وها هى تنفض هموم روحها باحتساء كوب شاى بالنعناع مصاحبًا له ربع رغيف الخبز الذى تناثرت حوله حبيبات الردة وقد نزف منه الجبن السائح مستنجدًا بها لتخرجه من الميكروويف، فى شرفتها الواسعة التى تعادل نصف مساحة الشقة، تأخذ أول رشفة من كوبها وقد جهز لها عقلها أول حدث مزعج فى اليوم ليعكر مزاجها كعادته، لكن صدمتها رشفتها الأولى للشاى المغلى بسخونتها التى تركت أثرا على لسانها ستعجزها عن الاستمتاع بذلك الكوب ليومين، وكأنها تقول لها أعطينى برهة من وقتك لتسمعينى بإنصات، لن أتركك تجعلين الأحداث المارة فى يومك تزعج مزاجك مرتين، مرة وقت حدوثها ومرة الآن، وانتِ تستمتعين بي. وكأن كان لكوب الشاى أثرا على استرجاع عقلها من الغوص فى بحر الأحداث المزعجة، أكثر من العقاقير المهدئة التى كانت تتناولها كل يوم لتتخلص من جلسة أفراطها بالتفكير.
لأول مرة تأخذ قرارا صائبا، ربما كان القرار الأصح منذ بداية اليوم، نزعت من عقلها أى شىء يتعارض مع جلستها المنعقدة مع كوب الشاى والشطيرة، وقررت أن تسمح لعقلها بالكلام فقط فى حين أنه سيتساءل عن السبب وراء ذلك الطعم اللاذع فى الشاي، وكيف يمكن لحبات من ورق مفروك أن تصبح طوق نجاة ينقذ صاحبتنا من الوقوع فريسة لذلك الوحش الذى يسمى بالتفكير المفرط؟ تركته يستكشف الإجابة وحده وجلبت شطيرة الجبن الذائب والكوب وشرعت فى تحضير سؤال آخر لعقلها المنشغل حاليًا بالإجابة عن السؤال الأول، وكان سؤالها هو كيف تستطيع السماء فى الساعة الخامسة صباحًا، أن تبهرها دائمًا بكونها لوحة بيضاء حاملة لبحر من الألوان المحتضنة لبعضها البعض، رغمًا عن أنها كانت من أول الأشياء التى اعتدنا أن نراها منذ الصغر، ولكنها حتى الآن تبهر عيون من يراها وتشعل النزاعات بين الأسر عندما يسرع أحدهم ليجلب هاتفه المحمول حتى يلتقط صورة لتلك اللوحة الفنية، فينزلق فى طريقه مسببًا وقوع زهرية باهظة الثمن يظل يدفع ثمن هذه الغلطة اسبوعين محرومًا من المشاركة فى مسابقة الأسرة لالتقاط الصور المنعقدة فى الشرفة المسببة فى هذا العقاب اصلًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة