ناهد صلاح

لص بغداد هز ذيل الكلب!!

الخميس، 23 سبتمبر 2021 12:40 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

إنها الحرب، تاريخ السجال غير المنقطع بين الحياة والموت، هذا السجال استثمرته هوليوود باستطراد عجائبي في أفلام تتنافس مع الواقع، بل تصنعه دون احتساب خسارة البشر والحجر. كانت هذه واحدة من نتائج استخلصتها في دراستي لأفلام الحرب في السينما العالمية، وكانت أيضًا واحدة من أساليب هوليوود في التعامل مع حرب العراق.

هوليوود بهذا التوجه أشبه بـ"لص بغداد"، ليس بالمعنى المباشر للقصة الشهيرة ضمن "ألف ليلة وليلة" وأحداثها الغرائبية الحافلة بالسحر والمغامرات، بما يفوق الخيال، وإنما بمعنى مباشر أخر وهو سرقة بلد، يعني اللص الذي سرق بغداد، وجعلنا جميعًا نعيش أجواء غريبة وفزعة، تعيد الجدل حول صورة العربي في السينما الأمريكية.

على طريقة الفيلم الأمريكي "هز ذيل الكلب/Wag the dog) "1997) إخراج باري ليفينسون، بدأت الحرب في العراق، يباشر الفيلم بالسؤال: "لماذا يهز الكلب ذيله؟"، وتأتي الإجابة: “لأن الكلب أذكى من ذيله، لو كان الذيل أذكى لكان هو الذي هز الكلب”، المغزى من هذه الإجابة البديهية هو أنه يمكن افتعال أمر ما وقضية زائفة تشغل الرأي العام للتغطية على شيء أكبر، وهو أيضًا ما أخبرتنا به رواية "البطل الأمريكي" التي صدرت في العام 1993 للكاتب والصحفي لاري بينهارت، حين تكهنت بأن دوافع عملية عاصفة الصحراء وحرب الخليج الثانية عام 1991 كانت مجرد ذرائع باطلة لإلهاء الأمريكيين عن الركود الاقتصادي، كذلك لإعادة انتخاب الرئيس جورج بوش الأب، حيث تفترض نظرية "هز ذيل الكلب" أن القادة السياسيين يخترعون حروبًا في الخارج لتحويل أنظار شعوبهم عن مشكلة داخلية ما.

يحكي الفيلم الذي قام ببطولته داستن هوفمان وروبرت دي نيرو، قصة رئيس أمريكي مقبل على مرحلة انتخابية، تتدنّى شعبيته بشكل كبير؛ فيستعين مستشاروه بمنتج مشهور ليصنع حربًا تلفزيونية، حتى يخرج الرئيس من ورطته، فيصوغ تقريرًا بحبكة هوليوودية مُحكمة، تبثه نشرات الأخبار: أغنية حماسية على خلفية مشهد لفتاة ألبانيّة تحاول النجاة من الإرهابيين، وهي تحمل قطة، طبعًا الفتاة ممثلة أمريكية مغمورة، والتقنيات هي التي جعلتها تبدو كأنها تركض بين النيران في ألبانيا، بينما هي في استوديو، وقصة أخرى لجندي أمريكي عالق خلف خطوط العدو، يصمّم الرئيس على استعادته، وهنا يستعينون بمجرم سجين، ليكون هو الجندي المنشود، إلا أنَّ هذا المجرم يُقتل في طريق العودة، أثناء محاولته اغتصاب ابنة أحد الأشخاص، يتابع المنتج فيلمه بأنَّ الجندي البطل استشهد، ويعيدونه ملفوفًا بالعلم الأمريكي، وتقام له جنازة الأبطال، فترتفع شعبية الرئيس إلى89 %.

ألا تذكرنا قصة الفيلم بما حدث مع العراق؛ الكذب والزيف والافتراء والأطماع كانوا حجة الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003، ذريعة الحرب التي روجت إدارة جورج بوش الابن أنها تشنها للتخلص من أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها العراق، مبرر سهّل عملية الغزو أمام كثير من دول العالم التي خشيت امتلاك صدام حسين لسلاح خطير ومدمر. كانت هوليود التي تهيأت دائمًا لصناعة أفلام تواكب الحروب، أدخلت تصنيفًا جديدًا في قاموسها وهو أفلام "حرب العراق"، فمنذ بداية الحرب الأمريكية على العراق وعيون هوليوود على هذا المسرح الجديد للحرب، ناقشت أثر الحرب في جنودها وعلى المجتمع الأمريكي بشكل عام وتتبع الأثر الجسدي أو النفسي البالغ الذي خلفته الحرب على الجنود.

نفس الموقف تقريبًا اتبعته في السابق مع الحرب الفيتنامية، وإن كانت في هذه المرة لم تنتظر انتهاء الحرب لتتحدث عنها، لكن الحرب نفسها متلفزة شاهدها الجميع على الشاشات الصغيرة وصور فيتنام القديمة مازالت حية في ذاكرة الأمريكيين، وبالتالي لا يمكن التمهل أكثر من ذلك لفضح حرب العراق التي لا ظهير شعبي لها في أمريكا، ربما يتفق الناقد إبراهيم العريس مع هذا التفسير في مقاله "في وادي إيلاه لبول هاجيس: حرب العراق من بعيد"، ويزيد عليه قائلًا :"علمًا أن حرب العراق ليست شعبية لا في أمريكا ولا في العالم، خصوصًا بعدما استنفدت غرضها الأول: إطاحة صدام حسين والتخلص منه، وانكشفت كذبة الغرض الثاني: تدمير أسلحة الدمار الشامل. أما ثالثَا فهناك واقع أن جورج دبليو بوش نفسه ليس رئيسًا محبوبًا في هوليوود".

لكن هذا ليس وحده موقف هوليوود "آلة السينما الجبارة" تجاه الحروب الظالمة ضد الشعوب؛ أكثر من مئتي فيلم أنتجتها منذ العام 2003، فقبلها كانت هوليوود تلعب دورًا سياسيًا تعبويًا مباشرًا في التحريض على الحرب، رأينا ذلك في أفلام تناولت حرب الخليج الأولى مثل "أكاذيب حقيقية" (1994) من إخراج جيمس كاميرون وبطولة أرنولد شوارزنيجر، والذي يعمل على نفس النمطية القديمة ويزاول نفس الكليشيه الهوليوودي التقليدي في تحديد الموضوع ورسم الشخصيات، مقدمًا صورة مشوهة للعرب على اعتبار أنهم الأشرار المرعبون يسكنون في بلاد الرافدين وهناك فزع عالمي من إنتشار شرورهم خارج حدود بلادهم، حكاية سخيفة وسطحية غير مدركة لعمق المأساة والكارثة الإنسانية التي وقعت في أرض العراق، واهتمامها ينصب فقط على قوة الذراع الأمريكي الباطش. يقتدي فيلم "الملوك الثلاثة" (1999) إخراج دافيد راسل، نهجًا نمطيًا شبيهًا لا يخفي غطرسة القوة الأمريكية.

حرب العراق في عام 2003 ركزت إلى حد كبير على معاناة الجنود الأمريكيين، مثلًا في فيلم وادي إيلاه" (2007) من إخراج بول هاجيس، رصد للآثار التي خلفتها الحرب في العراق على جيل الشباب الأمريكي، والتغييرات التي دمرت شخصية المحارب النفسية والأخلاقية وحولته إلى وحش، بينما ركز فيلم "خزانة الألم" (2008) إخراج كاثرين بيجلو، على تفاصيل العمليات الحربية التي تقوم بها فرقة مكافحة القنابل الموقوتة والمتفجرات، وقدم الجندي الأمريكي مثاليًا يؤدي عمله بإخلاص وتفاني، والمقاوم العراقي إرهابي يزرع القنابل في كل مكان حتى في داخل أحشاء طفل بريء، بينما فيلم "جسم الأكاذيب" (2008) إخراج ريدلي سكوت، قام بتصوير الدور الذي لعبته المخابرات الأمريكية في فترة ما بعد غزو العراق، وتعاونها مع جهات مخابراتية عربية للإيقاع بشخصيات مهمة تحرك الجماعات المسلحة داخل العراق، ولذا انتقلت الأحداث إلى خارجه أيضاً في الأردن وبعض دول الخليج.

تتوالى الأفلام عن الحرب العراقية، فيطالعنا "المنطقة الخضراء" (2009) إخراج بول جرين جراس، معتمدًا على كتاب "الحياة الإمبراطورية في المدينة الزمردية" للمؤلف راجيف جاندراسيكاران، يرتكز بنائه على معلومات حصل عليها المؤلف وكانت حجته في انتقاد اتخاذ قرار الحرب على العراق، القرار الذي جاء بناء على معلومات استخباراتية غير مؤكدة،  ثبت عدم جديتها لاحقاً عن وجود أسلحة دمار شامل في العراق،. أما جرانت هاسلوف في فيلمه "رجال يحدقون في الماعز" (2009)، فقد أخذ عن كتاب "جون رونسون" ولكنه صنع فيلمًا شديد الغرابة ، من خلال موضوعه الساخر الذي يتناول استخدام مجموعة من العسكريين الأمريكيين سلاح السحر والقوي الخارقة.

ثم قدم المخرج دوج ليمان فيلمه اللعبة العادلة" (2010)، ليفضح أكذوبة أسلحة الدمار الشامل،  ليعود في العام 2017 بفيلمه "الجدار" المشحون بالافتعال والأكشن، وزاد "قناص أمريكي" (2014) من إخراج كلينت ستوود، هذا الافتعال، كفيلم يقدم لنا كيف صنعت الحرب وحشًا آخر هو كريس كايل القناص الأمريكي الذي ارتكب أول جريمة قتل في العام 2003 بتردد كبير وكانت ضحيته امرأة بقرية الناصرية في العراق، بعدها توالت جرائم قتله وحقق فيها رقم قياسي بقنص 225 عراقياً، لكن الفيلم لا يقدمها على أنها جرائم، بل يتفاخر بقوة هذا السفاح ويستعرضها على الشاشة في انتشاء كما لو كان القتل في العراق عملية ممتعة، شيء مقزز في توجهه غير الإنساني أو كما وصفه الناقد والمخرج الأمريكي مايكل مور:" الفيلم يمجد العنف العشوائي ويعلي من قيمة قضية خاسرة ومتهورة فى العراق".

هل هناك شر أكثر من هذه الفكرة البغيضة التي تحرض على القتل وتقدمه مغلفًا في صورة قناص نصب من نفسه حاميًا كما تفعل بلاده بالضبط مع العالم كله؟ .. لم تتوقف الحروب ولم تنته مسيرة الأفلام التي تعني بها، كانت هذه مجرد أمثلة لعلها كانت كافية لتوضيح الصورة والمعنى، عن واقع لم يكن كله أسطوريًا أو متريثًا أو حياديًا في السينما.. على أية حال فإن الأفلام تستمر ما بين الاستعراض والانتقاد، يجمعها توارد واحد وهو وجود حرب دائمًا وصراع يشكل طبيعة الإيقاع في هذا العالم ويحدد مصير البشر فيه.







مشاركة



الموضوعات المتعلقة

أنشودة الجندي.. "سأعود يا أمي"

السبت، 18 سبتمبر 2021 03:00 م

لمن تقرع أجراس الحب في أفلام الحرب؟

الثلاثاء، 07 سبتمبر 2021 10:00 ص

الست سوسن بدر ومسرح المرأة

الأربعاء، 01 سبتمبر 2021 12:00 ص

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة