جمال عبد الناصر

حارس ذاكرة المسرح المصري

السبت، 29 يناير 2022 03:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء


لم أر إخلاصًا وتفانيًا وحبًا للمسرح مثلما رأيته في الدكتور والمخرج والمؤرخ الكبير عمرو دوارة نجل الناقد الكبير الراحل فؤاد دوارة، فحقًا هذا الشبل من ذاك الأسد، فقد خصص دوارة 25 سنة من عمره لتقديم مشروع عظيم لأكبر موسوعة مصرية مسرحية تجمع كل شيء عن المسرح المصري وعروضه الاحترافية التي تم إنتاجها منذ عام 1870 حتى اللحظة الراهنة التي نعيشها، فتتضمن هذه الموسوعة ما يزيد على 7 آلاف عرض مسرحي.

هذا المشروع والمنجز الثقافي الضخم الذي أفني خلاله الدكتور عمرو دوارة جزءًا من عمره في جمع تراثنا المسرحي المتناثر وحفظه من الضياع يوجب علينا تكريمه بأرفع وأرقى الأوسمة والنياشين ومنحه الجوائز، ولو أي باحث فعل ذلك في دولة أخرى لنال أموالاً ضخمة جدًا علي هذا الجهد الموسوعي الذي نفتقده بمكتبتنا العربية لجميع أشكال الموسوعات المسرحية ، والتي بدأ العالم في التعرف عليها بمفهومها العلمي منذ القرن السابع عشر كما ذكر الدكتور عمرو دوارة في مقدمة موسوعته، ومن أشهرها تلك الببلوجرافيا التي وضعها الإسباني "نيكولاس أنطونيو" والذي يعد أول من وضع ببلوجرافيا، وخلال القرنين التاسع عشر والعشرين، خاصة في إنجلترا ظهرت أكثر من موسوعة منها ببلوجرافيا المسرح الإنجليزي التي وضعها "جيمس آرنوت" عام 1888، وببلوجرافيا للمسرح الإنجليزي التي وضعها النجم المخضرم "كيفين سبايسي" والذي يعد من أبرع  مديري المسرح الشهير "الأولد أفيك"، وكذلك الببلوجرافيا الخاصة بالمسرح الوطني الأمريكي التي وضعتها "روزموند جيلدر" عام 1932، وهي التجربة التي توجت بعد ذلك بصدور الببلوجرافيا المصورة للمسرح الأمريكي التي وضعها "روبرت سيلفستر" عام 1993، وذلك بخلاف بعض المراجع الحديثة كببلوجرافيا المسرح الراقص بشيكاغو التي وضعتها "ماري استيل عام 2001، ومن المراجع العالمية المهمة أيضًا ببلوجرافيا المسرح المكسيكي (خلال الفترة 1940:1845) والتي وضعها "جون كفانجي" عام 1940، وببلوجرافيا المسرح الهولندي التي وضعها "جاكسون كيسلر" عام 1979 والتي ربط فيها بين العناصر الثلاث النصوص والعروض والجمهور، وسار على نفس النهج تقريبا الإنجليزي "جون هارود" الذي قدم ببلوجرافيا ضخمة عام 1982 للمسرح بستة دول لاتينية (هي البرازيل والأرجنتين وكوبا وأورجواي وبولفيا والأكوادور)، ومن أحدث الإضافات في هذا المجال أيضا ماقدمه "جونسون جورس" عام 2007 بشأن مسرح "سيدني" الأسترالي، وأيضا المشروع الكندي التاريخي للببلوجرافيا المسرحية والذي بدأ عام 1993 وبدأ استكماله وتطويره عام 2009 من قبل رابطة المسرح الفرانكفوني، وذلك بخلاف ببلوجرافيا المسرح التشيكي وببلوجرافيا مسرح جنوب أفريقيا.

كل العالم يوثق لفنونه ولمسرحه ولتاريخه ونحن هنا للأسف أحيانًا يضيع منا تراثنا بأيدينا ، فكم من مسرحية سجلها التليفزيون المصري وضاعت أو تلفت او قام موظف جاهل بتسجيل مباراة كرة قدم أو برنامج للطهي علي هذا التراث ، وكم من مسرحية ينتجها ويعرضها مسرح الدولة ولا تصور ولا توثق ، وللعلم العمل الفني أيا كان مسرحية أو مسلسل أو فيلم بعد مرور 100 عام عليه يعد اثر مثله من الآثار التي تركها لنا أجدادنا الفراعنة كالأهرامات والمومياوات ، لأن الفيلم أو المسرحية أو المسلسل تستطيع من خلالها معرفة سلوكيات الناس وطريقة كلامهم وشكل الملابس في تلك الفترة وثقافة الشعب ككل في تلك الفترة وكل تفصيلة قد لا تبدو في وقتها مهمة لكنها ستكون شاهدا وأثرًا مهما فيما بعد ، ولذلك فالتوثيق الذي يقدمه الدكتور عمرو دوارة يجعله بالفعل " جبرتي المسرح العربي " كما وصفه بعض المسرحيين العرب ، ولكن اللقب المحبب لديه ولدينا هو " حارس ذاكرة المسرح المصري " وهو عن جدارة يستحق هذا اللقب بما قدمه من منجز عظيم سيكون منهلا لكل باحث او مهتم بالمسرح المصري وتاريخه ، كما أن تلك الموسوعة هي خير شاهد وبينة علي احقية مصر بالريادة المسرحية التي حاول البعض في فترة التشكيك فيها ، ولكن الدكتور عمرو دوارة فهو الوحيد الذي قدم دراسات وكتب عديدة في المسرح وهو الوحيد الذي نبه أن مصر تمتلك 150 سنة من المسرح كما قدم مبادرة بضرورة الاحتفال ب 150 سنة مسرح واستجابت الدولة لطلبه، واحتفلت عدة مهرجانات مسرحية بـ 150 سنة مسرح مصري.

وتضم الموسوعة البيانات الخاصة بكل عرض والتي تشتمل على اسم العرض والفرقة المنتجة وتاريخ الإنتاج وأسماء جميع المبدعين المشاركين في تقديمه (المؤلف/ المخرج/ مصمم الديكور/ الملحن أو المؤلف الموسيقي/ مجموعة الممثلين)، وذلك بالإضافة إلى ثلاثة صور فوتوغرافية لكل عرض، وفي حالة تعذر الحصول على صور فوتوغرافية وخاصة خلال فترة البدايات الأولى (قبل عام 1915) فقد تم الاستعانة بأغلفة بعض المسرحيات أو الأفيشات الخاصة ببعض العروض ملصقات الدعاية) أو الاستعانة بالصور الشخصية للنجوم الأربعة المشاركين في بطولة العرض، كما تم أحيانا بعد ذلك – وفي أضيق الحدود - الاستعانة ببعض الصور السينمائية التي سجلت لنا ملامح وأعمال بعض نجوم المسرح الذين افتقدنا صورهم المسرحية.

يحسب لهذه الموسوعة اقتحامها لمناطق مجهولة من حياتنا المسرحية ورصد وتوثيق عروضها لأول مرة ومثال لذلك "مسارح الصالات" في منتصف الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي التي قدمت ما يزيد على ثلاثمائة وخمسين مسرحية، شارك في تقديمها كبار الكتاب (بيرم التونسي، أمين صدقي، بديع خيري، أبو السعود الإبياري)، وقام بإخراجها كبار المخرجين (عزيز عيد وبشارة واكيم وعبد العزيز خليل) كما شارك بالتمثيل فيها نخبة من كبار النجوم وفي مقدمتهم علي الكسار، فاطمة رشدي، بديعة مصابني، فتحية أحمد، رتيبة وأنصاف رشدي، ببا عز الدين، فهمي آمان، عبد الحليم القلعاوي، إسماعيل يس، تحية كاريوكا،

كذلك تضمنت الموسوعة ولأول مرة توثيقًا "للمسرحيات المصورة" أو المعلبة، والمقصود بهذا المصطلح هو مجموعة العروض التي تم انتاجها خصيصا للتصوير التلفزيوني ، واشتملت الموسوعة على عروض بعض الفرق المجهولة التي قام بتأسيسها بعض النجوم وقدمت بعضها عرضا واحدا أو ثلاثة عروض على أكثر تقدير، ومن بينها فرق النجوم: حسن البارودي، حسن فايق، محمد كامل المصري (شرفنطح)، نجمة إبراهيم، نيللي مظلوم، فريد شوقي، بدر الدين جمجوم، كمال الشناوي، حسن يوسف، ليلى طاهر، والجزء السابع عشر (الأخير) من الموسوعة يتضمن مجموعة المكانز والفهارس بحيث يمكن البحث عن المعلومات الخاصة لكل عرض سواء عن طريق اسم الفرقة، أو سنة الإنتاج، أو اسم الفرقة، أوعن طريق اسم كل مبدع (سجل المؤلفين، المخرجين، مهندسي الديكور، الملحنين). 

الدكتور عمرو دوارة في موسوعته العظيمة يؤكد أنها قامت بمبادرة شخصية منه واعتمد بالدرجة الأولى على دراسته الأكاديمية وخبراته العملية في مجالات الفنون المسرحية والهندسة ونظم المعلومات ، ولكنه وجه الشكر والاعتراف بالفضل لبعض المحاولات والمساهمات السابقة لتوثيق تاريخنا الفني والمسرحي، وخص بالذكر جهود كل من الأساتذة: د.محمد يوسف نجم، د.يوسف داغر، سمير عوض، د.نجوى عانوس، و د.سيد علي إسماعيل، وأيضا الاعتراف بمساندة ومساهمة عدد كبير من النقاد والفنانين وفي مقدمتهم الناقد النزيه/ عبد الرازق حسين، والصديقين الفنانين/ عصام عبد الله في جمع وتصنيف البيانات الفنية وأحمد حمدي في استخدام وتوظيف بعض برامج الحاسبات الالكترونية وضبط الصور (برنامج الـ photo- shop).










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة