من أسبوع ، أعلن وزير الاقتصاد الياباني، دايشيرو ياماجيوا، التنحي عن منصبه بعد الكشف عن علاقته بـ كنيسة التوحيد.
وبحسب هيئة الإذاعة اليابانية (إن إتش كيه) فإن ياماجيوا كان يواجه انتقادات لعدم إبلاغه عن اجتماعه بالرئيسة الحالية للجماعة الدينية "هاك-جا هان" في تجمع نظمته الجماعة الدينية في طوكيو قبل أربع سنوات.
ومنذ ذلك الحين تخضع الكنيسة التي تعرف رسميا باسم "اتحاد الأسرة من أجل السلام العالمي والتوحيد" للتدقيق بسبب صلتها بالحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم بينما تسببت ممارساتها المالية المشكوك بها في إثارة الذعر بين عائلات أتباعها.
كنيسة التوحيد.. جدل معلن وأدوار من وراء الستار
كنيسة التوحيد، أسسها سون ميونج مون عام 1954 في سول عاصمة كوريا الجنوبية، ومون هذا هو ابن عائلة من الفلاحين، في ما تعرف الآن بكوريا الشمالية، وقد ادعى أنه رأى -في سن الـ15- يسوع المسيح الذي طلب منه، حسب زعمه، أن يواصل مهمته من أجل البشرية للوصول إلى حالة من النقاء "الخلو من الخطايا".
وبعد تأسيسه تلك الكنيسة، سرعان ما تحول مون إلى السياسة، إذ تبنى في البداية خطا واضحا مناهضا للشيوعية وجذب تعاطف النظام العسكري الكوري الجنوبي في ذلك الوقت.
وتأسس الفرع الياباني للكنيسة في العام 1959، حين بعثت مبشرين إلى اليابان والولايات المتحدة أواخر الخمسينيات، وعملوا على استقطاب أعضاء يتمتعون بعقليات تجارية، ونخب سياسية ومالية. كما عُرفت هذه الحركة خلال عقود بتنظيم حفلات الزفاف الجماعي التي غالباً ما تقام في ملاعب رياضية ضخمة، ويعقد فيها قران آلاف الأزواج الذين غالباً ما لا يكون أحدهم يعرف الآخر.
واستقطبت مجموعات مرتبطة بكنيسة التوحيد العديد من الشخصيات البارزة للتحدث في مناسباتها، ومنهم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، كما ألقى شينزو آبي نفسه كلمات في مناسبات لمجموعات مرتبطة بهذه الكنيسة، ما جعله عرضة لانتقادات.
حفل زواج جماعي برعاية كنيسة التوحيد
وفي العام الماضي، تقدّم عدد من المحامين برسالة احتجاج بعدما ألقى آبي خطاباً في حفل لمجموعة على صلة بكنيسة التوحيد، كما سبق للمحامين، الذين أكدوا أنهم يمثّلون موكّلين خسروا أموالاً بسبب الكنيسة، انتقاد آبي على خلفية توجيهه برقية تهنئة للمشاركين في حفل زفاف جماعي أقامته الكنيسة في العام 2006.
وذكر تقرير نشرته صحيفة لوموند الفرنسية عن نشأة الكنيسة أن "التوحيد" أصبحت تدريجيا إمبراطورية اقتصادية موجودة في مختلف القطاعات (البناء، الغذاء، السيارات، السياحة، الإعلام وغيرها)، مما حوّل مؤسسها، الذي توفي عام 2012 إلى ملياردير ذي علاقات قوية مع بعض زعماء الدول ومع جزء من الطبقة المخملية اليابانية.
وأشار التقرير إلى رواية تعكس مدي نفوذ الكنيسة ، بطلها النائب هيديميتسو إيتو الذي انتخب 5 مرات للمجلس العام عن الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم ممثلا عن مقاطعة جيفو (وسط اليابان)، واجتاز من العمر عامه السبعين ، وقال إنه لم يكن على دراية باستفادته من دعم كنيسة التوحيد التي ساعدته خلال 10 سنوات، من دون علمه، في الفوز بعدة انتخابات، وعلق التقرير على ذلك بالقول إن هذا قد يبدو مستبعدا، لكن مشكلة هذا التأثير تتعلق بعدد كبير من المسؤولين المنتخبين، إذ أصبحت الكنيسة في النهاية قوة ظل في الحياة السياسية اليابانية.
وبحسب دراسة أجرتها صحيفة "أساهي" اليابانية في أغسطس وسبتمبر 2022، كشفت فيه أن 150 برلمانيا و7 محافظين من أصل 47 و290 منتخبا بالمجلس العام وهو ما يصل لأكثر من 10% من الإجمالي اعترفوا بصلاتهم بالطائفة وأن 80% من هؤلاء أعضاء في الحزب الليبرالي الديمقراطي.
وقال الصحفي الياباني إيتو سوزوكي، الذي يحقق منذ عام 2002، في دور "كنيسة الوحدة" في السياسة اليابانية ان السياسيين ليسوا مهتمين بما يحدث على الرغم من علمهم بالمشاكل التي تسببت بها المنظمة الا ان معظمهم لا يرغبون في الكشف عن صلاتهم بها، وأشار ان كلا الحزبين لديهم مبرراتهم، فالهدف هو الفوز في الانتخابات بالنسبة للبعض واكتساب احترام الاخرين للبعض الاخر.
تعود الروابط بين طائفة مون والعالم السياسي الياباني، وفقا لميسمير، إلى ستينيات القرن الماضي، حين استفادت هذه الطائفة من دعم السلطة في كوريا الجنوبية خاصة أجهزة المخابرات المحلية، وأصبحت كنيسة التوحيد أداة سياسية في كوريا الجنوبية ولكن أيضا في اليابان.
واشار التقرير إلى أن أول اعتراف رسمي بهذه الطائفة في اليابان كان في عهد رئيس الوزراء السابق نوبوسوكي كيشي جد رئيس الوزراء الأسبق شينزو آبي ، وذلك من خلال الاتحاد الدولي للنصر على الشيوعية، أحد فروع هذه الطائفة، وقد منح كيشي مكانة المجتمع الديني "المسيحي" لهذه الطائفة في يوليو 1964.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة