أكرم القصاص - علا الشافعي

من الحلاج لـ نصر حامد أبو زيد.. كيف عانى المفكرون من محاكم التفتيش

الأحد، 05 يوليو 2020 03:00 م
من الحلاج لـ نصر حامد أبو زيد.. كيف عانى المفكرون من محاكم التفتيش نصر حامد أبو زيد
كتب محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التطرف والتعصب الدينى، عرفه الإنسان من القدم، وارتدى رجال الدين منذ بداية حقبة العصور الوسطى عباءة القمع لمن يخالفهم فى الرأى، فظهرت محاكم التفتيش، التى وصلت إلى محاسبة البعض فى حدود الإبداع، ووصل الأمر فى أغلب الأحيان إلى القتل والإعدام نتيجة اصطدام الآراء مع أصحاب الفكر المتشدد.
 
ونشأت محاكم التفتيش مع أواخر القرن الحادي عشر وبداية القرن الثاني عشر، وذلك للحفاظ على تعاليم الدين النقية من تلك الشوائب التي دخلت عليها من البدع والهرطقات التي بدأت تنتشر بين الناس.
وتمر اليوم الذكرى العاشرة على رحيل المفكر نصر حامد أبى زيد، إذ توفى صاحب "نقد الخطاب الدينى" فى 5 يوليو عام 2010، عن عمر ناهز حينها 66 عاما.
 
ويعد المفكر الراحل واحد من المفكرين والفلاسفة الذين تعرضوا لمحاكم التفتيش، وحاربه أصحاب الفكر المتطرف وحاسبوه على آراه، ورفضوا مواجهته بالفكر، لكنهم وجدوا فى المحاكمة والتعرض لشخصه وعقيدته، وسيلة للاختلاف، كما رأى غيرهم القتل والإرهاب وسيلة أخرى للوقوف أمام المختلفين معاهم فى الرأى، وكان من أشهر هؤلاء:
 

الحلاج

لم يسر المنصور بن حسين الحلاج، الفيلسوف والمتصوف المسلم الشهير، على نهج نظرائه من أعلام الصوفية، فقد كانوا هم يبيتون أمرهم على كتم مشاعرهم ووجدهم وأفكارهم وأسرارهم، وكانوا يؤثرون العزلة على الناس، تاركين أمر تدبير الخلق لله، أما هو فقد تملكته نشوة التعبير، فجهر بأفكاره وإحساساته في الأسواق ولعامة الناس، فقد تملكته نزعةٌ إصلاحية، حملته أخيرًا على أن يطرح خرقة الصوفية، وأن يكثر من التنقل في البلاد، يلقى الناس، ويسمع منهم.
 
كان الحلاج ممن يرى التصوف جهادًا متواصلاً للنفس، بالابتعاد بها عن متع الدنيا وتهذيبها بالجوع والسهر، وتحمل عذابات مجاهدة أهل الجور، وبث روح الثورة ضد الظلم والطغيان، فألقي القبض عليه وكانت نفسه قد تاقت للشهادة، ةدامت محاكمة الحلاج تسع سنوات قضاها في السجن يعظ السجناء، ويحرر بعض كتاباته، وسنة 922، أُخرج الحلاج من محبسه وجلد جلدًا شديدًا، ثم صُلب حيًا حتى فاضت روحه إلى بارئها. وفي اليوم التالي قطع رأسه وأحرق جثمانه، ونثر رماده في نهر دجلة، وقيل أن بعض تلاميذه احتفظوا برأسه.
 

ابن رشد

وقعت محنة ابن رشد سنة 1195م، واختلف الباحثون والمؤرخون في أسباب هذه المحنة التي حلت بابن رشد، وأرجعوها لأسباب ثلاثة: سياسية مردها إلى الخليفة ذاته الذي أراد أن يجمع قلوب الرعية حوله، وأسباب شخصية تتعلق بالخليفة ايضا، وهي أن ابن رشد عندما شرح كتاب "الحيوان" لأرسطو “ذكر الزرافة، وقال إنه رآها عند ملك البربر، ومثل ذلك لم يَرُقْ للخليفة الذي كان يسمي نفسه ويسميه من حوله أمير المؤمنين".
 
أمر الأمير بنفيه وتلامذته إلى قرية اليسانة التي كان أغلب سكانها من اليهود، وأحرق كتبه، وأصدر منشورًا إلى المسلمين كافَّة ينهاهم عن قراءة كتب الفلسفة، أو التفكير في الاهتمام بها، وهدد من يخالف أمره بالعقوبة، وبقى بتلك القرية لمدة سنتين، وبعد تأكد السلطان من بطلان التهمة السياسية التي كانت وراء تلك النكبة عفا عنه واستدعاه من جديد إلى مراكش وأكرم مثواه كأحد كبار رجال الدولة، ولكن الفيلسوف لم يهنأ بهذا العفو فأصيب بمرض لم يمهله سوى سنة واحدة مكث بها بمراكش حيث توفي سنة 595هـ/ 1198م.
 

السهروردى

الفيلسوف الإشراقى، كان أوحد أهله زمانه فى العلوم بارعا فى الفلسفة والأصول الفقهية، ظهر فضله للملك الظاهر فقربه وأقبل عليه وتخصص به، فازداد تغيظ المناظرين عليه ورموه بالإلحاد والزندقة، وكتبوا بذلك إلى الملك الناصر صلاح الدين وحذروه من فساد عقيدة ابنه الظاهر بصحبته للشهاب السهروردى وفساد عقائد الناس إذا أبقى عليه، فكتب صلاح الدين إلى ابنه الظاهر يأمره بقتله.
 
وخيَّره السلطان فاختار أن يموت جوعاً؛ لأنه كان له عادة بالرياضة، فمُنِعَ من الطعام حتى توفي في حلب سنة 587هـ، وقيل أنه قتل بالسيف، كما قيل أنه أحرق لكنهم اجتمعوا على أنه حكم عليه بالإعدام في تهمة الزندقة.
 

طه حسين

عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، كان أحد هؤلاء الذين ذهبوا إلى المحكمة، بسبب كتاباتهم، وذلك على خلفية صدور كتابه الشهير "فى الشعر الجاهلى"، والذى اعتبره الكثيرون وقتها مسيئا للدين الإسلامى، وبحسب كتاب "محاكمة طه حسين" للأديب الكبير الراحل خيرى شلبى، فإن المحاكمة بدأت بعدما تقدم عبد الحميد البنان عضو مجلس النواب حينها بدعوى أن كتاب "فى الشعر الجاهلى"، طعن وتعدى على الدين الإسلامى- بعبارات صريحة واردة فى كتابه سنبينها فى التحقيقات"، وبعد شهور من التحقيقات، قرر المحقق حينها براءة الدكتور طه حسين من تهمة الإساءة للدين، مؤكدا أن ما ورد فى الكتاب كان بهدف البحث العلمى.
 

نصر حامد أبو زيد

"نقد الخطاب الدينى" كان ذلك الاسم الذى عنون به المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد، رسالته لنيل درجة أستاذ فى قسم اللغة العربية، الذى تقدم بها للجنة العلمية فى جامعة القاهرة خلال العام الدراسى فى عام 1992، وذلك حسبما تدور الأعراف الأكاديمية بأن يحصل الباحث على ترقياته العلمية عبر خطوات معروفة ومحددة، حيث تقدم أبو زيد ببحثه إلى لجنة من كبار الأكاديميين لتعتمده ونشره كتابًا أكاديميًا يدرسه الطلبة كمقرر علمى.
 
تقدم "أبو زيد" بالفعل إلى لجنة الترقيات ببحثه الذى يحمل العنوان سالف الذكر، وكانت تضم فى عضويته كلاً من "عبد الصبور شاهين، ومحمد عونى عبد الرؤوف، ومحمود مكى"، وفى حين أشاد كل من مكى وعبد الرؤوف بالبحث، وقدما تقريرًا يشيد بمنهجية أبو زيد العلمية، كان موقف عبد الصبور شاهين، على النقيض تمامًا، بل إنه لم يتطرق لمنهجية البحث ومدى دقته البحثية والعلمية، لكنه لجأ إلى التفتيش فى عقيدة أبو زيد، متهمًا إياه بالتشكيك فى الغيبيات وتمجيد الماركسية.
 
دراسة نصر حامد أبو زيد، لم تقف عند حدود باب الجماعة فقط، بل وصلت إلى حد إصدار المحكمة حكما شرعيًا بتفريقه عن زوجته، إلا أن أبو زيد اتخذ قراره بترك مصر موليًا شطر هولندا التى عينته أستاذ كرسي فى جامعة ليدن.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة