ناهد صلاح

هل تحتاج السينما إلى كتاب؟

الأحد، 30 مايو 2021 06:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بينما كنت أقرأ مؤخراً كتابي " الجنس والوعي.. دراسة في دلالات الجنس بالسينما"، "الواقعية الجديدة وما بعدها في السينما الإيطالية.. قراءة في الدلالات المتحولة" للناقد العراقي د. فراس عبد الجليل الشاروط، واستغراقي في طرحهما النقدي العميق، واسع الأفق، إذ كشفا عن جهد ومثابرة كبيرة في الرصد والتحليل، استدعى لدي بعض الأسئلة: هل مازال هناك ضرورة في إصدار الكتب السينمائية؟ أو بطريقة أخرى: هل يمكن أن يكون الكتاب السينمائي في هذا الزمن، وسيلة حية لتطوير حضور السينما في المشهدين الثقافي والاجتماعي؟..

 

 ربما تبدو أسئلتي غريبة، خصوصاً وأنا واحدة من المؤلفين الذين يمتلكون أحلام وشغف بالكتب، وأعتبر أن الكتب السينمائية على تنوعها وتباينها هي جسور للسينما، لذا قد يستنكر البعض أسئلتي وربما يصفها بالوحشية وغير المنطقية، وسيكون لديهم الحق إن لم يتخذوها إشارة ليس فقط على حال ومآل السينما أو الذوق السينمائي والثقافي السائد في عصر الكومبيوتر والإنترنت، والقصف الإعلامي المكثف الذي نعيشه من تسعينيات القرن الماضي تقريباً، مستهدفاً تطبيع العقول لتقبل مفاهيم الكونية والعولمة، وهي المفاهيم التي تحدث عنها من قبل عالم الاتصالات الكندي مارشال ماكلوهان وصاغها في عبارته الشهيرة "العالم أصبح قرية كونية صغيرة"، مشيراً إلى نبوءة انتصار الشكل على المضمون عبر دراسته الهامة "الوسائل هي الرسائل".

أسئلتي، إذن، طبيعية في ظل التأثير الكبير للصورة والذي يلتهم كل شيء، ومن خلاله يستسلم الجميع بطواعية للواقع الجديد، وفي تقديري أنها لازمة من أجل قراءة في تاريخ السينما وأنساقها وميولها، ملامحها وسماتها الخاصة، طقوسها وإشاراتها، من أجل فهم أفضل لإرهاصات وجذور أي ظاهرة قديمة أو جديدة، وتفاعلها مع مجمل العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية المحيطة.

 

 من هذه النقطة، فإن الكتابين المذكورين إضافة ثقافية وفنية نوعية، تلعب دوراً في زيادة المعرفة، وتساهم في تفعيل العلاقة المفترضة بين السينما ودارسيها وكذلك جمهورها، إنهما أداة معرفية ونقدية مشرعة على الأسئلة والتجارب العربية والغربية، هذا ما قدمه بعمق لا يخلو من سلاسة د. فراس الشاروط، كناقد دارس الإخراج والنقد السينمائي بكلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد، وحاصل على الدكتوراه في النقد السينمائي، وككاتب في عدد من الصحف والمجلات، لديه العديد من العناوين اللافتة في الكتب والدراسات السينمائية، هذا غير أفلام قصيرة؛ وثائقية وروائية قام بإخراجها: "يطير الحمام… يحط الحمام" (1996)، "روما ترانزيت" (2010)، "نيجاتيف" (2014).

 

 

 في كتابه (الجنس والوعي.. دراسة في دلالات الجنس بالسينما)، الصادر عن دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع- العراق، طبعته الأولى في العام 2011، وطبعته الثانية في العام الحالي 2021، يطرح في نحو 400 صفحة مجموعة من الإشارات التنويرية الخاصة بالجنس في السينما، فيرى أنه كان دافعاً قوياً للارتقاء بالشأن الفيلمي الواقعي خصوصاً في السينما الأمريكية، وبالأخص على يد مخرجين من أمثال "سيسل دي ميل"، ويرى كذلك أن السينما العربية كان يشوبها الحذر في معالجة هذا الموضوع، فيقول الشاروط في مقدمة الطبعة الثانية: "فلم تستطع السينما في المنطقة العربية في سنواتها الأولى أن تغازل السينما العالمية وتعالج موضوع الجنس صراحة، لذلك بقيت في معالجتها مع هذا الموضوع في منطقة الحذر دون الولوج لماهية العلاقة النفسية/ الاجتماعية/ السياسية/ الاحتفالية، لذلك بقي التناول في حدود الرومانسية/ الرمزية".

 

يقسم الشاروط موضوع كتابه إلى فصلين رئيسيين، أحدهما يعتمد على الجانب النظري وفيه يتقصى الأصول والجذور من خلال عناوين كبيرة:"الوعي الأيروتيكي في السينما"، "اللغة الأيروتيكة في السينما"، "السينما الأيروتيكية بين الوعي والأداء"، أما الفصل الثاني فهو تطبيقي، يقدم من خلاله قراءة فيلمية لبعض النماذج، مثل: "كازانوفا"،"عصفور السطح/ الحلفايون"، "التانجو الأخير في باريس"، "عيون مغلقة على اتساعها"، يقوم بتحليل هذه النماذج حسب اتجاهاتها، ما بين الاتجاه الذاتي الغريزي، والاتجاه الاجتماعي السياسي، إلى الاتجاه النفسي الفلسفي.

 

 

 عبر طرحه الأكاديمي الذي يرتكز على التحليل والمعلومة، يأخذنا المؤلف في رحلة تأملية إلى عوالم وأفكار متعددة، متباينة في بنيتها الدرامية وفي صورتها، وهي أيضاَ موازية لواقعها الخارجي، وخلال هذه الرحلة نتعرف معه على استخدام السينما للموضوع الصريح والموضوع الرمزي، ونصل معه إلى مفترقي طرق، ما بين أفلام انتهجت الوعي وبدا ذلك واضحاً في بنائها الدرامي والجمالي، وأفلام أخرى تعاملت مع الأمر بأسلوب تجاري بحت، كنسق شكلي مبتذل، وربط الاتجاهين المتناقضين بزمنهما وواقعهما.

 

 الزمن بمعناه الاجتماعي أي كمجمل القيم والأفكار والسلوكيات في الواقع وتأثيرها في العملية الإبداعية، وبالتالي في السينما كجزء من هذه العملية، هو أساس الكتاب الثاني "الواقعية الجديدة وما بعدها في السينما الإيطالية.. قراءة في الدلالات المتحولة"، الصادر أيضاً عن دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع- العراق، الطبعة الأولى 2014، حيث يقدم في 130 صفحة، السينما الإيطالية على مدار تاريخها وكيف كانت تتماثل مع واقعها، في البداية واقع بائس في ظل الاحتلال، ثم حراك إبداعي، ثم واقعية يعلنها فيلم "روما مدينة مفتوحة" (1945) إخراج روبرتو روسيليني، تاريخ طويل يرصد المؤلف تحولاته ويبرز الواقعية الجديدة وما بعدها بشكل تشويقي، ولعل هذا ما عبر عنه بقوله:"لقد فرضت الواقعية الجديدة نفسها كظاهرة جديدة نكتشف عبرها إيطاليا من خلال ذاتها، وتعطي دوراً لتلك الشريحة من الشعب التي غابت طوال عمر السينما الظهور الأول على الشاشة، فنزلت السينما إلى الشارع والحقول والمزارع والمصانع، نزلت للعامل والفلاح وماسح الأحذية، ليكونوا هؤلاء الناس المجهولون أبطالاً للأحداث"، ويقول أيضاً:" لقد عمل مخرجو الواقعية الجديدة من خلال البيانات، بينما يعمل مخرجو ما بعد الواقعية الجديدة من خلال لغة الأسئلة، وتكرار أسئلة فشل التاريخ في تقديم أجوبة عن حالة الواقع".

 

  هذا التحليل والبحث الدؤوب يقدمه الشاروط عبر أربعة فصول في كتابه الذي يحكي عن إيطاليا التكوين والثقافة والسينما، تحولات الدلالة الواقعية الجديدة وما بعدها، قراءة في ثلاثية التاريخ الإيطالي من خلال أفلام: الفهد، القرن العشرون، الأفضل شباباً، وأخيراً ساتريكون: قراءة مختلفة للتاريخ.

 

 من هنا نخلص إلى إجابة عن أسئلتي في البداية، وهي نعم، هناك ضرورة لإصدار الكتب السينمائية، لأن هذه الكتب كما هذين الكتابين ترفع من معايير المشاهدة السينمائية لدى الجمهور، كما أنها تعد إضافة مهمة للمكتبة السينمائية التي تحتاج المزيد، والتي استندت ولازالت على كتب الأولين والرواد.

 

 

 

 

 

 

 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة