كلنا يعرف مُصطلح "الإبداع"، وللأسف، كُلنا نظُن أن الإبداع يندرج تحت بند الإيجابيات المُطْلقة، وأظن أن ذلك الأمر فيه أقاويل عدة، فالإبداع لا ينصب فقط على الثقافة والفن، بل إنه ينصب على كل سُلوك بشري إيجابي أو سلبي.
فأنت قد تُبْدع في الحُب، وكذلك يمكن أن تُبْدع في الكُرْه، وهذا يحدث عندما تنجح في اختيار الأساليب التي تُبْرز مشاعر كراهيتك، فأنت في تلك اللحظة يُطلق عليك لفظ "مُبْدع".
وكذلك، قد يُبْدع الإنسان في استغلال قُدراته الإيجابية مثل الذكاء والفِطْنة، وقد يُبْدع أيضًا في تجسيد قُدراته السلبية، مثل التكاسل والإهمال والتقصير، وقد يُبْدع في نُبْله وإنسانيته وتسامحه، وللأسف، قد يُبْدع في انتقامه من الآخر.
فالإبداع مُصطلح مطاط، يبدو في ظاهره أنه إيجابي إلى أقصى حد، في حين أنه ينطبق على أي سُلوك خارج الصندوق، فالمُبْدع لا يتقيد بالأساليب التقليدية، ولا يسير مع القطيع، ولا يرتضي بما تفرضه عليه الظروف، ولا ينساق خلفه أحد، فهو يُصرّ على الخُروج عن المألوف، والتفكير خارج الصُّندوق، ولا يرى نفسه سوى في الاستقلالية التامة، وهذا التفكير قد يكون في الأمور الإيجابية أو السلبية، بدليل أن الشر له صُور تفُوق كل حُدود الخيال، فهي خرجت عن النمط المألوف في تجسيد المشاعر السلبية، ومُحاولة ترجمتها إلى سُلوكيات واقعية.
فهنا، لابد أن نعترف أن صاحب تلك السلوكيات "مُبْدع"، فهو نجح في اختراع أساليب شر حديثه ومُستحدثة، واستطاع أن يفرضها على الساحة المُجتمعية، سواء في علاقاته الشخصية، أو المُجتمع بوجه عام.
ولكن، ما يستثير الحسرة بداخل القلوب هو كيف استطاع الإنسان أن يُوظف ملكاته الخاصة في ابتداع الشر؟! فمُقابلة الخير بالشر، والتسامح بالانتقام، والاهتمام بالتجاهل، والرحمة بالقسوة، والحُب بالكراهية، والأمانة بالخيانة، للأسف، سنضطر أن نقول بحسرة لمن يأتي بتلك السلوكيات الشاذة: "أنت حقًا مُبْدع، ولكنه إبداع من نوع آخر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة