أكرم القصاص - علا الشافعي

فتوى اليوم.. ما حكم إجراء عملية زراعة الرحم؟

الثلاثاء، 07 سبتمبر 2021 07:10 م
فتوى اليوم.. ما حكم إجراء عملية زراعة الرحم؟ دار الافتاء
كتب لؤى على

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يواصل "اليوم السابع" تقديم خدماته " فتوى اليوم"، حيث ورد سؤال لدار الإفتاء نصه.. ما حكم إجراء عملية زراعة الرحم؟، وجاء رد الدار كالآتى: 
 
خلق الله تعالى الإنسان وكرَّمه وفضّله على سائر المخلوقات، وارتضاه وحده لأن يكون خليفة في الأرض؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]؛ ولذلك حرص الإسلام كل الحرص على حياة الإنسان والمحافظة عليها وعدم الإضرار بها جزئيًّا أو كليًّا؛ فأمرت الشريعة الإسلامية الإنسان باتخاذ كل الوسائل التي تحافظ على ذاته وحياته وصحته وتمنع عنه الأذى والضرر، فأمرته بالبعد عن المحرمات والمفسدات والمهلكات، ورغبته عند المرض في اتخاذ كل سبل العلاج والشفاء، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].
 
وعن أسامةَ بنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قال: جاء أَعرابِيٌّ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسولَ اللهِ، أَنَتَداوى؟ قال: «تَداوَوْا؛ فإنّ اللهَ لم يُنـزِل داءً إلَّا أَنزَلَ له شِفاءً؛ عَلِمَهُ مَن عَلِمَهُ، وجَهِلَهُ مَن جَهِلَهُ» رواه أحمد.
 
ومن الوسائل الطبية التي ثبت جدواها في العلاج والدواء والشفاء بإذن الله تعالى للمحافظة على النفس والذات: نقلُ وزرع بعض الأعضاء البشرية من الإنسان للإنسان، ومن هذه الأعضاءِ: الأعضاءُ التناسلية، ومنها الرحم، وعملية زرع الرحم جائزةٌ بشروط:
 
1. أن لا يتم النقل عن طريق مقابل ماديٍّ أو معنويٍّ؛ إذ لا يجوز بيع أعضاء الإنسان حيًّا ولا ميتًا.
 
2. أن يثبت علميًّا أن الرحم بمجرده لا يحمل الصفات الوراثية للمرأة المتبرعة، فإن ثبت العكس كان نقله حرامًا؛ وصار من جنس نقل الأعضاء التناسلية الناقلة للصفات الوراثية؛ كالخصية والمبيض.
 
3. أن يكون المنقول منها العضو قد ثبت طبيًّا يَأْسُها من الحمل أو عدمُ قدرتها على الإنجاب بأي صورة من الصور، أو كانت قد استؤصل رحمُها لعلة مَرَضية وأمكن مع ذلك زرعه في المرأة المنقول إليها، أو كانت قد تحقق موتها موتًا شرعيًّا وذلك بالمفارقة التامة للحياة، أي موتًا كليًّا، وهو الذي تتوقف جميع أجهزة الجسم فيه عن العمل توقفًا تامًّا تستحيل معه العودة للحياة مرة أخرى بشهادة أهل الخبرة الموثوقين الذين يخول إليهم التعرف على حدوث الموت بحيث يسمح بدفنها.
 
أما نقل الرحم من امرأةٍ حيةٍ لم تيأس مِن حملها، ولم يُستَأصَل رحمُها لِعِلَّةٍ مَرَضِيَّةٍ، فمحرمٌ شرعًا؛ لِمَا فيه من إضرار المتبرعة بنفسها بإزالة المنفعة التي لا بديل عنها بإزالة العضو المذكور، واستجلاب الضرر الممنوع، وقد روى الإمام أحمد في "المسند"، وابن ماجه في "السنن" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، والمرأة المتبرعة وإن كانت بفعلها هذا ترفع ضررًا عن غيرها، إلا أن الضرر لا يُزَالُ بالضرر؛ كما هو مقررٌ في أصول الشريعة.
 
وقد نقل الإمام الصنعاني في "سبل السلام" (2/ 160، ط. دار الحديث) اتفاقَ العلماء على حرمة الجب والخصاء، واستئصالُ الرحم في معنى الجب والخصاء؛ فيلحق بهما في الحكم.
 
4. وفي حالة النقل من المرأة المتوفاة يشترط أن تكون قد أوصت بهذا النقل في حياتها وهي بكامل قواها العقلية وبدون إكراهٍ ماديٍّ أو معنويٍّ، عالمةً بأنها توصي بعضوٍ معينٍ من جسدها إلى امرأةٍ أخرى بعد مماتها، وبحيث لا يؤدي النقل إلى امتهان كرامتها، بمعنى أن لا تتضمن الوصية نقل كثير من الأعضاء بحيث يصير جسدها خاويًا؛ لأن هذا ينافي التكريم الوارد في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70].
 
5. أن تكون حالة المنقول إليها لا علاج لها طبيًّا إلا عن طريق زرع رحمٍ من امرأةٍ أخرى، ويكون محققًا للمنقول إليها مصلحة الإنجاب في الظن الغالب.
 
6. اتباع الإجراءات القانونية والمهنية المرعية في مثل هذه الحالات.
 
وبجواز نقل الرحم بضوابطه وشروطه صدر قرار المجمع الفقهي الإسلامي الدولي رقم (57) (6/ 8) بشأن زراعة الأعضاء التناسلية، في مجلسه المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان 1410هـ، الموافق 14-20 آذار (مارس) 1990م، بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع.. بالتعاون بينه وبين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية -كما في "مجلة المجمع" (عدد: 6، جزء: 3، ص: 1975)-، ونصه:
 
[أولًا: زرع الغدد التناسلية: بما أن الخصية والمبيض يستمران في حمل وإفراز الصفات الوراثية (الشفرة الوراثية) للمنقول منه حتى بعد زرعهما في متلقٍّ جديد، فإن زرعهما محرمٌ شرعًا.
 
ثانيًا: زرع أعضاء الجهاز التناسلي: زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التي لا تنقل الصفات الوراثية –ما عدا العورات المغلظة– جائزٌ لضرورةٍ مشروعةٍ ووفق الضوابط والمعايير الشرعية المبينة في القرار رقم (26) (1/ 4) لهذا المجمع] اهـ.
 
ومما جاء في قرار (26) (1/ 4) المذكور:
 
[تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلةٍ مرضيةٍ لشخصٍ آخر؛ كأخذ قرنية العين لإنسانٍ ما عند استئصال العين لعلةٍ مرضية.
 
يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها كنقل قرنية العينين كلتيهما، أما إن كان النقل يعطل جزءًا من وظيفةٍ أساسيةٍ فهو محل بحثٍ ونظر] اهـ.
 
ومما سبق يتبين الفرق بين نقل المبيض والخصية ونقل الرحم؛ حيث إن الرحم لا يعدو أن يكون وعاءً ينمو فيه الجنين، وجواز نقله مبني على كونه غير ناقل للصفات الوراثية، ولو ثبت كونه ناقلًا للصفات الوراثية لم يجز نقله، بخلاف المبيض والخصية؛ فإنهما ناقلان للصفات الوراثية قطعًا، وهذا يؤدي إلى اختلاط الأنساب.
 
وبناءً على ذلك: فيجوز إجراء عملية زرع الرحم بالشروط والضوابط السابقة، وأن يثبت علميًّا أن الرحم بمجرده لا يحمل الصفات الوراثية للمرأة المتبرعة، فإن ثبت العكس أو تخلف شرطٌ من هذه الشروط فلا يجوز نقل الرحم شرعًا.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة