بيشوى رمزى

"البيئوقراطية" والعودة إلى الفحم.. "مقامرة" أوروبا غير المحسوبة

الإثنين، 11 يوليو 2022 12:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما كان القرار الذى اتخذته دول أوروبية مؤخرا بالعودة مجددا إلى الفحم، وأبرزها ألمانيا وإيطاليا والنمسا، يمثل محاولة صريحة للخلاص من الهيمنة الروسية التي امتدت عبر أنابيب الغاز، الذى أمدت القارة العجوز بشرايين التنمية والدفء، في ظل مخاوف كبيرة من الرد الروسي على العقوبات الغربية، وتضع الجانب الأوروبي من "المعسكر الغربي"، بين رحى تجريدها من أحد أهم مصادر الطاقة في المرحلة الراهنة، وأنظفها، وسندان التجرد من الحليف الأمريكي، والذي وإن تخلى عن حزمة من وعوده تجاه الشركاء، يبقى أحد أهم الداعمين لأوروبا، وتجريده من أداة الشرعية التي تمتع بها لعقود طويلة من الزمن، وفتحت أمامه الأفاق، حتى يمكنه فرض رؤيته على المجتمع الدولي، دون قيود، منذ الهيمنة الأحادية المطلقة على العالم، في أعقاب الحرب الباردة.
 
إلا أن التحرك الأوروبي، لا يقتصر في تداعياته على مجرد الصراع الراهن بين روسيا والغرب، وتداعياته الكبيرة، وإنما تمتد إلى منطقة جغرافية غير محدودة من العالم، في ظل تنامي ظاهرة التغير المناخي، والتي تفوق في خطورتها الصراع القديم المتجدد، والذي يعود زمنيا إلى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ليستمر لعقود طويلة إبان الحرب الباردة، لتتحقق مهادنة مرحلية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، ليعود الصراع تدريجيا، عبر الدبلوماسية أولا، عندما تحفظت موسكو على الغزو الأمريكي للعراق في 2003، ثم امتد إلى مناوشات عسكرية بعد التدخل الروسي في جورجيا عام 2008، والاعتراف باستقلال إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ثم تأججت الأمور مع قرار ضم شبه جزيرة القرم في 2014، لتصل إلى الذروة مع الأزمة الأوكرانية الحالية، وانطلاق العملية العسكرية في فبراير الماضي.
 
ولكن تبقى "المهادنة" احتمالا غير مطروح على "طاولة" الطبيعة، إذا ما بدأ فعليا صراعها مع العالم، مع تنامي ظاهرة التغيرات المناخية، بينما تتجاوز تداعياتها آثار الاشتباكات الدبلوماسية، أو العمليات العسكرية المحدودة، أو حتى الصراعات العالمية، من أجل السيطرة والنفوذ، وهي التداعيات التي ربما تتأثر بها أوروبا أكثر من غيرها، وبالتالي تبقى "مقامرة" العودة إلى الفحم، والذى يمثل أكثر مصادر الوقود الأحفوري تلويثا للبيئة، من قبل قيادات بارزة في الاتحاد الأوروبي، غير خاضعة لما يمكننا تسميته بـ"نظريات التنمية غير المسؤولة"، التي طالما تبناها الغرب منذ الحقبة الاستعمارية، والتي اعتمدت نهجا قائما على استنزاف موارد الدول الفقيرة، لتحقيق أهداف النمو، دون النظر إلى أوضاع تلك الدول ومستقبل أجيالها، مما ساهم في جزء كبير منه في الحالة التي آل إليها الكوكب، خاصة وأن القارة العجوز، بحكم الجغرافيا سيطالها "بطش" الطبيعة لا محالة.
 
وهنا تبقى "المهادنة" هي الخطوة المنتظرة من العالم، في إطار ما سبق وأن أسميته في مقال سابق بـ"البيئوقراطية"، والتي تمثل أحد أهم الأسس التي ينبغي أن تقوم عليها الحقبة الجديدة من النظام الدولي، حتى يمكنه مواكبة الطبيعة الجديدة للأزمات العالمية، التي تتجاوز نطاق الزمن والجغرافيا.
 
وأما على الجانب السياسي، فيبقى قرار "العودة إلى الفحم"، بمثابة تراجع كبير عن المكانة التي تحظى بها القارة العجوز، والتي وقفت خلال السنوات الماضية، في موقف المدافع عن البيئة، في ضوء أمرين، أولهما الخروج عن الإطار الدولي الجديد، الذي فرضته الأزمات المستحدثة، والقائم على "البيئوقراطية"، بالإضافة إلى كونه مدخلا جديدا للانقسام داخل الاتحاد الأوروبي، والذي سبق له وأن استاء قبل سنوات قليلة إثر قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بالانسحاب من اتفاقية باريس المناخية، وهو ما يمثل حالة من "الانقلاب على الذات"، إذا ما وضعنا في الاعتبار حقيقة مفادها أن القرار الذى اتخذته عدة دول أوروبية يفوق في أضراره مجرد الانسحاب من اتفاق ذو طبيعة سياسية أكثر منه عملية.
 
وهنا يصبح القرار الذى اتخذته دولا أوروبية، بمثابة "مقامرة" غير محسوبة إلى حد بعيد، ليس فقط بسبب التداعيات المتوقعة، والتي تبقى كارثية، وإنما أيضا فيما يحمله في طياته من بذور جديدة للتراجع الكبير للقارة العجوز على المستوى الدولي، إلى الحد الذي يمثل فيه مثل هذا القرار "مسمارا" جديدا في نعش أوروبا الموحدة، بالإضافة إلى تراجع الثقة الدولية في قدرتها على التعامل كقوى دولية، يمكنها التأثير في الأحداث، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمات والقدرة على احتوائها.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة