إن الحروب عادةً ما تكون لتحرير أرض أو للاستيلاء عليها أو علي ثرواتها، ولكننا بصدد حرب من أجل الحياة، حرب أول جندي فيها التفاوض وآخر جندي هو السلاح، فالحياة تدوم بلا كهرباء ولكنها تنتهي بلا ماء.
من أقصي الجنوب حيث إثيوبيا التي قررت بين يوم وليلة أن تضاعف حجم سد مائى قد شرعت في بنائه لتوليد الطاقة الكهربائية ليصبحوا حدًا من أكبر السدود في العالم، ليحجز خلفه ما يقرب من 74 مليار متر مكعب من الماء، مما يؤثر بشكل واضح علي حصة مصر والتي تقدر حالياً بـ 55 مليار متر مكعب سنوياً أي أن نصيب الفرد 55 متر مكعب سنوياً، وهو الذي يعد طبقاً للمواثيق العالمية تحت خط الفقر المائي، بالإضافة الي المخاوف من انهيار السد نظراً لطبيعة التربة الطفيلية التي قد لا تتحمل هذا الحجم الكبير من الماء، فينهار لتغرق السودان ودلتا مصر.
وبعد قرابة العشر سنوات من المفاوضات الثلاثية والوساطات الخارجية من أجل الوصول لاتفاق يتضمن دراسات هندسية وفنية للوقف علي معدلات الأمان وشروط الملء ومواسمه، لكن مازالت إثيوبيا تتملص مراراً وتكراراً لتكتسب الوقت من أجل إتمام مشروعها، بالإضافة الي التصريحات العنترية لرئيس الوزراء والتي يعتقد أنه بها سوف يستدرك مصر لتحرُك غير مدروس لتكن إثيوبيا أمام العالم في موقع الضحية لتطلب الحماية الدولية، ولكن مصر تتحرك بخطوات دبلوماسية وسياسية وقانونية مدروسة مستندة إلي اتفاقيات دولية وأوراق قانونية، حتي إذا وصلت الي آخر المطاف واضطرت إلي اللجوء إلي الحل العسكري يكون تحت مظلة الدفاع عن النفس والأمن القومي بل الدفاع عن الحياة وأنا أطلق علي هذه الحرب
"حرب الخطاء الواحد"، فمن يخطأ أولاً .. يندم كثيراً.
أما الشرق حيث سيناء وحروب الجرذان، فالبحث عن فأر في غرفة صعب، فما بالك بالبحث عنه في 60 ألف كيلومتر إجمالي مساحة سيناء، فلا يمكن تفجير بيت يعيش فيه مواطنين شرفاء من أجل القضاء علي فأر هارب وسطهم، لهذا تعد العمليات العسكرية في سيناء كالعمليات الجراحية تتطلب دقة ووقتا من أجل الحفاظ علي الأبرياء، وقواتنا المسلحة بالمرصاد رغم كل العمليات التي ينفذها التكفيريون من أجل إحباط عزيمة الشعب وخلق عدم ثقة في الادارة المصرية، ولكن مصر عصية أبية تدرك عدوها و يضحي أبنائها بدمائهم حفاظاً عليها وعلي شعبها.
إن مصر التي بصدد أربع حروب شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، لم تترك أبداً حربها الخامسة.