شهدت أسواق الغاز الطبيعى الأوروبية مع بداية الأزمة الروسية الأوكرانية يوم الخميس الماضى، حدوث قفزة غير مسبوقة فى الأسعار وفق مؤشر TTF الرئيسى فى هولندا (المرجع الرئيسى لأسعار الغاز فى أوروبا) بلغت نسبتها أكثر من 50% لتصل الأسعار إلى 44 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية مقابل 29 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية فى اليوم السابق له.
أرجعت سبب هذا الارتفاع إلى تنامى المخاوف ودرجة عدم اليقين بخصوص مستقبل إمدادات الغاز من روسيا عبر خطوط الأنابيب إلى الأسواق الأوروبية، التى تلبى وحدها نحو 30% من احتياجات أوروبا (بما فيها تركيا) من الغاز، خاصة وأن بعض تلك الخطوط يمر عبر الأراضى الأوكرانية وذلك وفقا لبيان لمنظمة "أوابك "، الذى أكد أن هذه المخاوف قد تبددت قليلا نتيجة استمرار عمليات ضخ الغاز من روسيا عبر الأراضى الأوكرانية دون توقف حسب العقود السارية بين الجانبين، لتسجل نحو 109 مليون متر مكعب فى اليوم، وفق البيانات التى رصدتها الأمانة العامة من مشغل شبكات نقل الغاز الأوكرانية، ولذا تراجعت الأسعار وفق مؤشر TTF خلال جلسات التداول أمس إلى 35 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (أى ما يكافئ نحو 200 دولار للبرميل على أساس القيمة الحرارية)، لتظل محلقة فى ذروتها التاريخية.
وفيما يتعلق ببدائل الغاز الروسى لأوروبا وذلك فى حال توقف أو نقص الأمدادات، قال خبراء الغاز أنه فى حال تعطل إمدادات الغاز من روسيا لأوربا عبر أى مسار من المسارات الأربعة سواء المارة عبر أوكرانيا أو غيرها، فأن مصر ستكون أحد البدائل المطروحة للمساهمة فى تعويض نقص إمدادات الغاز لأوروبا والتى قد تلجأ إليها أوروبا، خاصة وأن وزارة البترول سبق وأن أعلنت أن محطات الإسالة فى مصر تعمل بكامل طاقتها البالغة 1.6 مليار قدم مكعب غاز يوميا لافتا أن مصر تسعى من خلال موقعها وريدتها أن تكون مركزا لتجارة وتداول الغاز فى منطقة شرق المتوسط وبالتالى المساهمة فى عملية التعويض.
وأوضح خبراء الغاز، أن التعاقد مع مصر لإمداد أوروبا بالغاز يخلق تنويع فى مصادر الإمدادات وهى أحد المصادر التى قد تلجا اليها أوروبا لتعويض الامدادات لافتا أنه ومن البدائل أيضا الجزائر وقطر واذرابيجان والويات المتحدة الامريكية وهى الخيارات المتاحة.
وكانت الأمانة العامة لأوابك، قد أكدعلى حرص الدول العربية المصدرة للغاز الطبيعى وبالأخص الغاز الطبيعى المسال، على توفير إمدادات الغاز إلى عملائها لضمان استقرار الأسواق العالمية حيث صدرت فى شهر يناير 2022 أكثر من 10 ملايين طن من الغاز الطبيعى المسال لتلبى نحو 29% من الطلب العالمى، فى أعلى "حصيلة شهرية" للصادرات تحققه الدول العربية مجتمعة فى تاريخها، لتؤكد بذلك على ريادتها كمورد آمن وموثوق ومستدام للغاز الطبيعى، علما بأن الأسواق الأوروبية قد استحوذت على نحو 25% من إجمالى صادرات الدول العربية.
كما تشدد الأمانة العامة على أن استقرار الأسواق العالمية للغاز الطبيعى، والأوروبية على وجه الخصوص، والحد من التقلبات الفجائية الحادة فى الأسعار وتحقيق أمن الطاقة، سيظل مرهونًا باستمرار ضخ الاستثمارات اللازمة فى قطاع الغاز والاعتماد عليه كمصدر رئيسى للطاقة فى المستقبل، وإبرام تعاقدات طويلة الأجل بين الدول المصدرة والمستوردة للغاز بغية تحقيق التوازن بين أهداف الحياد الكربونى للطاقة، وضمان أمن الطاقة.
ومن جانبها أكدت الأمانة العامة، على استمرار متابعتها لتطورات السوق العالمى للغاز الطبيعى، ورصد التداعيات التى تؤثر عليها نتيجة أية تطورات تحدث على الساحة العالمية والعربية، وطرح رؤيتها حيال هذه التطورات.
وبالنظر إلى ظروف السوق الراهنة، ووضع الإمدادات من مختلف الدول المصدرة، ونتيجة استمرار تراجع المخزونات فى الأسواق الأوروبية التى وصلت إلى نحو 30%، فإنه من غير المتوقع أن تتراجع الأسعار فى السوق الفورية عن ذروتها فى المدى المنظور، خاصة أن استمر أمد الأزمة الحالية، بل قد تشهد موجة جديدة من الارتفاعات فى حال زيادة الإقبال على شراء المزيد من شحنات الغاز الطبيعى المسال من السوق الفورى المتأزم أصلا، لضمان تأمين مخزونات كافية، وهو الأمر الذى سيتسبب فى تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمى، المنهك أصلا من جائحة كورونا (كوفيد-19).
قال رئيس الحكومة الإيطالية ماريو دراجى، أن "الاتحاد الاوروبى أظهر فى الأيام الأخيرة تصميما وتماسكا" حيال الرد على الهجوم الروسى على أوكرانيا، وتابع فى إحاطة الجمعة لمجلس النواب بشأن الأزمة الروسية-الأوكرانية، والتى أعلن فيها عن تخصيص 110 ملايين يورو، كمساعدات مالية للسلطات فى كييف، "نحن مستعدون لاتخاذ تدابير أكثر صرامة إذا لم تكن هذه كافية".
وقال رئيس الحكومة "العقوبات التى وافقنا عليها، وتلك التى قد نوافق عليها فى المستقبل، تتطلب منا النظر مع اهتمام كبير بالتأثير على اقتصادنا"، حسبما نقلت صحيفة "المساجيرو" الإيطالية.
ورأى أن مصدر "القلق الأكبر يتعلق بقطاع الطاقة، الذى تضرر بالفعل من ارتفاعات الأسعار فى الأشهر الأخيرة: حوالى 45% من الغاز الذى نستورده يأتى من روسيا، متصاعدا عن نسبة 27% قبل عشر سنوات خلت".
وقال دراجى، الذى ألمح إلى إمكانية فتح محطات توليد الطاقة التى تعمل بالفحم لملء أى أوجه قصور على المدى القصير، "لقد تحدثت عن الغاز، ولكن الإجابة الأكثر صحة على المدى الطويل هى المضى قدمًا بسرعة، كما نفعل الآن، فى اتجاه تطوير أكبر للمصادر المتجددة".
وأضاف دراجى "لكن الغاز لا يزال ضروريًا كوقود انتقالى، نحن بحاجة إلى تعزيز الممر الجنوبى، وتحسين قدرتنا على إعادة تحويل الغاز المسال (إلى الحالة الغازية)، وزيادة الإنتاج المحلى على حساب الواردات، لأن الغاز المنتج فى البلاد يمكن إدارته بمرونة أكبر ويمكن أن يكون أرخص.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة