بلال رمضان

نيكولاس كيج فى فيلم Pig ملحمة شعرية عن الاكتئاب

السبت، 24 يوليو 2021 01:49 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يختلف أحد على أن نيكولاس كيج نجم من الصعب جدا توقعه، فحينما طرح إعلان فيلم Pig اعتقد البعض أنه يساير سلسلة أفلام John Wick بعدما ظهر فى المقطع الإعلانى عملية اختطاف الخنزير الذى يساعده فى اصطياد الكمأة، ورغم ذلك انتظر الكثيرون طرح الفيلم، وخابت ظنونهم بما لم يتوقعه أحد، ووجدنا أنفسنا أمام ملحمة شعرية مدتها 90 دقيقة.
 
الكمأة لمن لا يعرف تنمو عند جذور أنواع معينة من الأشجار حول العالم، تكمن أهميتها فى احتوائها على عناصر غذائية هامة، فبعض الدراسات الأولية عنها توصلت لنتائج وأدلة مبشرة فى قدرتها على محاربة السرطان ومنع مسببته، ناهيك عن فوائدها الأخرى مثل تخفيف الالتهابات وتعزيز وظائف جهاز المناعة، ومحاربة الاكتئاب، وتأخير الشيخوخة، وكونها بديل للحوم للأشخاص النباتيين.
 
ولأن عملية إيجاد الكمأة ليس سهلا، ويستخدم فيها نوع معين من الكلاب القادرة على تتبع رائحتها ومعرفة أماكن نموها، فإن سعر الكيلوجرام قد يبلغ مئات إن لم يكن آلاف الدولارات، لعدة أسباب منها طريق إيجادها وأيضا عمرها الصغير فموسم الكمأة يتراوح بين 2 إلى 4 أشهر، والأهم من ذلك أنها تفسد فى فترة قصيرة بعد قطافها.
 
هذا الإيضاح لم يكن بالإمكان الاستغناء عنه أثناء الحديث عن فيلم Pig وشخصية نيكولاس كيج التى يتعرف عليها المشاهد رويدا رويدا منذ اختطاف "الخنزيرة" التى كانت تعيش معه فى إحدى الغابات، فيجبره اختطافها على العودة للبحث عنها، بدلا من إيجاد أخرى تساعده فى مواصلة عمله.
 
من هنا كانت أغلب التوقعات بأن ما بعد هذا المشهد سيتحول مجرى الأحداث لعالم ملىء بالإثارة والأكشن والانتقام حتى لحظة إيجاد "الخنزيرة"، لكن ما حدث لم يكن فى الحسبان إطلاقا، لأن اختطاف "الخنزيرة" ما هو إلا عامل مساعد لاختراق حواجز نفسية تسببت فى تحول الشيف الشهير "روبن فيلد" إلى هذه الحالة الميؤوس منها، التى دفعته إلى حياة العزلة فى البرية، حتى يتضح لنا أن الشيف صائد الكمأة، المعالجة للاكتئاب، هو نفسه مريض اكتئاب.
 
مع سير الأحداث يتضح للمشاهد إلى أى مدى يمكن للخسارة الشخصية، خسارة الإنسان لمن يحب، أن تفقده نفسه بهذه الدرجة البشعة، التى تجعله يحبس ألمه بداخله ويكتفى بنفسه متنازلا عن البوح ومواصلة الحياة والتأقلم مع الخسارة، هذه المشاعر المعنوية غير الملموسة، تحولت إلى مشاهد فرضت نفسها على روح المدينة بداية من لحظة وصول "روب" إليها، وبالتأكيد أثرت على روح المشاهد أيضا.
 
من بين المشاهد التى تكمن فيها عبقرية الفيلم، وتعد مفتاحا للغز كبير، ربما تسبب فى حالة من الملل للمشاهد، تلك اللحظة التى ذهب فيها "روب" بعد وصوله إلى المدينة، إلى مكان لا يعرفه غيره، ذلك المكان الذى تم تجسيده بشرخ كبير فى إحدى الحوائط ويؤدى لعالم سفلي، تلك الرمزية التى تلخصت فى المشهد التالى وهو يتلقى لكمات بعنف ودون ردها على من يوجهها إليه وبكامل إرادته، وصولا إلى مشاهد أخرى معينة، مثل اعترافه بإمكانية إيجاد الكمأة دون الحاجة إلى الخنزيرة، وشعوره بألم فقدانها بعد معرفته بوفاتها، وسقوطه أرضا وبكائه كمن يبكى فقدان ابنه أو والديه، حتى لحظة اعترافه بحبها.
هذا الفيلم برأيى ليس موجها لمن يبحث عن وقت للتسلية، فهو ملحمة شعرية تستكشف تلك الطرق التى تتشابك بها لحظات الحب والشوق والفقد والألم والخسارة والذاكرة، فتجعلك تفتح أبوابا سرية فى داخلك غالبا ستكون المؤلمة، ولهذا سنعى جيدا قدرة "روب" على تذكر كل وجبة قدمها لزبائنه، وسر البكاء على مائدة الطعام.
 
 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة