ساهم التطور التكنولوجي الهائل الذي نعيش فيه إلى تطور الجريمة بشكل سريع، ويجأ عدد من الخارجين عن القانون إلى وسائل التواصل الاجتماعي لارتكاب جرائمهم، وكان أخرها وأكثرها غرابة محاولة "أب"، عاطل، بيع طفله عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" مقابل مبلغ مالي، لمروره بضائقة مالية.
والعجيب أن تلك التجارة الجديدة ظهرت على أحد الأسواق الإلكترونية، وغالبا ما يبحث مرتادو تلك الأسواق عن هاتف مستعمل أو سيارة أو حتى شقة أو فيلا، لكن أن ينشئ أحد تلك المواقع صفحة أو قسما بعنوان "بيع طفل" أو "الحصول على طفل رضيع" بداخله مئات الطلبات لبيع الأطفال بأسعار مختلفة، ومثلها للراغبين في شراء الأطفال الرضع وحديثي الولادة، فهي كارثة حقيقية تهدد العديد من الأسر.
بيع الآباء والأمهات للأبناء بين غياب العقوبة واللجوء للمواثيق الدولية
والغريب أن تتطور تلك التجارة من خطف الأطفال وبيعها من كل الأعمار للراغبين في التبني والشراء، إلى بيع الأهل من الأباء والأمهات لأبنائهم، فالصفحات الالكترونية تنشأ يوماَ بعد يوم رغم قيام الأجهزة الأمنية بالقبض على مؤسسيها وتطهير المجتمع من تلك الجريمة النكراء، إلا أن تلك العصابات تطفو على السطح من فترة لأخرى وتقدم عروضاً مختلفة لشراء الأطفال حديثي الولادة والرضع و"مجهولي الهوية" من مختلف الأعمار، أما السعر فيتفاوت حسب الحالة سواء كان ذكرا أم أنثى وحسب لون البشرة، والحالة الصحية، ولون الشعر والعينين، وغيرها من المواصفات الجسدية.
عقوبة بيع الأباء للأبناء تصل للسجن المؤبد
من جانبه، يقول المحامي محمود البدوي خبير حقوق وتشريعات الطفل، وعضو الفريق الوطنى لمكافحة العنف ضد الأطفال أن مسألة بيع الأباء والأمهات للأبناء هي إحدى الجرائم التي نص عليها قانون الاتجار بالبشر، وافرد لها عقوبة مشددة قد تصل للسجن المؤبد والتي تكررت بشكل ملحوظ خلال الأزمة الاخيرة، حيث استغل البعض مواقع التواصل الاجتماعي في الاعلان عن بيع اطفال صغار غالبيتها من أباء وأمهات يعرضون أبنائهم، وذلك وفقا لنص المادة 6 لسنة 2010 من قانون الاتجار بالبشر فإن عرض الاطفال للبيع جريمة يعاقب عليها القانون بعقوبة تصل للسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 500 ألف جنية.
وبحسب "البدوى" في تصريح لـ"اليوم السابع" - أن واقعة عرض أحد الآباء لطفله للبيع بحجة مروره بضائقة مالية ثم تحديد مبلغ مادى مقابل ذلك هى فى الأصل واقعة كاشفة لمدى حالة التدنى، التى آل إليها الوعى الجمعى لدى الكثير من الأسر بأنه يجوز استغلال الطفل ومعاملته على أنه مجرد سلعة قابلة للبيع والتفاوض عليها، أو استغلالها بكافة صور الاستغلال، حيث أن العنف المجتمعى والأسرى بحق الأطفال يعد فى مقدمة المظاهر الأكثر خطورة، ومنها فكرة اختطاف وبيع الأطفال، بغرض الاستغلال في أعمال التسول أو البيع بالمنح لإحدى الأسر المحرومة من الإنجاب.
خبير قانونى يفجر مفاجأة
فيما فجّر ميشيل إبراهيم حليم، الخبير القانوني والمحامى بالنقض، مفاجأة من العيار الثقيل، حيث أكد أن "بيع الأبناء" ليس موصوفا في الجرائم بنصوص القانون، ولكن النيابة العامة تعمل فى القضايا بتقييد الجريمة بوصف "استغلال"، وبالتالي تجرم بنص المادة 291، وهى المادة التى أضيفت إلى قانون العقوبات بمقتضى المادة الرابعة من القانون رقم 126 لسنة 2008 وتنص على: "يحظر كل مساس بحق الطفل في الحماية من الاتجار به أو الاستغلال الجنسي أو التجاري أو الاقتصادي، أو استخدامه في الأبحاث والتجارب العلمية ويكون للطفل الحق في توعيته وتمكينه من مجابهة هذه المخاطر".
ويشير "حليم" في تصريح خاص - أنه وفقا للمادة سالفة الذكر يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن 5 سنوات وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 200 ألف جنيه كل من باع طفلا أو اشتراه أو عرضه للبيع، وكذلك كل من سلمه أو تسلمه أو نقله باعتباره رقيقا، أو استغله جنسيا أو تجاريا، أو استخدمه في العمل القسري، أو في غير ذلك من الأغراض غير المشروعة، ولو وقعت الجريمة في الخارج، كما نصت المادة الثانية من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والتي صدقت عليها مصر وتعتبر بنودها من القوانين الداخلية واجبة التطبيق، وذلك بالطبع مع عدم إغفال تكوين هذه الواقعة لجريمة ضد الإنسانية، يتأذى لها كل ذي صفة وغير ذي صفة خاصة أن حقوق الطفل في عمومها أفردت لها تشريعات خاصة سواء علة المستوى الدولي والإقليمي والوطني.
تعتبر جريمة اتجار بالبشر
بيع الأهل للأبناء - بحسب هيام محمد، المحامية وعضو لجنة المرأة بنقابة المحامين سابقاَ - ما هي إلا كارثة تنم عن تجرد الأب والأم من كل المشاعر الإنسانية، بعد أن يُنزع من داخلهما الثوابت الدينية والطبيعة الإنسانية التى فطر الله الناس عليها، وذلك عن طريق تخليهما عن أبنائهما وعن أبوتهما متاجرين بما وهبه الله من ذرية مقابل مبلغ من المال كى ينفقه على احتياجاته وملذاته ورغباته.
ووفقا لـ"هيام" في تصريحات خاصة - لما كان ذلك يكشف عن وجود كارثة إنسانية وجريمة قانونية وفقًا للقوانين الداخلية والمواثيق الدولية التى تجرم الاتجار بالبشر، وكذلك تلك التى تحمى حقوق الطفل فإننا والحال أمام ظاهرة اجتماعية خطيرة قد تؤدى إلى تدمير الأسرة وفساد أخلاق المجتمع بعد أن تجردت مشاعر الأبوة وغريزة الأمومة من نفوس الأب والأم، والتى تكشف عن وجود خلل مجتمعي وأخلاقي يهدد المجتمع وينخر فى جذوره ويهدم قواعده وأركانه، فمن غير المقبول بيع الأبناء بحجة العوز والحاجة أو نتيجة الأزمات الاقتصادية، لأن الدين والشرع والقانون يرفضون ذلك، ناهيك عن مشاعر الأبوة وغريزة الأمومة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة