هل سمعت عن أزمة الأرصدة الإسترلينية؟.. بريطانيا تستدين من مصر ولا ترد

الثلاثاء، 05 أكتوبر 2021 11:00 م
هل سمعت عن أزمة الأرصدة الإسترلينية؟.. بريطانيا تستدين من مصر ولا ترد تراث مصرى
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كانت فترة الاستعمار البريطانى لمصر فترة خطيرة، على كل المستويات، منها نهب سبائك ذهبية تحت اسم الاستدانة فى زمن الحرب العالمية الأولى، ولم تردها، ونعتمد فى هذه القصة على كتاب "تراث مصرى" لـ أيمن عثمان.

 

يقول الكتاب:

الدَّين فى أبسط مفاهيمه اتفاقٌ بين دائن ومدين ووثيقة تثبت الدين وتحافظ على حقوق الدائن، وما حدث فى الأرصدة الإسترلينة يختلف تمامًا عن المفهوم الحسابى للدَين.. مَدين يستولى على مال دائن دون موافقته، ثم يترك له سندًا لا يعتمده الدائن، ثم يماطل الـمَدين، وأخذ يماطل ويماطل.. الـمَدين: بريطانيا، والدائن: مصر، والسند: أنكره المدين.. ما حدث كان تحايُلًا من جانب المسئولين البريطانين، وإهمالًا وإهدارًا للمال العام من جانب المسئولين المصريين، وبقدرة قادر حوَّل البعض موضوع "الأرصدة الإسترلينية" لإنجازٍ مصرى خالصٍ يُضاف إلى عصر الملكية من إنجازات لم تشهدها مصر لا قبلها ولا بعدها، وردَّد البعض بمفردات فيها تجميل للسرقة "بريطانيا كانت مديونة لمصر".. الأرصدة الإسترلينية حكاية لها كواليس.

قامت الثورة العربية بقيادة الشريف حسين عام 1916 مدعومة من بريطانيا ضد تواجد الجيش التركى والنفوذ العثمانى، وكان هذا الدعم يحتاج إلى تمويل القبائل العربية بالمال لصد الجيش التركى فى العديد من المدن مثل: مكة والمدينة والطائف وجدة وينبع ودمشق وحلب.. تعذَّر على الجانب البريطانى توفير التمويل اللازم بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى، فامتدت يد بريطانيا إلى السبائك الذهبية التى أودعها البنك الأهلى فى خزانته.
 
استبدلت بريطانيا الذهب بحزمة من أوراق سندية تعترف بالدَّين، وكان لزامًا على البنك إصدار أوراق بنكنوت بضمان السندات البريطانية دون وجود ذهبٍ يغطّى نصف المصدَّر من أوراق البنكنوت، وكانت الحكومات المتوالية ترضى بالحلول التى يضعها المسئول البريطانى محافظ البنك الأهلى للأزمات، وذلك بأن يصدر أوراق بنكنوت جديدة نظير زيادة عدد من السندات المالية على الحكومة البريطانية.. بلغت قيمة هذه السندات أربعمائة وثلاثين مليون جنيه إسترليني، وبهذه الطريقة دفعت مصر والهند وجنوب أفريقيا فاتورة انتصار إنجلترا فى الحرب.
 
لم تكن الأرصدة الإسترلينية وحدها ما تدين به بريطانيا إلى مصر، أضف إلى ذلك سلع وخدمات أدَّتها مصر إلى إنجلترا، كانت ثمرتها حرمان وتضحيات تحملها الشعب المصرى فى ظروفٍ كانت بريطانيا أضعف من أن تتحمل عبء الخسائر الفادحة فى حربٍ عالمية متسعة الميادين، ولا شك أن هذا الحرمان وتلك التضحيات التى تحمّلناها وشعرنا بتبعتها لسنوات طويلة من فقرٍ وزيادة أسعار واختفاء سلع تمونية تؤكِّد مدى مساهمتنا فى تحمُّل عبء الخسائر الحربية مع بريطانيا.
 
فى يونيو 1947 عقدت مصر أول اتفاقية لتسوية هذه الديون، وخرجت مصر باتفاقٍ هزلى لا يتناسب مع حجم الدَّين، وحجم المشكلات الاقتصادية التى عاناها الشعب أثناء وبعد الحرب.. أفرجت بريطانيا عن أربعة مليون جنيه إسترلينى مقابل أن تسدِّدها الحكومة المصرية لمصلحة السكك الحديدية والمرافق الحكومية التى عاونت السلطات العسكرية البريطانية فى الحرب؛ تنفيذًا لمعاهدة 36، والتى نصت على التزام مصر بتوفير كل الطُّرق والمواصلات لبريطانيا، وفى الاتفاق مَنحت الحكومة المصرية الحكومة البريطانية حقَّ تجميد الدين لأجلٍ غير مسمى، على أن يتم الإفراج عنه مستقبلًا.
 
صرَّح وزير المالية البريطانى "دالتون" فى مجلس عموم بريطانيا فى نفس سنة الاتفاق بأن بريطانيا غير ملزَمة أدبيًّا بالوفاء بهذا الدَّين، وذلك لأن مصر أحد مستعمارتها، وأن مصر مرتبطة مع إنجلترا بمعاهدة لا يمكن تجاهُلها، كما صرَّح مستر "بيفن" فى إحدى خطبه أنه يتمنى أن ينسى المصريون رصيدهم المتجاوِز أربعمائة مليون جنيه، واقترحت بعض الصحف البريطانية تجميد الدين مؤقتًا لحين تدبير وسائل السداد بصادرات فى داخل منطقة الإسترليني، ورأى بعض رجال المال ضرورة مفاوضة الدول الدائنة على أساس تخفيض جزءٍ من الدَّين وإيقاف الباقى لمدة خمسين عاماً بدون فوائد، وفى عام 1948 استثمرت الحكومة البريطانية ما فعلته الحكومة المصرية فى اتفاقية 1947، وقررت تجميد مستحقات مصر، ومبررها فى هذه الخطوة أنها على شفة حفرة من الإفلاس بعد اقتراضها من الولايات المتحدة الأمريكية.
 
فى أَبْريِل 1950، خرج الدكتور زكى عبد المتعال وزير المالية بتصريح للصحافة المصرية نشرته مجلة الإثنين والدنيا، أكَّد فيه أن المباحثات الخاصة بتسوية الأرصدة الإسترلينية لا تزال قائمة، وبين الجانبين وِدّ متبادل على الرغم من عدم وجود أى تطور فى المباحاثات، وبشر المصريين من أن مصير أى خلافات مع الجانب البريطانى مصيرها إلى زوال، وأن المشكلة ستنتهى إلى ما يحقق رغبة مصر حكومة وشعبًا، ولكن ليس الآن.. علينا أن ننتظر بعض الوقت .
وفى عام 1951 عادت الحكومة الوفدية إلى طاولة المفاوضات، وبعد مباحثات وشد وجذب توصلوا للاتفاقية الآتية..
يفرج فورًا عن خمسة وعشرين مليون جنية إسترلينى تحوِّلها بريطانيا إلى دولارات.
استبعاد ثمانين مليونًا للتباحث عنها فى المستقبل من جديد.
يفرج كل عام عن عشرة ملايين من الجنيهات.
إجمالى المتفق عليه مائة وخمسة وعشرون مليون نقدًا وآجلًا، واستبعاد ثمانين مليونًا.. يكون الناتج مائتين وخمسة ملايين جنيه إسترليني.. المبلغ لا يصل إلى نصف الدَّين الأصلي، وهنا نجد سؤالًا يطرح نفسه: ماذا حدث فى الكواليس فيما يخص باقى أصل الدَّين؟
 
سبق أن رصد سعد زغلول باشا فى مذكراته ثلاثة ونصف مليون جنيه إسترلينى دَين على بريطانيا لصالح مصر؛ حيث قال: "لم تكن الحكومة تحارب الأمة فى وقت أكثر من محاربتها الآن؛ لأنها سلبت ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف جنيه، وقدَّمتها هدية للحكومة الإنجليزية، وحدَّدت ثمن الأقطان بأبخس الأثمان، وكذلك قيمة المحصولات، أما ما يُرَدّ لمصر من البضائع فتركت الموردين يتحكمون فى أثمانها كما شاءوا".






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة