"صناعة سدد الغاب" موروث تاريخى وإرث شعبى أصيل حافظ عليه أبناء قرية كفر طنبول الجديد بالدقهلية.. روادها يؤكدون: الحرفة مصدر دخلنا الرئيسى ونورثها لأبنائنا وأحفادنا.. فيديو وصور

الأحد، 24 أبريل 2022 04:00 ص
"صناعة سدد الغاب" موروث تاريخى وإرث شعبى أصيل حافظ عليه أبناء قرية كفر طنبول الجديد بالدقهلية.. روادها يؤكدون: الحرفة مصدر دخلنا الرئيسى ونورثها لأبنائنا وأحفادنا.. فيديو وصور صناعة سدد الغاب
الدقهلية - مرام محمد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بين الزراعات والطرق وأمام البيوت وحولها، حشد من النساء والرجال والأطفال يسعون وراء رزقهم، الكثير من عيدان البوص المتناثرة والسدد والحصائر المتراصة، ألواح خشبية معلقة تحمل أعواد الغاب بأربطة سوداء، تظللها سواعد فتية يشع بريقها بابتسامة رضا ترتسم الوجوه وتغمر القلوب وأياد "شقيانة" تعمل بإخلاص وتفان.

تاريخ حى حفر سطوره أبناء قرية كفر طنبول الجديد التابعة لمدينة السنبلاوين، رواد صناعة "سدد الغاب" فى محافظة الدقهلية على مدار عقود طويلة، إذ استطاعوا بكفاحهم وإبداعاتهم وإتقانهم لعملهم أن يحافظوا على صناعة عريقة شارفت على الاندثار، وتمثل لجميع أبناء القرية مصدر رزقهم ودخلهم الوحيد.

عند شروق الشمس وحلول الصباح، يتسابق محمد فتحى صاحب الـ41 عاما وصديقه وعدد من عمال اليومية فى صناعة سدد وحصائر الغاب ونسجها وتشكيلها على أعتاب القرية، يقفون أمام ألواح خشبية مثبتة بجوار بعضها على جنبات تلك القرية، وأمامهم سدد يقومون بصناعتها واحدة تلو الأخرى بأيديهم التى تلتف حول أعواد الغاب والأقمشة الملونة التى يحركونها بتناغم وانسجام عكس بعضها فى إيقاع واحد.

وبوجه يكسوه الاحمرار من شدة الحرارة، وهو يشجع زملائه على مواصلة عملهم الشاق فى نهار رمضان، غلب على "محمد" الحديث وقال لـ"اليوم السابع"، أن "قرية كفر طنبول الجديد، تعد إحدى أقدم القرى المصرية المعروفة بصناعة سدد الغاب، حيث تعد المهنة موروث تاريخى قديم ورثوه واحترفوا صناعته منذ عشرات السنين، ومصدر الدخل الأساسى لسكان القرية، اللذين لا يزالون يكافحون بالعمل فيها؛ ليحافظوا على رزقهم ورزق أبنائهم".

وتابع: "صناعة سدد الغاب تعد من الحرف اليدوية الدقيقة والشاقة التى تحتاج للمهارة والخبرة والصبر، حيث يعكفون فى ساحة عملهم لساعات طويلة، ينظفون بأيديهم أعواد الغاب، ومن ثم يقومون برص الأعواد بعد تنعيمها وتسويتها جنبا إلى جنب بطريقة مهندمة ومنظمة، لتتشابك مع بعضها البعض وتتماسك بأربطة القماش الناتجة من مخلفات المصانع، والتى تقوم بدورها بشد وتثبيت أعواد الغاب وزيادة قوتها وتماسكها، مشيرا إلى أنهم يكافحون بمهارتهم وإبداعهم فى صناعة السدد التى تستخدم كأسقف وأبواب لمنازل غير القادرين، أو كأعشاش وأسوار لحظائر المواشي، أو تعريشة للزرائب؛ ليحافظوا على مهنة أجدادهم من الاندثار.

واستطرد أن للغاب أنواع عديدة تختلف عن بعضها البعض من حيث الجودة والسعر والاستخدام، فهناك الغاب البلدى وهو الفرز الأول من الغاب ويعد أجود وأفضل أنواع الغاب على الإطلاق؛ لمتانته وقدرته على تحمل مختلف الظروف البيئية، والبقاء لسنوات طويلة، وقدرته الفائقة على تطرية وتهدئة الجو صيفا، وامتصاص أشعة الشمس وتدفئة البيوت شتاء، و"الحجن"، و"الريحي"، وهما أقل جودة وصلابة وسعر وأكبر حجما من النوع الأول، ويستخدمان أيضا فى صناعة العشش وسدد المنازل، ولكنهما لا يعيشان طويلا؛ لهشاشتهما وضعف قوامهما.

وأوضح أن لسدد الغاب طريقتين فى الصنع، فيقومون بتقشير أعواد الغاب البلدى وتنظيفها من الأشواك يدويا أو بالشقرف فى حالة كانت السدة ستستخدم كصبة وتعريشة للمنازل والبيوت، أما فى حالة كان الغاب من الأنواع الضعيفة والهشة المليئة بالأشواك فيتركونها كما هى دون تنظيف لتضفى الأشواك سماكة وقوة للغاب، بعكس الغاب البلدى الذى يتمتع بالصلابة والمتانة والقوة، مشيرا إلى أن سدد الغاب المليئة بالأشواك تستخدم كتعريشة للمزارع والزرائب؛ نظرا لهشاشتها ورخص ثمنها.

وفى لحظة تأمل، غلب على أسامة مسعد صاحب الـ42 عاما الحديث وهو يثبت أعواد الغاب مع بعضها البعض ويربطها بالحبال، قائلا: "من يوم ما وعيت على الدنيا وانا شايف أبويا وجدودى بيصنعوا سدد الغاب، كل القرية كانت بتشتغل نفس الشغلانة، كنت براقبهم وهما بيشكلوا السدد ويصنعوها، لحد ما اتعلمتها وبقيت أقف وأصنع معاهم".. وواصل "أسامة" حديثه بالقول: "محدش فى البلد ميعرفش يصنع سدد الغاب، هى صنعتنا الوحيدة اللى كبرنا واتربينا عليها، ومصدر رزق كل واحد فى البلد".

وتابع: "بننزل نشتغل من الصبح لحد آخر النهار، وبنقسم الشغل ما بينا لحد ما نخلص طلبية السدد المطلوبة مننا لإن ده أكل عيشنا وفاتح بيوت أهل البلد كلهم، فمنا اللى بيروح يشترى الغاب من على الجسور فى البحيرة والمنوفية والشرقية، فكل ما الغاب يخلص من محافظة نروح نجيبه من محافظة تانية، ومنا اللى بيقشر الغاب بإيديه من الشوك، ومنا اللى بيصنع ويشكل السدد".

وأوضح أن صناعة "سدد الخوص" غية تحتاج للمهارة والصبر وخفة اليد، وحرفة عظيمة تستر الفقراء عوضا عن الحديد الصلب والأسمنت، مشيرا إلى أنهم يعملون ليل نهار بعزم وصبر وإرادة لتوفير حياة كريمة لأبنائهم وتأمين مستقبل أفضل لهم، فى ظل ما تواجهه المهنة من مخاطر تهدد بقائها واعتماد قلة بسيطة على شراء سدد الغاب من غير القادرين فى الأرياف والقرى الفقيرة، وأصحاب المزارع والأراضى والزرائب والعشش.

 

صناعة سدد الغاب (1)
صناعة سدد الغاب (1)

 

 

 

صناعة سدد الغاب (4)
صناعة سدد الغاب (4)

 

صناعة سدد الغاب (6)
صناعة سدد الغاب (6)

 

صناعة سدد الغاب (9)
صناعة سدد الغاب (9)

 

صناعة سدد الغاب (10)
صناعة سدد الغاب (10)

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة