ما تراه من، أنت الذي اخترت أن تراه، عبارة حقيقية، فالإنسان الطبيعي، والمُتزن نفسيًا لابد أن يُقيم البشر من حوله تقييمًا مُناسبًا مع سلوكياتهم، وبعد التقييم لابد أن يضع لكل شخص أسلوبًا ونهجًا يتناسب معه، بمعنى إذا أحبك إنسان فعامله بودّ، وإذا قدم لك شخص مساعدة، فيتعين عليك أن تحمل له الجميل، وتتحين الفرصة لكي ترده له، وإذا أخلص لك أحدهم فعليك أن تُخلص له، وإذا اهتم بك شخص ما وبدون أي غرض، فلابد أن تهتم به وبشئونه.
وعلى الجانب الآخر، إذا كرهك شخص فابتعد عنه، وإذا أهملك مَنْ كنت تهتم به، فلا تعبأ بأحواله، وإذا خانك مَنْ كنت صادقًا ومُخلصًا معه، فألقِ به خارج حياتك، وإذا تخلى عنك مَنْ ساندته وعضدته، فتخلَّ عن وجوده في مُحيط حياتك.
والأهم من كل ذلك إذا عاتبك مَنْ كنت تحمل له الكثير بداخلك، وقال لك: "لقد تغيرت أحوالك، وأنا أرى منك أمورًا طرأت عليك حديثًا"، فابتسم في وجهه، وقل له بمُنتهى القوة: "ما تراه مني أنت الذي اخترت أن تراه". وهذا يعني أن كل شخص هو الذي يختار الأسلوب الذي يُعامله به الآخرون، ولكن بشرط أن يكون الآخرون أسوياء نفسيًا، لأننا لابد أن نتيقن أن هناك أشخاص مهما قدمت لهم من خير لا يُقابلونه سوى بالشر، ودائمًا يُنكرون الجميل، ويتقلبون في لحظات، بل والأدهى من ذلك، هناك مَنْ يخونك، ويُطالبك بتقبل ذلك، وهناك مَنْ يُهملك وينتظر منك أن تتحمل، وهناك، وهناك، وهناك الكثير والكثير، فهؤلاء ليسوا أسوياء، ولذا نرى ردود أفعالهم غير مُتزنة، وسلوكياتهم لا يُعول عليها، لذا فهم في واقع الأمر ليسوا بمعيار، يُمكن يُقاس عليه.
وعليه، فالمعيار الصحيح في فن التعامل، هو الشخص المُتزن نفسيًا، الذي يُعامل الأشخاص وفقًا لأخلاقهم، وسلوكياتهم، وردود أفعالهم، وكل شخص هو الذي يُجبر الآخرين إما على حُبه واحترامه، ويكون قرة أعينهم، وإما على الابتعاد عنه، والندم على معرفته، ويتحول لشخص مجهول بالنسبة لهم.
وأخيرًا، فنحن مَنْ نختار أسلوب تعامل الناس معنا، فلِمَ إذن نندهش من أساليبهم معنا، في حين أننا نحصد ما زرعناه، وهذا هو قانون الحياة.