هناك الكثير من المهن التى أوشكت على الاندثار ومنها إصلاح وابور الجاز، وفى بنى سويف لم يتبق سوى صاحب محل يعتبر آخر المتمسكين بهذه الصنعة، وما زال يمارسها داخل محل ورثه عن والده، اليوم السابع التقى حسن محمد حسن، وشهرته "جعلص" صاحب محل إصلاح وابور الجاز ببنى سويف والذى قال: تركت المدرسة فى الصف السادس الابتدائى وعمرى أحد عشر عاما، لكى أعمل مع والدى بمهنة إصلاح " وابور الجاز" بالمحل الذى ورثه عن جدى بحى الغمراوى فى بندر بنى سويف، إذ كان هناك أربعة انواع من الوابور، وهى صغير الحجم سعة نصف لتر غاز ويطلق عليه السفرى والذى تحمله العائلات فى السفر وصائدى الأسماك فى رحلاتهم، لاستخدامه فى صنع الشاى والمشروبات الساخنة بالإضافة إلى نمرة واحد واثنين، وكذلك نمرة ثلاثة الذى يستخدم فى طهى الطعام، وهذه التسميات والأرقام تعود إلى سعة الوابور لكمية الغاز.
وأضاف: بلغ ثمن الوابور وقتها جنيه وخمسة وعشرون قرشا،وتراوحت قيمة إصلاح أعطاله ما بين قرش أو قرشين وتتزايد هذه القيمة وفقا لنوع العطل ليبلغ أجر لحام ثقب فى جسم الوابور عشرة صاغ، وكنا نشترى البضاعة اللازمة للإصلاح والاستبدال من محلين فقط لم يكن هناك غيرهما فى بندر بنى سويف منتصف خمسينات القرن الماضي، وبلغ ثمن الكباس ثلاثة "صاغ " قروش، والفونية "تعريفة"، و رجل الوابور " 2 صاغ"، والبلف " ثلاثة صاغ"، وتراوح ثمن كيلو قصدير اللحام ما بين 20 إلى 25جنيه، وكانت الدولة تخصص لنا كمية من القصدير لنشتريها شهريا، إذ يصل ثمن الكيلو حاليا خمسمائة جنيه.
وتابع: محتويات الورشة عبارة عن فرن اللحام، كاوية اللهب،، النشادر، القصدير، ابرة تسليك الفنية، المبرد، مفاتيح الفك والتركيب، المنجله، البنسة، المفك، الشاكوش، مفتاح الفونية، طلمبة هواء لتسليك عدة الوابور، كما أحتفظ داخل المحل بـ "كلوب إضاءة قديم"، كان يعلقه العمد وأثرياء البندر والقرى أمام منازلهم ،ويستأجره بائعو الفاكهة، والصوفية الذين يقيمون الموالد والاحتفالات مقابل ثلاثة صاغ فى اليوم الواحد، ويبلغ أجر إصلاحه مابين خمسة وعشرة صاغ.
واستطرد حسن جعلص: تشمل طريقة العمل فى مهنة إصلاح وابور الجاز تسخين كاويه اللحام وسحب قطعة من القصدير عليها ثم وضعها على مكان الثقب لغلقه، أو تثبيت جزء سقط من الوابور اوتهالك أثناء الاستخدام ويتم استبداله بآخر جديد، ثم نسكب النشادر على سطح اللحام لتلميعه، و كذلك كميه قليلة من "مية نار" خام، كما نستخدم الصاروخ فى تنظيف الأسطح وذلك قبل دخولها الى النار لازالة الشوائب التى تكون عازلا يجعل اللحام يسقط " يفك" سريعا، كما نستخدم المنجلة فى تثبيت أرجل الوابور الطويلة وقطعها بالمنشار،ومفتاح بكرة لربط زور"العدة".
ولفت حسن جعلص إلى أن الزبائن قديما كانوا يقبلون على المحل للحام أجزاء فى وابور الجاز أو إستبدال ماتلف منه، ومع مرور السنوات وظهور جهاز البوتاجاز واستخدامه بمعظم المنازل،احتفظ عدد قليل من الأهالى خاصة سكان الأحياء الشعبية بالوابور لاستخدامه فى التدفئة، وبعضهم يأخذه معه داخل الحمام، كعادة اعتادوا عليها لسنوات، وأصبح زبائن المحل حاليا يأتون بالوابور لإصلاحه فى الشتاء فقط، كما يطلبون لحام الشيشة و أتقاضى عن ذلك خمسة جنيهات، كما يقبل أهالى القرى على المحل للحام ماكينات تصنيع الألبان.
واستطرد حسن جعلص: رزقنى الله بستة من الأبناء بينهم ثلاثة صبيان حصلوا على مؤهلات عليا، أما البنات مؤهلات متوسطة، ولدى مجموعة من الأحفاد، وبرغم فخر الجميع بى أمام الناس إلا أنهم لم يهتموا بتعلمها، كما حاولوا كثيرا إقناعى بغلق المحل أو الاعتماد على صنايعى بالأجر اليومي، حفاظا على صحتى بعدما تجاوزت السبعين عاما، إلا أنهم تراجعوا عن طرح الفكرة مرة أخرى أمام إصرارى على العمل ومواصلة مشوارى مع المهنة التى أعد آخر العاملين بها على مستوى المحافظة، إذ منحنى والدى خبرته فى العمل وصبره وقدرته على إحتواء الزبائن الغاضبين، وأوصانى قائلا: "أوعى الوابور بتاع الغلابة بنصلحه النهاردة بجنيه بكرة هيبقى بخمسين"، وهذا ما جعلنى أتمسك بالصنعة وأواصل عملى بورشة والدى بعد وفاته حتى الآن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة