بيشوى رمزى

العالم فى مواجهة "تحالف الأزمات"

الأحد، 21 أغسطس 2022 05:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مفهوم "الأزمات" شهد تغييرا كبيرا خلال العقود الأخيرة، فيما يتعلق بـ"المستوى العابر للدول"، حيث امتدت بين صراعات تقليدية، على غرار الصراع العربي الإسرائيلي والذى بدأ عامه الـ75، بينما لم تتجاوز تداعياته النطاق الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، في حين اتسعت دائرة الأزمات تدريجيا، عبر تجاوز النطاق الجغرافي لإقليم بعينه، على غرار الأزمة المالية العالمية، التي اندلعت بين عامي 2007 و2008، حيث شملت مساحة جغرافية أكثر اتساعا، على غرار أوروبا والولايات المتحدة، وبعض الدول الآسيوية المرتبطة اقتصاديا بأمريكا والتي تأثرت أسواقها بالأزمة بصورة حادة، مما أدى إلى تكبدها خسائر كبيرة وغير مسبوقة، إلى الحد الذي دفع بعض الخبراء إلى التنبؤ باقتراب نهاية زمن العولمة، والذي أدى إلى تأثر الأسواق بصورة كبيرة ببعضها البعض.
 
الأزمات المذكورة تخللتها أزمات أخرى على مر السنوات الماضية، تجاوزت النطاق الإقليمي، ولكن بشكل محدود للغاية، نظرا لحالة من التداخل الدولي المباشر فيها، من مختلف مناطق العالم، على غرار التحالفات الدولية التي قادتها واشنطن، للحرب على الإرهاب، في منطقة الشرق الأوسط، حيث كانت تأثيراتها محدودة خارج نطاق أقاليمها، وهو ما يبدو في اقتصار الخسائر التي طالت الدول المتداخلة فيها، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي، على النطاق الجغرافي لأقاليم المعركة، اللهم إلا بعض الاستثناءات النادرة، كأحداث 11 سبتمبر، والتي تمثل طفرة في عمل الجماعات الإرهابية، وبالتالي استنفرت "الحرب ضد الإرهاب" التي قادتها واشنطن في أفغانستان ثم العراق.
 
إلا أن السنوات الأخيرة، شهدت تغييرا عميقا في طبيعة الأزمات الدولية، عبر الامتداد الواسع وغير المحدود للأزمة الواحدة، وتداعياتها على مستوى الكوكب، في إطار تجاوز الجغرافيا الإقليمية أو الدولية المحدودة، لتصبح ذات طبيعة عالمية، وهو ما يرجع، في جزء منه، إلى امتداد الأزمة نفسها، على غرار الوباء أو ظاهرة التغيرات المناخية، والتي تمثل تهديدا للعالم بصورته "الجمعية"، وبالتالي يجد كل عضو من أعضاء المجتمع الدولي نفسه، جزء من "الصراع مع الطبيعة"، بينما يبقى، في جزء أخر، بسبب التداعيات عالمية الممتدة لصراع يبدو محدود، على غرار الأزمة الأوكرانية، والتي تمثل تهديدا صريحا لأمن الغذاء والطاقة، في كل أنحاء العالم، ناهيك عن اتساع دائرة التهديدات الأخرى، على غرار الإرهاب، الذي ربما يجد مساحة جديدة يمكنه الوصول إليها، بل واتخاذها مقرا جديدا له، في قلب أوروبا، بعدما كانت تلك المنطقة من العالم بمنأى عن أي تهديد مباشر، في الوقت الذي مازالت تكافح فيه مناطقنا من هذا الخطر الداهم، وهو ما يعني توسع دائرة التهديد.
 
وهنا تتجلى معضلة "الأزمات"، في صورتها الجديدة، في اختلاط الكثير من العناصر في "بوتقة" مفهوم "الأزمة"، بين ما هو تقليدي، على غرار الصراعات الدولية، والتي باتت تحمل بعدا "يتجاوز الإقليم"، نظرا لتداعياتها الكبيرة، على غرار الأزمة الأوكرانية، من جانب، وغير تقليدي، على غرار "الصراع مع الطبيعة" من جانب أخر، ناهيك عن التزامن بينهما، مع سماح البيئة الدولية الراهنة، في تنامي تهديدات أخرى، كالإرهاب والتطرف، إلى الحد الذي يسمح لجماعات الظلام من التمدد إلى مناطق بعيدة عن إطار نفوذهم التقليدي، بالإضافة إلى أزمات الغذاء والطاقة، مما يساهم في تحول العالم إلى الإطار غير التقليدي لـ"الأزمة" والمرتبط بطبيعة الأوضاع الدولية الراهنة.
 
فلو نظرنا إلى الصراع الراهن في أوكرانيا، (وهو في الأصل لا يخرج عن نطاق الصراعات الدولية) نجد أن ثمة ارتباط واضح بقضية أمن الطاقة، دفعت بعض دول أوروبا إلى العودة إلى الفحم، وهو ما يمثل تراجع خطير في الالتزام الدولي تجاه قضية المناخ (في إطار الصراع مع الطبيعة) لتتحول "ثنائية أوكرانيا والمناخ" سببا في تفاقم أزمتي نقص الغذاء ونقص المياه، في العالم بأسره في الوقت الذي تفتح فيه الباب أمام انغماس عناصر متطرفة من هنا أو هناك في القتال في الأراضي الأوكرانية، لتتحول على المدى المتوسط أو ربما القريب إلى قنبلة موقوته تهدد استقرار أوروبا بأسرها، وهو ما قد يساهم في تعزيز نفوذهم في مناطق أخرى تكافح منذ سنوات في المواجهة ضد جماعات الظلام، بينما لا يخفى على أحد التداعيات الاقتصادية الكارثية على كل ما سبق وتأثيراتها على كافة دول العالم دون تمييز.
 
وهنا يمكننا القول بأن ثمة حالة من التحالف، بين أنواع مختلفة من الأزمات، ربما تطيح بالعالم بأسره، إذا لم تكن هناك مواقف موحدة وقوية، تنهي حالة الانقسام الدولية الراهنة، يمكن من خلالها المجابهة، لتحقيق المصلحة العامة، بعيدا عن المصالح الضيقة لكل دولة، بينما تبدو الحاجة ملحة لتفعيل دور المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، في توحيد المواقف، لحماية السلم والأمن الدوليين، والتي تمثل المهمة الرئيسية التي خلقت من أجلها في الأربعينات من القرن الماضي.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة