القارئ محمد أبوزيد يكتب: أولادكم ليسوا لكم

الجمعة، 24 يوليو 2020 05:00 م
القارئ محمد أبوزيد يكتب: أولادكم ليسوا لكم اب وام مع ابنهما

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دُعيت مُصادفة منذ فترة لحضور مناقشة رسالة الماجستير لصديق لى وبالفعل ذهبت وكان لها من الأثر العظيم فى نفسى، لم يكن نجاحا أكثر من لحظة لحصاد لأعوام كفاح وتعب لأم بسيطة كانت تعمل حارسة العقار المقابل منذ أكثر من عشر سنوات، أب متوفى، وابن وحيد وهى وحدها تحملت الكثير من أجله سخافات وتعالى، جهد ومشقة لتلبية اثنى عشر أسرة لأولادهم وضيوفهم، هذا غير متطلبات نظافة العقار، كل هذا لم يمنعها أبدا من التركيز مع الابن الذى مات أباه وهو بمرحلة الإعدادية، وقد أصرت وهيأت له كل السبل لكى يكمل المسيرة، ولم تسمع لأصوات من حولها 
 
"ما تقعديه منها خليه يساعدك" وآخر "يعنى هيطلع دكتور ياختى" وآخر هددها بالرحيل بعدما قطعت ما يزيد عن عقد من الزمن قال "بقولك إيه لو مش هتقدرى امشى منها، كل شوية مع الواد فى المدرسة" إلخ من هذه الأقاويل.
 
وفى المقابل كان من يراها مكافحة، يساعدها بكتب الدراسة للعام الذى قضاه ابنه أو ابنته، أو تتحايل على أحد السكان بتلبية الكثير من الطلبات المنزلية مقابل احتياج ابنها توضيح لبعض المسائل الصعبة، هذا لم يمنع حنيتها ودعمها له بكلمات، شطور يا دكتور، وذلك كان فى مرحلة الإعدادية، ولم تقف عنها وكلمات أخرى، كان لها قطعا أثر، لم تملك علمًا، ولا ثقافة، بل جهد ومشقة، وكلمات تشجيع وثقة، ومحبة. 
 
حينا كنت اتفكر لما تفعل هذا وتبكى وفاة زوجها، أو تسمع صوت الجماهير المطالبة لها بأن يترك الدراسة ويعمل معها مما يرون منه من ذكاء وتحمل الشقاء مثل أبيه؟ لكنها أبَت، وأدخلته الجامعة، وبالطبع كان يعمل مع الدراسة ويساعدها بحب حتى آن الآوان، وفى ذات صباح بعد تخرجه بسنوات، اليوم هى تشهد حصاد كل هذا.
 
فى المقابل الآخر هناك جار آخر كان ممن يشاركنا اللعب، كنا نلقبه يا "فنان" لكنه كان فنانا يرسم بشكل دقيق ومقلد فنانين باحترافية، كان ساخراً لأبعد الحدود كان يكتب قصصا طفولية بارعة، وبالتدريج، بدأ يفقد كل هذا رغم أنهم ميسورو الحال ماديًا، لكن للأخ والأم رأى آخر كل من لهم عداء معه ولعب مع أبنائه أقصد الفنان سابقا، يُلطم على وجهه ويقال له "ملكش دعوة بيهم دول مش بيحبونا، أو دول بيحقدوا علينا" هذا غير عقاب أخطاء كانت بديهية بالنسبة لسِنه، مع العلم كان أخاه على دراية ليست بدرجة الجاهل، ذات يوم ضربه "بترابيزة" المكواه أمامى، وأخرى:  رَشق "سَبت العيش" فى رأسه لكن إذا سب أو شتم من يخالفه كان يداعبه، فهو بالطبع يُخلص ما فى نفسه تجاه أعداءه.
كبرنا أصبح الأول كما أخبرتكم طبيبا، والأم جلست لتأخذ راحتها من شقاء الأيام، أما هذا الفنان سابقا، فقد قُتلت مواهبه وانطفأ نور وجهِ البرىء، وتَحّول لحاقد ليس على الآخرين فحسب، بل انقلب السحر على الساحر، ومَقت أخاه وأمه، فلم يوفر له ما وفره الآخرون لأقرانه، وهذا غير ثأر ما مات بداخله، وعمل أخيرًا بعد مرحلة "الصنايع" كهربائى، كل همه جمع المال، وعلى الجانب الآخر السخرية من ذاك الطبيب ومُعايرته فى غيابه، لأن أمه كانت حارسة عقار بكلمات، كـ"يدى الحلق..." أو "تربية مَرة".
 
هذا ما جرى فى آن واحد لنفس الشخصين، ومع مرور نفس الوقت، هذا دعم بكلمات وحب وعدم استسلام، وهذا زرع حقد وبغض وتهاون بموهبته، لم تكن حارسة العقار على علم ولا تملك المادة لكنها تعلم فقط أن العلم وحده يكفى أن ينتشل ابنها مما فرض عليها هى وابيه، أما هؤلاء أخ وام  متعلمان ويعلمان ما معنى الموهبة لكن الحقد الذى بداخلهما قتل ما بداخله، فربما كان يصبح فنان كاتب او ممثل أو رسام كاريكاتير ذات شأن وبذلك يرد لهم أيضا اعتبار يرونه إهانة والحق لم تكن إهانة بل كانت تحقير للحقد لما فى نفوسهم ليس إلا فاعتبروا أنفسهم مجنى عليهم واصروا ان يكون الفنان سابقا، حاقد اخر.
 
لا تُدخلوا أولادكم فى صراعات وتراكمات نفسية ليس لهم فيها ذنب ولم يقترفوها أو هم سبب فيها، اعلم أن الكثير من آباءنا وأمهاتنا الأفاضل يبذلون جهودا كبيرة، لكن رفقًا بهم وقت النصح فما اثقل النصيحة على النفس وهم فى النهاية لهم تجربتهم الخاصة فلن يكرروا تجربتكم ولا تنتظروا ابدا ذلك، واتركوهم للحياة تعطيهم وتأخذ منهم، وكما يقول جبران خليل جبران:- أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة