تعد مبادرة حياة كريمة نموذجًا حقيقيًا على الجهود الوقائية والاستراتيجية التي تعتمد التنمية بوصفها الطريق الأكثر فائدة وفاعلية لتحقيق الأمن وتعزيز الشعور بالثقة والانتماء؛ فالتنمية هي الركيزة الأساسية والاستراتيجية للأمن المستدام بأبعاده الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، انعكاسًا للارتقاء بجودة حياة المواطنين وسد الفجوات التنموية بين المحافظات والمدن، وخفض معدلات الفقر.
وذكرت دراسة للمركز المصري للفكر والدراسات أنه ترتكز مبادرة حياة كريمة على تضافر جهود الدولة مع خبرة مؤسسات المجتمع المدني ودعم المجتمعات المحلية في إحداث التحسن النوعي في معيشة المواطنين المستهدفين ومجتمعاتهم على حد السواء، وتعزيز الحماية الاجتماعية لجميع المواطنين، وتوزيع مكاسب التنمية بشكل عادل، وتوفير فرص عمل لتدعيم استقلالية المواطنين وتحفيزهم للنهوض بمستوى المعيشة لأسرهم ولمجتمعاتهم المحلية. وتنعكس هذه المرتكزات في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين من مسكن ملائم وخدمات صحية وتعليمية لائقة.
ويسهم تحقيق هذه المرتكزات في الارتقاء بجودة حياة المواطنين في شتى مناحيها وتعزيز مفهوم جودة الحياة الشاملة عبر الارتقاء بالقطاعات الحيوية التي تمس حياة الناس، وتعزيز هذه القطاعات وتطوير مخرجاتها على أسس مستقبلية، بما ينعكس إيجابًا على الفرد والمجتمع، في مجالات الصحة والعلاقات الاجتماعية والتعليم، والجوانب المرتبطة بطريقة الحياة، وكفاءة الخدمات الحكومية، وغيرها من المجالات. وذلك عبر تبني مفهوم أن المواطن هو محور أي خطط تنموية تهدف في النهاية إلى الارتقاء بجودة حياته، مع إيلاء الأولوية للفئات الأكثر احتياجًا.
وتمثل هذه المرتكزات صلب أهداف التنمية المستدامة التي تهدف إلى تحقيق الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية من خلال القضاء على الفقر، والقضاء على الجوع، والتمتع بصحة جيدة، وتوفير الحق في التعليم، والمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات. بالإضافة إلى تأمين الحياة الكريمة للإنسان من توفير بيئة معيشة مناسبة تبدأ بتوافر مصدر للمياه النظيفة والصرف الصحي، وتوافر مصادر الطاقة والكهرباء، وتوافر مدن ومجتمعات عمرانية، وتأمين فرصة عمل مناسبة. وتمتد أسس الارتقاء بجودة حياة المواطنين إلى تعزيز قابلية الحياة في القرى، وتعزيز جودة الحياة الرقمية من خلال إمداد هذه القرى بكافة البنى التحتية التي تتيح لها التمتع بالخدمات الرقمية والتكنولوجية، ولا سيّما في مجالات التعلّم والعمل، وتعزيز الحوكمة.
تعزيز الأمن المجتمعي
تشكل تنمية المجتمع هي الهدف الأساسي لمبادرة حياة كريمة التي تجمع الوزارات والهيئات الحكومية مع منظمات المجتمع المدني. وتمثل هذه التنمية في جوهرها معالجة للعديد من المشكلات الاجتماعية المحلية، وتحريرًا للمواطنين من العوز والاحتياج، ومن ثم تحقيق سلامة المجتمع وأمن المواطنين، وسد الفجوة بين الاحتياجات المجتمعية المحلية والاستراتيجيات الحكومية العامة؛ إذ إن اختراق الدولة لهذه المشكلات الاجتماعية المتراكمة منذ عقود ومعالجتها يعمل على إعادة العلاقة بين المجتمعات النائية أو المهمشة والدولة إلى مسارها الصحيح في الاعتمادية على الدولة في توفير الخدمات الأساسية بالمشاركة مع منظمات المجتمع المدني، واستجابة الدولة لمواطنيها، بدلًا من اللجوء إلى تيارات ذات أهداف أخرى والاعتماد عليها في توفير هذه الخدمات والاحتياجات مثلما كان يحدث في السابق، وهو ما ينعكس على التماسك الاجتماعي واللُحمة الوطنية؛ فكلما زادت استجابة الدولة لمواطنيها زاد تماسك المجتمع وارتفع منسوب ثقته في دولته وانتمائه لها.
وتابعت الدراسة أن تنمية القرى المصرية الأكثر احتياجًا بهذا المفهوم الشامل والارتقاء بجودة حياة المواطنين فيها وخفض مستويات الفقر تعزز من صلابة التماسك الاجتماعي والذي يؤدي ضعفه إلى العديد من الانعكاسات الأمنية السلبية؛ فالشعور بالعوز والاحتياج أحد أهم مسببات انعدام الأمن واللجوء إلى الجرائم الجنائية والإرهابية انطلاقًا من الشعور بالاضطهاد والتهميش، وعدم القدرة على استيفاء الاحتياجات الأساسية؛ إذ يمثل هذان العاملان أرضية خصبة للتجنيد الإرهابي ونشاط مجموعات الجريمة.
البنية التحتية والخدمات الأساسية
ويعد استهداف المبادرة للقرى من حيث البنية التحتية والخدمات الأساسية بجانب المواطنين من حيث التنمية البشرية والاقتصادية عاملًا مهمًا من عوامل نجاح مبادرة حياة كريمة؛ إذ إن تحقيق التنمية البشرية والاقتصادية لمواطني هذه القرى يسهم في استدامة التنمية المجتمعية، وخلق فرص عمل من خلال تقديم الدعم الاقتصادي للمواطنين لتأسيس مشروعات صغيرة ومتوسطة ومتناهية الصغر، وخلق بيئة أعمال إنتاجية قادرة على استيعاب الشباب ونشاط اقتصادي مستدام يضمن استدامة التنمية المجتمعية حاضرًا ومستقبلًا، والحد من ظواهر مجتمعية سلبية مثل عمالة الأطفال والتسرب من التعليم.
وتمثل تنمية قرى الريف المصري على مختلف المستويات لبنة لنظام محلي جديد قائم على التشاركية بين الدولة والمجتمع المدني والمواطنين، ولا سيّما المرأة والشباب، وتعزيز استجابة مختلف الأطراف لاحتياجات هذه القرى على مستوى التقييم والتخطيط والمساءلة والرقابة على ما تقوم به الإدارات المحلية من خلال المجالس المحلية المنتخبة، بما يوفر استجابة أكثر سرعة وديناميكية لاحتياجات المواطنين وتعزيز تقديم الخدمات في إطار من اللامركزية، مع ربط هذه الاحتياجات في النهاية بالاستراتيجية التنموية للدولة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة