القس اندريه زكى

القيامة دعوة لقبول الآخر

الأحد، 24 أبريل 2022 05:16 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

هذه الأيام نحتفل بذكرى موت وقيامة السيد المسيح، هذه القيامة كانت نقطة فاصلة في تاريخ الكنيسة، القيامة كانت لجماعة المسيحيين الأوائل جسر يربط بين الماضي والمستقبل، ويمكن القول إن القيامة حطَّمت حواجز الأنانية وعمَّقت مفهوم المشاركة. فنحن نرى المسيحيين الأوائل يبنون معًا مجتمع التكامل الاجتماعي من خلال قيام بعض الأغنياء ببيع ممتلكاتهم ليعطوا للفقراء (سفر أعمال الرسل 4: 32-37).

كما أن القيامة ساهمت أيضًا في بناء مجتمع يستوعب الآخر ويُعطي مكانًا لجميع الناس من خلال الخروج من النظرة اليهودية الضيقة لربط الإيمان بالعرق، إلى إعلان أن الإيمان يتجاوز العرق، وأن بقية الشعوب من الأمم لهم مكان في المسيحية (أعمال الرسل 15: 7-11).

 استطاعت القيامة أيضًا أن تحطم حواجز التمييز بين الرجل والمرأة، الفقير والغني، اليهودي والأممي (رسالة بولس الرسول لأهل غلاطية 3: 25-28). بل ساهمت في التأكيد على مبدأ المساواة والاستيعاب والتعددية. فجاءت الكنيسة الأولى غنية بالخبرات البشرية والتعدد القومي والاجتماعي.

ومن هنا ماذا تعني القيامة بالنسبة لنا اليوم فيما يتعلق بالآخر؟ هناك صور ذهنية عديدة شكلت عقلية البشر في القرون الماضية، هذه الصور الذهنية هي نتاج ممارسة ثقافة التشدد والتسامح عبر فترة زمنية، والأنساق الثقافية لا تُخلق في يوم وليلة. لكنها تراكمات عقلية ووجدانية. هذه الخبرات التراكمية هي التي تسهم في خلق ثقافة التشدد والتسامح. لذلك فإن طرح عدد من هذه الصور الذهنية، قد يساعد في فهم الإطار الثقافي الذي يعيشه المجتمع.

إن أحدًا لا يستطيع أن ينكر أهمية الروابط الدينية،  إلا أن اختزال كل الأشكال الأخرى للهوية في الهوية الدينية، قد أسهم في تحجيم التعددية، ولعب دورًا كبيرًا في التشكيك الوطني، واختزال الروابط القومية التي هي أساس التماسك الاجتماعي والسياسي والثقافي.

كذلك إن مواقف الرسول بولس المتعددة نحو الآخر هي مواقف أساسية في المسيحية. أحد هذه المواقف الهامة هو الحكم على عقيدة الآخر. في هذا السياق يأتي الرسول بولس واضحًا في موقفه من الأشخاص الذين ليس لهم ناموس أو شريعة أو دين. هذا الموقف يؤكد بوضوح أن "الذين ليس عندهم الناموس ... هم ناموس لأنفسهم" (رسالة الرسول بولس لأهل رومية 2: 14). وهنا يواجه الرسول بولس الموقف اليهودي الذي يسعى إلى تكفير الآخر.

إن هذه الكلمات الخالدة التي نطق بها الرسول بولس في العهد الجديد "الذين ليس عندهم الناموس ... هم ناموس لأنفسهم" تؤكد بوضوح أن الله وحده هو الذي يدين البشر وأن الله وحده هو الذي يحكم على فكر وعقائد البشر. هنا لدينا موقف مسيحي واضح يرفض الازدراء بالعقائد الأخرى أو التحقير منها.

نهاية أود أن أشير إلى أن المبادئ الكتابية تؤكد على أهمية التنوع، فتنوع الخليقة ، وتنوع الجنس البشري جميعها تمثل قيمة مضافة لأسباب العيش المشترك. كما أن التوجه لإقصاء الآخر، أو القضاء عليه في بعض الأحيان، يتعارض تعارضًا تامًا مع المفهوم الكتابي للحياة، وأيضًا يتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

فعلى المستوى اللاهوتي وكذلك المستوى السياسي والاجتماعي فإن العيش المشترك لا يقف فقط عند حدود الأرضية المشتركة، لكنه يمتد إلى حد الاختلاف. ومع القواسم المشتركة، وحق الاختلاف يصبح للعيش المشترك دلالة ومعنى.

وها نحن نحتفل بذكرى القيامة، أؤكد أن الله يريد أن يحيا كل البشر في سلام ووئام متحابين، لأن الله محبة.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة