محمد أحمد طنطاوى

"السيو" ومستقبل الصحافة الرقمية

الثلاثاء، 19 يوليو 2022 09:27 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تحسين محركات البحث أو ما نعرفه اختصاراً بـ seoأو search engine optimization ، وهو أن تكتب خبراً يقرأه محرك البحث العملاق جوجل، ويضعك في النتائج والصفحات الأولى من المحتوى مع غيرك من المنافسين أو على الأقل يضمن وجود قوى وفاعل لصحيفتك في عمليات البحث التي يقودها الجمهور، وهذا الأمر في حد ذاته لا مشكلة فيه، بل يعتبر مصدر لزيادة معدلات الزيارات للمواقع الإلكترونية وتوسيع دائرة انتشارها، لكن الطريقة الروتينية التي يقدمها البعض في صياغة العناوين والمتون، والقوالب الجامدة التي تظهر فيها الأخبار وتكرار بعض الجمل والعبارات، ربما العناوين له تأثير كبير على تقديم صياغات صحفية جذابة ومؤثرة.

"إذا أردت أن تدفن جثة دون أن يعرف أحد، فعليك وضعها في الصفحة الثانية من جوجل" هذه عبارة أعجبتني سمعتها من الدكتورة منى مجدي، أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، خلال دورة تدريبية لبرنامج النساء في الأخبار، الأسبوع الماضي، واتفق معها تماماً في هذا الطرح، فالقارئ لا يبحث أبداً في الصفحات التالية من جوجل أو غيره من محركات البحث، ودائما ما تحوذ الصفحة الأولى ونتائجها في الويب أو الأخبار على الاهتمام الأكبر، وهذا بدوره يخلق منافسة شرسة ومحمومة بين مختلف المواقع الإلكترونية على الظهور في محركات البحث أولاً، ومن يسبق في السيطرة على التريند.

لست ضد سعى المواقع الإلكترونية للظهور في التريند، فهذا في النهاية ليس أكثر من ترجمة لاحتياجات واهتمامات القارئ من الصحافة، التي لم تكن الصحف الورقية بفلسفتها القديمة تستطيع الوصول إليها أو قياسها بدقة كما في الإعلام الرقمي، لكن الموضوع له جوانب تمثل خطورة داهمة على صناعة الصحافة، التي تبحث في الوقت الراهن عن طرق مختلفة ووسائل جديدة لعرض القصص الإخبارية من حيث أسلوب السرد وطريقة الكتابة، بصورة شيقة وجذابة، وليس بالتكرار والقولبة التي يفرضها "جوجل" في العناوين والمتون والكلمات المفتاحية للموضوعات الأكثر بحثا أو عناوين التريندات التي تظهر يومياً على صفحاته.

البعض ينظر إلى "السيو" بمنطق "عبيله واديله"، من خلال تكرار الكلمات بصورة دائمة ونشر الأخبار بنفس الطريقة والمحتوى لمرات عديدة، دون تغيير بالإضافة أو الحذف، وبالمناسبة هذه حيل تنطلي كثيراً على جوجل ولا يكشفها إلا إذا كانت تشمل تزييفاً واضحاً، فتعجز خوارزمياته عن اكتشاف هذه السقطات، الأمر الذى يتحول إلى "لعبة" إن جاز التعبير، فإذا أردت أن تقتحم تريند "درجات الحرارة" فعليك أن تكتب خبراً من 7 فقرات ولا يقل عن 400 كلمة، تكرر فيه عبارة درجات الحرارة 10 مرات، وتضعها في العنوان، وتبدأ بها دون استخدام علامات ترقيم، هكذا تكون الخلطة!

بشكل شخصي لا أنكر أهمية محركات البحث العملاقة ودورها في الوصول إلى الجمهور بطريقة أسهل وأوضح، وقدرتها على تقديم صورة كاملة لما يستهلكه الناس من أخبار وموضوعات على مدار الساعة، لكن هذا يجمد مساحات الإبداع التي تتحرك فيها الصحافة، ويحد من دور الصحفيين في ابتكار صياغات جديدة وسرد جذاب، ويجعل المهنة بأكملها على المحك، ويخلق مجموعات لا تمتلك خبرة صحفية حقيقية تستطيع نقلها للأجيال المقبلة، ليتحول الصحفي في النهاية إلى مجرد أداة يستخدمها جوجل في أرشفة الموضوعات والأخبار والقضايا، بصورة تخدم مشروعه، بغض النظر إن كانت تخدم قضايا الناس أم لا !.

المشكلة أن حسابات "السيو" تتشابه، لدرجة أن البعض بات ينتج عشرات الأخبار يومياً عن موضوع واحد، وهذا أمر يضع الصحافة في خندق صعب، فلو أن دورها فقط البحث عن أخبار الطقس، وأسعار الذهب والدولار، فيمكن لأى أحد أن يتولى هذا الدور، مادامت هذه الكلمات الأكثر بحثا ورواجاً من جانب الجمهور، ولكن ليس معنى أن هذه الكلمات تحوز عمليات بحث كبيرة أن الجمهور لا يستهلك سواها، خاصة في مجتمع الـ 100 مليون الذى  تتعدد فيه الأفكار والقضايا والأمزجة، فالعمل على الموضوعات الجماهيرية الأكثر بحثا دون غيرها قد يدفعنا إلى نسيان أو تجاهل  فئات وشرائح أخرى في مناطق متوسطة أو قليلة الجماهيرية، مثل قضايا المرأة أو البيئة أو التغيرات المناخية، وجميعها تشكل حلقة مهمة في الوعى العام، ولو حصرنا الصحافة في القضايا العامة والموضوعات السطحية فنحن قطعاً نقتل هذه المهنة ونقتلعها من جذورها، لذلك يجب أن نطور معايير تحسين مستويات البحث في جوجل بالصورة التي تخدم الصحافة لا الصورة التي تخدم محركات البحث فقط.







مشاركة



الموضوعات المتعلقة


لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة