شيخ الأزهر: ثنائية الثوابت والمتغيرات مكنت شريعة الإسلام من قيادة الأمة 13 قرنا

الجمعة، 23 أبريل 2021 04:21 م
شيخ الأزهر: ثنائية الثوابت والمتغيرات مكنت شريعة الإسلام من قيادة الأمة 13 قرنا فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف
كتب لؤى على

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قال فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن أحكامَ الشريعةِ الإسلاميَّة منها ما هو ثابتٌ دائمٌ، ومنها ما هو مُتغيرٌ مَرِنٌ، وأنَّ النوعَ الأوَّلَ كما يتصفُ بالثباتِ، يَتَّصفُ بالكثرةِ والتفصيل وصعوبةِ إدراك الأسبابِ والعِلَلِ في تشريعِه، بخلافِ النوعِ الثاني الذي يَتَّصفُ بقابليَّةِ التحرُّك مع حركةِ الإنسان على الصَّعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، كما يَتَّسِمُ بسهولةِ إدراك الغايةِ والمقصدِ من تشريعاتِه، تلكم التي تدورُ معها مصلحةُ الإنسانِ المعتبَرةِ وجودًا وعدمًا. 
 
وأكد فضيلته خلال الحلقة الحادية عشر من برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب» أنه حين نُفرِّقُ بين الثوابت والمتغيِّرات، بأنَّ الثوابت، كالعِبادات مثلًا، تستعصي على البحثِ العقليِّ عن الأسبابِ والمبرِّرات؛ فإنَّنا لا نقصد أبدًا أنَّها تُعارضُ أحكامَ العقل وتناقضُه، وأنَّ الإنسانَ مُخاطَبٌ بالإيمانِ بالمستحيلاتِ. فهاهنا يجب التنبُّه إلى الفرق الدقيق بين التكليفِ بأمورٍ مستحيلةِ التعقُّلِ في ذواتها، وبين أمورٍ معقولةٍ في أنفسها؛ فالأمورُ المستحيلةُ لا يقعُ التكليفُ بها بحالٍ من الأحوال، بخلافِ الأمورِ التي يُدرِك العقلُ أسبابَها وأسرارَها وآثارَها.
 
وأضاف أنه بناء على ما سبق فإن الإسلامَ -والأديانَ بأسرِها- وهي تخاطبُ الإنسانَ على أيِّ مستوى من مستويات الخطاب - لا تطلبُ منه أن يُؤمنَ بما يرفضُه عقلُه، ويصدق ما يَستحيلُ تصديقُه.. ولكنَّها تخاطبُه بالإيمانِ بأمورٍ قد يستبعدُها العقلُ بالقياس إلى ما تجري به «العادة».. ومن هذا القَبِيلِ مخاطبةُ الأديان للإنسان ومطالبتُه بالإيمان بالحياةِ بعدَ الموت، وبالحساب والثواب والعقاب، والجنة والنار، وكلِّ ما يتعلق بها مِمَّا يُسمَّى في علوم العقيدة بالسمعيَّات أو الأُخرويَّات.. ومن هذا القَبِيلِ أيضًا الإيمانُ بمعجزات الأنبياء؛ فإنها ليست مستحيلةَ الحدوث، ويتصورُها العقلُ، ويُتصور وقوعُها، وإن كانت العادةُ التي تجري عليها أمورُ الناس تستبعدُها، فكلُّها من قَبِيلِ الحقائقِ التي ستقعُ، وإنَّ موقفَ العقل منها لا يَتعدَّى موقفَ "الحياد" الذي تتساوى لديه احتمالاتُ الوقوع واللاوقوع.. و«الحياد»، وإن كان يَعجِزُ عن إثباتِ شيء، فإنَّه يَعجِزُ -وبالقدرِ نفسه- عن نفيِ هذا الشيءِ وعدمِ التصديق به.
 
وبيَّن فضيلة الإمام الأكبر أننا إذا فهمنا هذا الفرقَ الدقيقَ سَهُلَ علينا إدراكُ صعوبةِ استعصاءِ الأحكامِ التعبديَّةِ المتعلقةِ بالجنابِ الأقدسِ على مداركنا العقلية، وأنَّ ذلك لا يعني مُطلقًا عدمَ معقوليةِ هذه الأحكام في حدِّ أنفسها وذواتها، وكلُّ ما يَعنِيه أنَّ هذه الأحكامَ هي من طَوْرٍ يقع وراءَ طَوْرِ العقول، ومن مستوًى ليس للعقولِ السليمةِ حيالَه من موقفٍ إلا موقف التسليم المطلق. موضحًا أن استقراء القرآن يكشف لنا أنَّ القرآنَ يُفصِّل الأحكامَ في القضايا الدائمة، والثوابتِ التي لا تتغيَّرُ، مثلَ: الإيمانِ والعباداتِ والأخلاقِ، بينما يُجمِلُ الأحكامَ في المجالاتِ المتحوِّلة في صورةِ قواعدَ كليةٍ وأصولٍ عامةٍ ومقاصدَ عُليا -كما سبقت الإشارةُ إلى ذلك-.. وكدليلٍ على ذلك نجـدُ أنَّ «الصلاة» -مثلًا- ذُكرت في أكثرَ من سبعينَ موضعًا في القرآن الكريم، في مقابلِ ما ورد في القرآنِ من تشريعاتٍ في عقدِ البيع، والذي هو من أكثرِ العقودِ أحكامًا وموادَّ في القوانينِ المدنيَّة؛ هذا العقدُ لم يردْ بشأنه في القرآنِ الكريم إلَّا أربعةُ أحكامٍ فقط.
 
وتابع أن الأمرُ فيما يتعلَّقُ بالقانون الدستوري، اقتصرتْ نصوصُ القرآن الكريم في هذا المجالِ على التأكيدِ على مبدأ «الشورى»، ومبدأِ «العدل»، ومبدأِ «المساواة»، وأنَّ أيَّ نظامٍ سياسي يقومُ على هذه المبادئ، ويُحققُها بين الناسِ فهو نظامٌ يقبلُه الإسلامُ، أيًّا كان اسمُه أو رسمُه.. وكذلك قانون العقوباتِ والجنايات الذي اقتَصَر فيه القرآنُ الكريم على ذكرِ العقوباتِ الخمسِ المعلومةِ، وهي: عقوبةُ القتل، والسرقة، والزنا، والإفسادِ في الأرض، بإرهابٍ، أو ترويعٍ، أو اغتيالٍ للآمنين، أو تدميرٍ للمرافق العامَّةِ، أو بأيِّ أسلوبٍ قديمٍ أو حديثٍ في ارتكابِ هذه الجرائم اللاأخلاقية واللاإنسانية.
 
واختتم شيخ الأزهر الحلقة بالقول إن هذه الثنائية الواضحة بين مجالِ الثوابتِ ومجالِ المتغيراتِ، هي التي مكَّنَتْ تشريعاتِ القرآنِ من قُدرتها على مواكبةِ التطور، كما مكَّنت شريعتَه من قيادةِ الأُمَّةِ الإسلاميَّةِ قُرابةَ ثلاثةَ عَشَرَ قَرْنًا من الزمان، قبلَ أن تُخلي مكانَها -أو يُخلَى مكانُها- لقوانينِ الغربِ، وأنَّ مرونةَ هذه الشريعةِ هي التي حفظتْ حضارةَ الإسلام، وأمَّدَتْها -ولا تزال تُمدُّها- بأسبابِ المقاومةِ والصمودِ، حتى يومنا هذا، وبسببٍ من إعجازِ هذه الشريعةِ لم تندثرْ حضارةُ المسلمين، وتُصبحْ أثرًا بعدَ عَيْن، رُغْمَ الضَّرَباتِ الموجعةِ التي تُسدَّدُ لها على مدى تاريخِها الطويل، من أبنائِها ومن أعدائِها على السَّواء.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة