بيشوى رمزى

"الجمهورية الجديدة".. "منصة" الدبلوماسية الدولية لإرساء "البيئوقراطية"

الأربعاء، 23 فبراير 2022 12:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ربما تبقى كلمة مبعوث البيت الأبيض للمناخ جون كيرى، من قلب القاهرة، بمثابة شهادة جديدة، للنجاح الكبير الذى حققته مصر على الصعيد البيئي في إطار خطة شاملة لتحقيق التنمية المستدامة، عبر التركيز على الاقتصاد الأخضر، ومصادر الطاقة النظيفة، واعتماد طرق حديثة للزراعة، وغيرها من المشروعات العملاقة في هذا المجال، ساهمت في مجملها فى تحقيق سبق كبير، لتقود من خلاله محيطها الإقليمي عبر تعميم تجربتها، التي تهدف في الأساس إلى تقليل الانبعاثات الكربونية، إلى جانب، تحقيق النمو الاقتصادى، بينما تقوم في الوقت نفسه بدور الوسيط الموثوق به لتضييق فجوة الخلاف بين الدول حول الالتزامات المناخية، مما ساهم في اختيار مصر لتكون موقعا لقمة المناخ العالمية والمرتقبة في نوفمبر المقبل، في انعكاس للثقة الدولية الكبير في الدور المصري المؤثر إقليميا ودوليا لاحتواء الأزمات الدولية الكبيرة.

ولكن بعيدا عن قضية الثقة الدولية، فيما يتعلق بالدور الذى تقوم به مصر، فإن كلمة جون كيرى من القاهرة، والتي وإن ارتبطت بقضية المناخ، أو القمة المرتقبة في شرم الشيخ، تحمل في طياتها أبعادا أوسع من القضية المناخية، في إطار "عرف" اعتادته الإدارات المتعاقبة في الولايات المتحدة، على إطلاق استراتيجياتها، التي تعكس أولوياتها، من "أرض الكنانة"، في ظل تغييرات عميقة باتت تنتاب البنية الدولية في السنوات الأخيرة، بدءً من الرئيس الأسبق باراك أوباما، والذى أراد مصالحة العالم الإسلامي من القاهرة، بعد سنوات من الغضب، بسبب سياسات سلفه جورج بوش العدائية تجاه المسلمين، والتي امتدت لسنوات في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، ثم جاء بعد ذلك وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو، ممثلا عن إدارة ترامب، ليقدم رؤيته من مصر، حول الحرب على الإرهاب، مقدما اعتذارا ضمنيا عن السياسات الأمريكية خلال ما يسمى بـ"الربيع العربي"، والتي ساهمت بصورة كبيرة في تأجيج الفوضى في دول المنطقة.

وهنا يصبح خطاب جون كيرى، من القاهرة، بمثابة حلقة جديدة من رؤية أمريكية اعتمدتها الإدارات المتعاقبة، تقوم على اعتماد المنصة المصرية لإطلاق رؤيتها، في انعكاس صريح لفاعلية الدور، على أبعاد متعددة، سواء باعتبارها قلب العالم الإسلامي تارة، أو رأس حربة في الحرب على الإرهاب، تارة أخرى، أو كلاعب أساسي فى مجابهة التغيرات المناخية، تارة ثالثة، وهو ما يعكس ليس فقط الثقة الكبيرة في الدور المصري، وإنما أيضا المصداقية التي يضفيها اختيار "أرض الكنانة" على الخطاب الأمريكي، إذا ما وضعنا في الاعتبار العديد من الأمور، على رأسها النجاح الكبير للدبلوماسية المصرية في تنويع التحالفات، في السنوات الأخيرة، لتحتفظ بمسافة متساوية مع كافة القوى الدولية المتنافسة، مما يمنحها قدرا أكبر من الثقة لدى المجتمع الدولى بأسره.

فبالنظر إلى العرف الدولي بصورة أعم، ربما نجد أن ثمة سوابق عدة ساهمت بجلاء في اختيار مناطق لتكون بمثابة "مراكز" الدبلوماسية الدولية، بسبب حيادها، على الأقل نظريا، على غرار جنيف، والتي أصبحت مركزا للمفاوضات بين أطراف النزاع الدولية، على غرار المباحثات الروسية الأمريكية، أو المفاوضات المتعلقة بالملف النووي الإيراني، وغيرها، وهو ما يرجع في جزء منه لسياسة "الحياد" السويسرى، وهو ما يتجلى على سبيل المثال في عدم الانضمام إلى حلف الناتو، مما يمنحها قدرا من الثقة من قبل الأطراف المتنازعة.

ولعل الخطابات الأمريكية المتواترة من القاهرة، تعكس تدرجا مهما في الدور المصري، فعندما جاء إليها أوباما، كان يخاطب العالم الإسلامي، وهو ما يرجع في جزء منه إلى البعدين التاريخى والجغرافى، ناهيك عن وجود الأزهر الشريف على أرضها، إلا أن الأمر كان مختلفا مع خطاب بومبيو، والذى تناول مكافحة الإرهاب، وهو الخطر الذى يمثل تهديدا صريحا لمنطقة الشرق الأوسط، بينما يبقى تأثيره ممتدا، على الأقل جزئيا، إلى مناطق أخرى من العالم، وعلى رأسها الغرب الأوروبى والولايات المتحدة نفسها، في حين يبقى خطاب كيرى للحديث عن خطر يداهم الكوكب بأسره، حيث يبقى التهديد الذى تمثله التغيرات المناخية على نفس القدر من التداعيات على كل دول العالم، دون تمييز بين الدول المتقدمة والنامية أو الشرق والغرب، أو غيرها من التصنيفات التي دأب العالم على وضعها لتكون أساسا لازدواجية المعايير في التعامل مع الأزمات الدولية بمختلف أشكالها.

وهنا يمكننا القول بأن الخطاب الذى ألقاه جون كيرى من القاهرة ليس مجرد حدث عابر، وإنما يمثل، في جوهره، انعكاسا صريحا لأهمية دولية كبيرة باتت تحظى بها مصر دبلوماسيا، وضعتها كـ"مركز" لإرساء دعائم نظام عالمي جديد، يقوم على قواعد "البيئوقراطية"، والتي تتحول على إثرها سياسات احترام البيئة من مجرد "رفاهية" سياسية، إلى ركيزة أساسية لنظام دولي جديد، بينما يبقى دليلا دامغا على نجاح الدولة المصرية، في إطار "الجمهورية الجديدة"، على وضع نفسها فى خانة "صناعة القرار" الدولي، في ضوء علاقاتها والتوسع الكبير في دوائرها الدبلوماسية، لتشمل مناطق واسعة حول العالم، بعيدا عن الإطار المحدود الذى ارتضت به لعقود، ليقتصر دورها على منطقة الشرق الأوسط، في حين تجاهلت مناطق أخرى ذات حيوية كبيرة، ارتبطت بعضها بمصالحها المباشرة، على غرار محيطيها الإفريقي والأوروبي.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة