صدر قبل أيام كتاب الفيلسوف والمفكر الأمريكي المعروف فرانسيس فوكوياما تحت عنوان الليبرالية وسخطها، وقد حظى الكتاب بمراجعات عديدة بكبريات الصحف الأمريكية والبريطانية باعتباره حدثا مهما في ظل شهرة مؤلفه صاحب نهاية التاريخ.
يدور الكتاب كما هو واضح من عنوانه حول الليبرالية بادئا من تاريخها حيث تم تطوير الليبرالية في أعقاب حروب أوروبا حول الدين والقومية حيث يعرفها باعتبارها نظام لإدارة المجتمعات المتنوعة ، وهو نظام يرتكز على المبادئ الأساسية للمساواة وسيادة القانون ويؤكد على حقوق الأفراد في السعي وراء أشكالهم الخاصة من السعادة الخالية من التعدي من قبل الحكومة.
ويؤكد أنه لا يخفى على أحد أن الليبرالية لم تلتزم دائمًا بمُثُلها ففي أمريكا حيث حُرم الكثير من الناس من المساواة أمام القانون وظلت الحقوق العالمية محل نزاع لعدة قرون، ومؤخراً فقط توسعت هذه الدائرة لتشمل النساء والأمريكيين الأفارقة وغيرهم.
كما يوضح الفيلسوف السياسي الشهير فرانسيس فوكوياما في كتابه الليبرالية وسخطها أسباب مغالاة الليبرالية في اتجاهاتها، خلال العقود الأخيرة وتوجهها إلى أقصى درجات التطرف من قبل اليمين واليسار على حدٍ سواء: فقد صنع الليبراليون الجدد عبادة الحرية الاقتصادية، وركز التقدميون على الهوية على العالمية البشرية كمركزية لرؤيتهم السياسية.
ويجادل فوكوياما بأن النتيجة كانت تمزق مجتمعنا المدني وخطر متزايد على الديمقراطية ليس فقط في أمريكا بل في العالم كله إن جاز التعبير.
ينتقل فوكوياما بعدها من التاريخى إلى الواقعي متوقفا عند مشهد دخول الدبابات الروسية إلى أوكرانيا ، حين أعلن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أن الديمقراطية الليبرالية "عفا عليها الزمن" حيث يشير في كتابه إلى إن هذا ليس رأيًا نادرًا ، حتى في الديمقراطيات الليبرالية.
وقبل ثلاثين عامًا بعد الانهيار المزعج للاتحاد السوفيتي وحلف وارسو اكتسب فوكوياما اعترافًا دوليًا بكتابه بعنوان "نهاية التاريخ والرجل الأخير"، والذى جادل فيه بأن الديمقراطية الليبرالية كانت في الأساس "نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية".
ونظرًا لأن أحداثًا مثل الحادي عشر من سبتمبر وحرب أفغانستان والعراق والأزمة المالية لعام 2008 ألقت بظلالها على تنامى الليبرالية فقد تم استنكار عمل فوكوياما باعتباره ذروة الغطرسة الهيجلية وكان يُنظر إليه على أنه مؤمن بحتمية فكرة التقدم التي يحددها الغرب ، وكشخص أعمى عن إخفاقات الديمقراطية الليبرالية.
يكتب فوكوياما في كتابه الجديد بشكل مفصل: "من الواضح أن الليبرالية كانت في تراجع واضح خلال السنوات الأخيرة"، وقد تراجع فوكوياما عن مساندة أجندة المحافظين الجدد الأمريكية التي كان قد دعمها في البداية، وهنا في الكتاب يستشهد بإحصائيات واقعية مفادها أن الحقوق السياسية والحريات المدنية قد تراجعت على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية في جميع أنحاء العالم بعد أن ارتفعت خلال العقود الثلاثة ونصف الماضية.
كما يلاحظ فوكوياما أن هناك شكلا من أشكال التفكير التآمري الذي تم تبنيه على النحو واضح جدا من قبل فصائل اليمين، التي رأت أن التدابير التي تم سنها خلال الوباء مثل ارتداء الأقنعة والتلقيح والتباعد الاجتماعي علامات على توجيه الأمور عبر نخبة السلطة الخفية.
وعلى الرغم من أنه يوجز بعض الشكاوى المألوفة حول احتكارات وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها المؤلم على الخطاب السياسي ، فإن الإحساس العام الذي يطرحه هذا الكتاب هو أن الليبرالية في أزمة بسبب التراخي الذي حدث مع نجاحاتها مؤكدا أن الديمقراطية الليبرالية نجحت في تحقيق عدة نجاحات على جبهات عديدة ، ولكنها مع كل خطوة إلى الأمام تركت العديد من الإخفاقات وراءها.
كتاب فوكوياما
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة