أكرم القصاص - علا الشافعي

بيشوى رمزى

حلم القيادة الأوروبية.. فرصة باريس من رحم "الأزمة الأوكرانية"

الأحد، 20 مارس 2022 04:32 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى الوقت الذى تقترب فيه الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون من نهايتها، استعداده ليخوض معترك الانتخابات المقررة فى الشهر المقبل، يبدو وأنه تمكن من تحقيق أحد أكثر الأهداف التى يرنو إليها، وهو إعادة فرنسا إلى القيادة الدولية مجددا، بعد سنوات من التراجع، والتى ترجع فى جزء منها إلى الدوران الكامل فى فلك الولايات المتحدة، لعقود طويلة من الزمن من جانب، ناهيك عن أزمات اقتصادية، فى الداخل، تجلت فى أبهى صورها مع نهاية عهد الرئيس السابق فرنسوا هولاند، الذى آثر الانسحاب من الانتخابات الرئاسية الماضية، مكتفيا بفترة واحدة، واستمرت مع بداية حقبة الرئيس الحالى، وهو ما أسفر عن تظاهرات كبيرة ضربت مناطق واسعة من بلاده فى 2018، تحت قيادة ما يسمى بـ"السترات الصفراء".

 

ولعل القيادة الفرنسية، فى رؤية ماكرون، دارت حول المحيط الإقليمى، عبر الاتحاد الأوروبى، فى ظل امتلاك بلاده ما يؤهلها للقيام بدور نشط، سواء من حيث التاريخ السياسى الكبير، أو القوة العسكرية، ناهيك عن الجغرافيا، وهو ما دفع إلى حالة أشبه بالمنافسة مع ألمانيا، التى لعبت دور "الذراع الأيمن" لواشنطن، فى معظم سنوات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، خاصة خلال حقبة الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، حيث اتسمت العلاقة بينهما بحالة من الثقة الكبيرة، ساهمت فى زيادة الاعتماد الأمريكى عليها، لقيادة القارة العجوز، لحشد التأييد للتوجهات الأمريكية من بوابة "أوروبا الموحدة"، إلا أن الأمر ربما بدا مختلفا مع صعود الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فى ظل معطيات، أبرزها عدم الانسجام، على المستوى الشخصى، مع ميركل، ناهيك عن رؤيته المتعارضة مع الكيان الأوروبى المشترك، إلى الحد الذى ألقت فيه الولايات المتحدة بثقلها لخروج بريطانى "خشن" يساهم فى تقويضه مستقبلا.

 

ربما أدرك ماكرون، منذ بداية الأمر، غياب الانسجام بين ترامب وميركل، لذا فسعى لتقديم نفسه كبديل، عبر التقارب مع الرئيس الأمريكى، من خلال التداخل فى قضايا عدة، منها القيام بالوساطة مع إيران، إثر الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى، إلا أن الايمان بالاتحاد الأوروبى، ورغبة باريس فى العودة إلى مكانتها من بوابته، بقى عائقا رئيسيا، أمام سيد "الإليزيه"، لإقناع واشنطن، تحت الإدارة السابقة، وهو ما أدركه الرئيس الفرنسى، خاصة مع انسحاب أمريكا من اتفاقية باريس المناخية، وهى الخطوة التى تمثل، إلى جانب استخفافا بأزمة كبيرة تهدد الكوكب بأسره، محاولة مهمة لتقويض الدور الفرنسى، فى ظل ارتباط الاتفاقية باسم العاصمة الفرنسية، وبالتالى فتبقى جزءً لا يتجزأ من النفوذ الفرنسي.

 

وهنا تبلور مفهوم القيادة القارية، فى عقل ماكرون، بعيدا عن الدوران فى الفلك الأمريكى، مع تغير الظروف وتضارب المصالح، فى ظل صعود قوى دولية جديدة، مما يساهم فى خلق مساحة من المناورة، وهو ما بدا فى التقارب الملموس مع روسيا، بالإضافة إلى عدم الاستجابة لدعوات مقاطعة الصين، لتصبح باريس قادرة على الفوز بثقة جميع أطراف المعادلة الدولية الراهنة، وهو ما يتجلى بوضوح فى بروزها كأكثر دول الاتحاد الأوروبى تداخلا على خط الأزمة الأوكرانية، فى ظل قبول واضح من جانب موسكو، ناهيك عن كونها مازالت فى فريق "المعسكر الغربي"، وهو ما يمنحها قدرا من المباركة الأمريكية ولو على مضض.

 

الموقف الفرنسى من الأزمة الأوكرانية، لا يبدو محايدا، وهو ما يعد بمثابة أمرا طبيعيا، فى ظل تداخل الاتحاد الأوروبى على خط الأزمة، إلا أن انحياز باريس لمعسكرها الغربى، مازال معتدلا إلى حد كبير، حتى وإن خرجت التصريحات تحمل قدرا من العدائية، حيث يبقى ماكرون أكثر رؤساء الغرب تواصلا مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين، وهو ما يمثل وجها أخر للدور الصينى، والتى تبقى منحازة لشريكها الروسى، ولكن دون استفزاز للجانب الغربى، ليتصاعد دور بكين بصورة كبيرة، للقيام بدور فى الأزمة الراهنة، رغم الخلافات العميقة مع واشنطن.

 

وهنا يمكننا القول بأن أوراق اللعبة الدولية، لم تعد بالكامل فى يد واشنطن، بل على العكس، ربما يبدو الدوران بعيدا عن الفلك الأمريكى، أحد أبرز مؤهلات القيادة الدولية، والقيام بدور فى الأزمات الدولية، مع تنوع القوى الدولية القادرة على القيام بدور بارز فيما يتعلق بالأزمات الكبيرة التى يشهدها العالم فى المرحلة الراهنة، وهو ما يفتح الباب أمام تنويع التحالفات، وبالتالى تحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية التى تتعلق بالدور الذى تلعبه كافة القوى الدولية والإقليمية.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة