أكرم القصاص - علا الشافعي

بيشوى رمزى

الأزمات "المستوردة".. رؤية مصر من "الاستباقية" لـ"تجفيف المنابع"

الإثنين، 16 يناير 2023 02:25 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما تبقى الأوضاع الاقتصادية، هي الشغل الشاغل للغالبية العظمى، من شعوب العالم، في ظل أزمات تبدو عميقة وكبيرة، ترتبط بقطاعات حيوية، على رأسها الغذاء والطاقة، وهو ما تعجز أمامها أعتى الدول، من حيث الإمكانات الاقتصادية، في ظل حالة من عدم الجاهزية الدولية للتعامل مع أزمات طويلة الأمد، ذات نطاق جغرافي غير محدود، جراء غياب الاستراتيجيات الشاملة، التي يمكنها تحقيق الأمن الاقتصادي، القائم على فكرة احتواء الأزمات من منابعها، لمنع انتشارها في المستقبل، لتلتهم مناطق أخرى تبدو بعيدة عنها جغرافيا.
 
ولعل غياب القدرة الدولية على التعامل مع هذه الأوضاع المستجدة، يرجع في الأساس إلى محدودية نطاق أزمات الأمس القريب، التي اقتصرت في تداعياتها على مناطقها الجغرافية، وهو ما خفف من الأعباء الملقاه على عاتق القوى الدولية الكبرى، للقيام بمسؤوليتها تجاه محيطها العالمي، لتكتفي بتقديم "دعم" مالي محدود، من منطلق يغلب عليه الطابع الأخلاقي، للمناطق المنكوبة، يبقى مرهونا، في الكثير من الأحيان بمواقف سياسية معينة، دون رؤى أكثر شمولا حول الكيفية التي يمكن بها مجابهة الأزمات، تمهيدا للقضاء عليها من منابعها، ليجد العالم نفسه أمام وضع جديد ومختلف، تحولت خلاله الأزمة التي تضرب منطقة معينة إلى طبيعة "فيروسية" سريعة الانتشار، ليتسع معها نطاق العجز الدولي في التعامل معها.
 
وفي الواقع، يبدو فشل النظام الدولي، متجليا على مسارين رئيسيين، يتجسد أولها في عدم القدرة على تحقيق الجانب "الاستباقي" القائم على توفير البيئة المناسبة للتعامل مع الأزمات قبل وقوعها، بينما يقوم المسار الأخر على الفشل الذريع في تجفيف "منابع" الأزمة حال وقوعها في منطقة معينة، جراء حالة من الأنانية أو الانتهازية، التي اتسمت بها القوى الكبرى، والتي تحولت، في اللحظة الراهنة من حالة "التجاهل" أو الإهمال، تجاه التهديدات التي يشهدها العالم، إلى ما يمكننا تسميته بـ"العجز"، ليس فقط في احتواء الأزمات البعيدة عنها، وإنما أيضا في التعامل معها في الداخل، لتصبح شعوبها في مأزق حقيقي وغير معتاد، جراء التغيير الكبير، الذي بات مرتبطا بحياتهم اليومية، على خلفية الغلاء، والتضخم، ونقص السلع، ناهيك عن انتشار البطالة، بسبب قيام الشركات والمصانع بتسريح ألاف العمال.
 
وبين الحديث عن الجانب "الاستباقي"، في إطار استراتيجية "وقائية"، من شأنها منع اندلاع الأزمة من الأساس، من جانب، وتجفيف "منابع" الأزمة، حال وقوعها، عبر التعامل الدولي الجماعي، مع نقطة انطلاقها، ثمة نجاحات فردية، تبدو واضحة في النموذج المصري، عبر خطوات استبقت بها الأزمة الأوكرانية وما ترتبت عليه من تداعيات، سواء على قطاع الطاقة، من خلال استكشاف وتطوير موارد الغاز الطبيعي، وهو ما ساهم في التخفيف من وطأة الأثار المترتبة على الحرب القائمة، أو فيما يتعلق بقضية الأمن الغذائي، عبر انتهاج سياسات زراعية متطورة، من شأنها توفير المحاصيل الضرورية، ناهيك عن تدشين صوامع القمح، جنبا إلى جنب مع العمل الجماعي، على النطاق الإقليمي، من خلال تعميم التجربة المصرية، في محيطها الجغرافي، وهو الأمر الذي من شأنه تعزيز قدراتهم، على التخفيف من تأثير ما يحل بهم من أزمات تبدو "مستوردة" من الخارج، ولا يد لهم في اندلاعها من الأساس.
 
وأما عن تجفيف "منابع" الأزمة، ربما كانت مصر من أوائل الدول التي قدمت رؤيتها في هذا الإطار، إبان حربها الشاملة على الإرهاب، عندما قدمت رؤيتها القائمة على الاعتماد على الجانب الفكري جنبا إلى جنب مع الأدوات الأمنية، في التعامل مع التهديدات الكبيرة التي تواجه العالم جراء امتداد خطر الميليشيات المسلحة التي استخدمت التكنولوجيا المتقدمة في التوغل إلى مناطق تبتعد عنها جغرافيا، عبر نشر الخطاب المعتدل، والذي من شأنه علاج "العقول" التي تمثل المحرك الرئيسي للتطرف.
 
وهنا يبدو الحديث منطقيا عن "تخفيف" التداعيات المترتبة على الأزمات الكبيرة، وليس علاجها كليا، في اللحظة الراهنة، جراء غياب العمل الجماعي على المستوى الدولي، وتنصل القوى الدولية الكبرى من مسؤوليتها، باعتبارها الطرف المخول له حفظ السلام والأمن الدوليين، ومواجهة ما يطرأ على العالم من أزمات طارئة، في ظل حقيقة مفادها أن الإمكانات الفردية لدولة بعينها، مهما بلغت، لا يمكنها تحقيق حلول جذرية أو حقيقية للأزمات ذات الطبيعة المستحدثة، ولكن تبقى الجهود المبذولة فرديا من قبل الدولة المصرية، مؤثرة في تقليل الأثار المترتبة عليها، بينما تفتح الباب أمام حلول أعمق في الداخل، في المستقبل القريب، ناهيك عن كونها تقدم آلية للعمل الجماعي، ربما يتحول إلى نهج دولي أكثر شمولا حال التزام القوى الدولية الكبرى في بمسؤوليتها تجاه العالم، وهو ما نادت به مصر مرارا وتكرارا، سواء في الأزمة الأوكرانية أو أزمات العالم الجديد، وعلى رأسها التغير المناخي، أو الأوبئة أو غيرها.
 
وربما كانت أزمة وباء كورونا بمثابة "جرس إنذار"، حول الطبيعة الجديدة للأزمات الدولية، في ضوء انتشاره من شرق الأرض إلى غربها، في غضون أسابيع قليلة، إلا أن العالم ربما لم ينتبه كثيرا، بل انغمس في ممارسة سياسة الضغط التقليدية على الصين، باعتبارها نقطة انطلاق الفيروس، في إطار يغلب عليه الطابع "الصراعي"، المهيمن على العلاقات الدولية، دون عمل حقيقي على الاحتواء، ليخسر العالم ما يمكننا تسميته بـ"بروفة" حقيقية، حول الكيفية التي ينبغي بها التعامل مع الأزمات "المستوردة" القادمة من الخارج، لتأتي بعد ذلك الأزمة الأوكرانية التي قد تأكل الأخضر واليابس حال استمرار التقاعس الدولي، في التعامل الجاد لإيجاد الحلول الفعالة التي من شأنها إنهاء الازمة، في أقرب وقت ممكن. 
 
وبالتالي، تبقى الإجراءات التي تتخذها الدولة، وإن بدت صعبة للوهلة الأولى، ولكنها تبقى بمثابة "علاج" طويل الأمد، وليست مجرد "مسكنات" لحظية، للتعامل مع الأزمات "المستوردة" التي فرضت نفسها على الواقع المصرى، حيث تساهم في التخفيف من الأثار المترتبة عليها في اللحظة الراهنة، إذا ما قورنت بالدول الأخرى، ناهيك عن تعزيز قدرتها على التعامل مع مثل هذه الأزمات في المستقبل، بالإضافة إلى تقديم رؤية دولية أعم إلى ضرورة العمل الجماعي، فيما يتعلق بمساري "الاستباقية" الوقائية، عبر خلق بيئة مواتية للتعامل مع ما يستجد من طواريء دولية، وتجفيف "منابع" الأزمة، من خلال المساهمة في حلها من نقطة انطلاقها لمنع تفشيها في المستقبل









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة