انتصر الجيش المصرى بقيادة «إبراهيم باشا» على الجيش التركى العثمانى فى «قونية» قلب سهل الأناضول فى تركيا يوم 21 ديسمبر 1832، وحسب الدكتور خالد فهمى، فى كتابه «كل رجال الباشا» ترجمة، شريف يونس: «كان عدد القوات العثمانية 53 ألف رجل، يقودهم الصدر الأعظم رشيد باشا ذاته، وكان الجيش المصرى بقيادة إبراهيم باشا بن محمد أقل من ثلث هذا العدد «15 ألف رجل».
كانت المعركة تحديا بالغا من محمد على باشا للسلطان العثمانى محمود الثانى، ولهذا قاد رشيد باشا شخصيا الجيش التركى فيها، ويصفه «جيلبرت سينويه» فى كتابه «الفرعون الأخير- محمد على» ترجمة، عبدالسلام المودنى: «سمعته كأفضل جنرالات الامبراطورية موهبة ليست مجرد افتراء، فقد خاض معارك رائعة فى الحرب ضد روسيا، وبرهن بما لا يدع مجالا للجدل عن الشجاعة، ويحب أن يضع اللباس الألبانى على رأسه، أى المعطف الضيق والسراويل الفضفاضة والعمامة المعقودة حول رأسه، وكان ربع القامة، طلق الوجه ويصدر طاقة كبيرة بعينين زرقاوين ونظرات حادة تحتفظ عادة بالكثير من الهدوء فى ساحات المعركة، وكان يطمح إلى إحياء تقاليد المجد والقوة اللتين كانتا جاريتين لدى الباب العالى سابقا».
وبالرغم من هذه الصفات لرشيد باشا، إلا أنه قبل مواجهته لإبراهيم باشا فى قونية، وطبقا لعبدالرحمن زكى فى كتابه «التاريخ الحربى لعصر محمد على الكبير»: «لم يكن واثقا 100 % بالنصر، ومن الأدلة أنه سلم خاتم الدولة إلى وكيله أحمد فوزى باشا فى الليلة السابقة للمعركة».
وبعد ساعتين من بدء القتال أدرك رشيد باشا الاضطراب والفشل فى قواته، حسب تأكيد عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «عصر محمد على»، مضيفا: «أراد أن يبث الحمية فى نفوس رجاله، فنزل إلى حيث موقع الجند، لكنه لم يفز بطائل، وضل الطريق لكثرة تكاثف الضباب، وبينما هو يسير على غير هدى وقع فى أيدى العرب المصريين، فأحاطوا به وجردوه من سلاحه، واقتادوه أسيرا إلى إبراهيم باشا، وبعد غروب الشمس بساعتين انتهت الواقعة بهزيمة الجيش التركى، ولم تزد خسارة المصريين على 262 قتيلا، و530 جريحا، أما الجيش التركى فقد أسر قائده ونحو خمسة آلاف إلى ستة آلاف من رجاله، من بينهم عدد كبير من الضباط والقواد، وقتل من جنوده نحو ثلاثة آلاف، وغنم المصريون نحو 46 مدفعا وعددا كبيرا من الرايات».
كانت معركة «قونية» فى رأى خالد فهمى: «واحدة من أعظم انتصارات إبراهيم باشا العسكرية، فبعد الختام الناجح لها أصبح الطريق إلى اسطنبول مفتوحا أمامه على مصراعيه خاليا من أى قوة عسكرية عثمانية تذكر».. يؤكد عبدالرحمن زكى، أن إبراهيم باشا أقام شهرا فى «قونية» يعيد تنظيم قواته عقب انتصاراته، وفى 28 ديسمبر 1832 كتب إلى أبيه، قائلا: «أستطيع أن أصل إلى الآستانة ومعى محمد رشيد باشا، وأستطيع خلع السلطان حالا، ودون صعوبة، ولكننى مضطر أن أعرف هل تسمح لى بتنفيذ هذه الخطة، فالواجب أن نذهب إلى اسطنبول حيث نملى إرادتنا».
يؤكد «زكى» أن هذا الكتاب وصل إلى محمد على، فأذن لإبراهيم بالتقدم، وفى التو قام القائد على رأس جيشه فى 20 يناير 1833، وقسمه إلى شطرين، ووصل إلى «كوتاهية» فى 2 فبراير، مثل هذا اليوم، 1833، وتحمل الجنود زمهرير الشتاء القارس، وصار على مبعدة 50 كيلومترا من الآستانة.
كتب إبراهيم إلى أبيه يوم تحرك جيشه «20 يناير 1833» قائلا: «ما دام السلطان محمود المشؤوم على العرش لا يمكن أن يكون هناك صلح صحيح ولا نهاية للأزمة، لأنه سيكون عرضة للظروف ينتهزها للانتقام وبعمل لها، كما كان فى الماضى وللجور على هذه الأمة الإسلامية التعسة وظلمها، فبحق حبنا لهذه الأمة وبحق غيرتنا الدينية أرى من الواجب المحتم علينا لا العمل لمصلحتنا فقط، ولكن العمل فوق كل شىء، وقبل كل شىء لمصلحة هذه الأمة كلها، ومن أجل ذلك يجب علينا أن نرجع إلى القرار الأول، أى خلع هذا السلطان المشؤوم، ووضع ابنه ولى العهد على العرش حتى يكون ذلك بمثابة محرك يحرك هذه الأمة من سباتها العميق».
تلقى «إبراهيم» وهو على أبواب «كوتاهية» خطابا من أبيه يأمره بالوقوف عن الزحف إلى عاصمة الخلافة، لأن السلطان أرسل إليه «خليل رفعت باشا» ليتفق معه.. يذكر «زكى»: «فى يوم 3 فبراير 1833 كتب إبراهيم إلى أبيه، قائلا: «أرى أن يكون الاستقلال مقدما على كل شىء فى المناقشات، وبعد الاعتراف بالاستقلال يجب أن نطالب بضم «أضاليا وأدنة وجزيرة قبرص» إلى مصر- وإن كان ذلك فى الإمكان - تونس وطرابلس».
