ما أجمل أن تُقرر إسْعاد غيرك بدون مُقابل، أي أن هدفك يكون مُنصبًا على مُجرد الرغبة في سعادته، فهذا الإحساس يكفي لسعادة الطرفين، فمن يُغدق السعادة، يشعر بالرضا، ومن يحصل على السعادة يشعر بها، فالسعادة ليست مُقتصرة على الحصول عليها فقط، بل إن مبتغاها يمتد لمرحلة الرغبة في تحقيقها للآخرين.
سَلْ نفسك، كم من مرة حاولت فيها أن تُسْعِد شخصًا يُحبك؟ وكم مرة حاولت فيها إسعاد شخص تُحبه؟ وكم مرة حاولت فيها إسعاد شخص تفانى في إسعادك؟ وكم مرة أسْعدت فيها شخصًا لا تعرفه على الإطلاق؟
فسمو السعادة يبدأ من حيث رغبتنا في تحقيقها للغير، فمُجرد أن ترى وجهًا ارتسمت عليه علامات البِشْر والحُبور، فهو قمة السعادة لذاتك.
وأعترف أنني قابلت أشخاصًا كانوا سببًا في سعادتي، ولن أنسى فضلهم متا حييت، فهناك من ساعدني في تحقيق طُموح معين في عملي، وهناك من دلني على طريق تحقيق أحلامي في النجاح والتألق، وهنتاك من أسْعده نجاحي، واعتبره كأنه نجاحًا خاصًا به، فكل هؤلاء رسموا البسمة على شفتاي، فهل يُمكن أن أنساهم ما حييت؟َ! وهل يمكن أن أنكر فضلهم مهما وصلت وعلا شأني؟!
بالطبع لا، فهؤلاء أخذوني من لحظات أليمة، ودفعوني إلى دنيا جميلة، ممتلئة بالأمل، فامنحوا لغيركم السعادة، حتى لو كنتم لا تشعرون بها، فقطعًا سيأتي يوم، وتجدون من يهبها لكم بدون أي غرض، فالسعادة تتحقق بتفاصيل صغيرة لن تُكلفنا كثيرًا، ولكنها ستترك أثرًا كبيرًا لدى الغير، وستظل بصمتها محفورة، لا يُمكن أن يمحيها الدهر.
فهل سمعتم قصة الرجل العجوز الذي سقط على رصيف في أحد شوارع نيويورك؟ فذلك الرجل حملته سيارة الإسعاف إلى المستشفى، واستطاعت الممرضة أن تقرأ الأوراق الموجودة في محفظته، اسم نجله وعنوانه، وكان في الجيش البحري، فأرسلت إليه رسالة عاجلة، فحضر على الفور، وعندما وصل إلى المستشفى، قالت الممرضة للعجوز الذي كان مُغطى بكمامة الأكسجين: "ابنك هنا"، فمد الرجل يده، وهو تحت تأثير المخدر، وأخذها الشاب المُجند، وضمها إلى صدره بحنان لمدة أربع ساعات، وبين الحين والآخر، كانت الممرضة تطلب من الشاب أن يستريح، أو يسير قليلاً، فكان يعتذر بلُطف، وعند الفجر، مات الرجل العجوز، فقال الشاب للممرضة: "من هذا الرجل؟" فأجابت الممرضة: "أليس أباك؟!"، فقال: "لا، ولكنني رأيته يحتاج إلى ابنه، فمكثت معه".
فهذا السلوك يُنْبئ عن مدى سعادة الإنسان عندما يُساعد غيره، ويُحاول إسْعاده، حتى لو كان لا يعرفه، فهذا هو المعنى والهدف الحقيقي للسعادة.