سنوياً يتم إنتاج أعمال درامية كثيرة، يحاول صناع هذه الأعمال أن تكون فى الصدارة أو بعبارة حديثة (تركب التريند)، وغالباً تكون هذه الأعمال فى مجملها أعمال جيدة فى غالب الأحيان أو ممتازة فى أحيان قليلة ونستمتع بها، ولكن أن يكون هناك عمل فنى درامى يعيش فى ذاكرة التاريخ، ويُحدث دويا كبيرا ويتعرض لقضايا المرأة بشكل علمى متخصص من دراسين وباحثين فى شئون المرأة والمجتمع وفقهاء دين وقانون، فهذا هو العمل الدرامى الذى كنا ننتظره منذ زمن.
نحن أمام عمل درامى تكتمل فيه الصورة الفنية من بداية تتر المسلسل بصوت أنغام، وكأنها تعبر عن كل امرأة ترى نفسها مهزوزة أو مكسورة أو ضعيفة و ترسل رسالة أو صرخة.
اختيار نيللى كريم اختيار له مغزى كبير فقبل عشرين عاماً اختارتها سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة لتكون ابنتها فى عملها الفنى الأخير مسلسل (وجه القمر) عام 2000.
وكأنها تراهن عليها حتى مرت السنوات ونضجت نيللى كريم، وأبدعت فى أعمال سينمائية ودرامية عظيمة مثل مسلسل "ذات" عام 2013 وتجد اتصالا هاتفيا من سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة لتهنئها بدورها.
ثم تشيد بدروها ومسلسلها "سجن النساء" عام 2014 وتقول فاتن حمامة عنه "هذا المسلسل أبهرنى"، وكأنها تتابع من اختارتها لتكون فى منزلة فنية مختلفة ومتميزة.
وتمر السنوات وتأتى لنا نيللى كريم بنص فيه صرخة قد صرختها فاتن حمامة منذ أكثر من 45 عاماً فى فيلمها التاريخى "أريد حلاً" 1975، هذا الفيلم الذى كان سبباً رئيسياً فى تغيير قانون الأحوال الشخصية فى مصر.
وكأن نيللى كريم تكمل ما بدأته فاتن حمامة، وكأن هناك خيطاً مشتركاً بين سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة ونيللى كريم حتى اسمها فى المسلسل بـ فاتن رمز غير مباشر بسيدة الشاشة العربية.
نيللى كريم فى هذا المسلسل فى أفضل حالاتها الفنية تراها كما لو كانت بالفعل موظفة فى مصلحة الشهر العقارى بدون مكياج النجمات اللاتى يحرصن عليه حتى فى أدائهن لمثل هذه النوعية الخاصة من الأدوار، وقد يفقد الدور مصداقيته بسبب هذا التجميل الذى يطيح بملامج الممثلة ويفقدها جزء كبير جداً من أدواتها كممثلة.
فلم تقع نيللى كريم فى هذا الفخ وأجادت فى دور يحسب لتاريخها الفنى وقد يكون دور عمرها الفنى كله.
ولم أجد فى عناصر التمثيل إلا عناصر متكاملة سواء شريف سلامة الذى عاد بعد غياب وكأنه يقدم أوراق اعتماده كممثل جديد، هالة صدقى تقدم دور قريب من شخصيتها كصديقة صدوقة لمن حولها فى الحياة فكان تؤدى طبيعتها، محمد الشرنوبى دور رجل الدين بشكل مختلف وأرى أن الشرنوبى ممثل أهم من كونه مطرب.
فكل عناصر التمثيل هنا فى أفضل حالتهم الإبداعية، حتى وإن كان دوراً صغيراً فلم نرى إلا أداء تمثيليا متميزا ومتسقا فى أحداث العمل الدرامى وأبعاد الشخصية من خالد سرحان ومحمد ثروت وحاتم صالح وفادية عبد الغنى ومحمد التاجى وغيرهم.
نحن أمام نص يكتبه كاتب بحجم الأستاذ إبراهيم عيسى ذلك الكاتب الذى يدعوا الجميع للاطلاع و القراءة.
كاتب فريد من نوعه ، مجرد أن يعرض رأى أو يطرح قضية ويهاجمه بعض الأقلام إلا ونرى الجميع يحاول أن يطلع ويقرأ فى مضمون كلام هذا الرجل الذى أعاد رواد السيوسشال ميديا للقراءة من جديد، بسبب البحث وراء آرائه التى تثير جدلاً واسعاً فى كثير من الأحيان و هذا يُحسب له.
ونجد هنا إبراهيم عيسى مع عمله الدرامى هذا يستند فيه لرأى الدين والفقه من خلال الدكتور سعد الدين الهلالى أحد أهم أساتذة الأزهر الشريف، وكذا رأى القانون وشئون المرأة من خلال دكتوره نهاد أبو القمصان ، وهذه أمانة الكاتب حين يكتب فى قضية شائكة مثل قضية فاتن أمل حربى .
ونجد يومياً على وسائل التواصل الاجتماعى الجدل الواسع حول كل مشهد فى هذا المسلسل، مجرد التفكير فى التغيير يثير جدلاً واسعاً وهذا ما أراه فى يؤكد قيمة وأهمية هذا العمل الدرامى الذى سيصبح عملاً درامياً تاريخياً.
المخرج محمد العدل يقدم نفسه ليقف فى الصفوف المتميزة للمخرجين العظام فى تاريخ الدراما المصرية.
محمد العدل يقدم لنا الصورة المناسبة لكل شخصية فى العمل برؤية إخراجية مبهرة وبسيطة فى نفس الوقت وبسبب هذا المخرج الشاب الواعد نرى أمامنا عملاً درامياً مكتمل الأركان فكم من نصوص درامية عظيمة و نجوم كبار أطاحوا بهم مخرجين، ويكفى أن نرى محمد العدل المخرج مؤمن بما يقدمه و يوثق تاريخه الفنى فى هذا العمل.
مسلسل فاتن أمل حربى عمل فنى كنا فى أمس الحاجة إليه ليعيد لنا الأعمال الفنية المرتبطة بالقضايا الهامة فى حياتنا بشكل أدبى فنى مهنى عظيم.
شكراً للشركة المتحدة ولكل من قدم هذا العمل وساهم فيه ولو بأقل المجهود، فكم كنا فى أمس الحاجة لعمل فنى للتاريخ يظل فى ذاكرة الدراما العربية بل وفى ذاكرة التاريخ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة