أثبتت أزمة الوباء العالمي "كورونا" المستجد وجوب تطوير آليات ممارسة تحقيق العدالة الرقمية، وعلى ما يبدو أن العالم العربي يقوم بتعزيز جهود خطة تطوير المنظومة القضائية بعد وباء "كورونا" المستجد، لتيسير العمل بالنسبة للقضاة والمحامين، وموظفو المحاكم والنيابات والإداريين وكل العاملين في الحقل القانوني فنياً وإجرائياً وقضائياً.
كما يجب العمل علي تحسين أدوات عمل المحامي لتيسير الإجراءات وضمانا لاستيفاء الحقوق بأسهل الطرق وفى أسرع وقت، باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تحقيق الولوج المستنير لمرفق العدالة لتسهيل التواصل بين مختلف الفاعلين في ميدان القانون.
وبهذا نكون أمام آلية جديدة من الناحية القضائية لتطبيق نظام قضائي جديد قائم على أسس وقواعد وتشريعات قضائية في ظل عصر التطور المعلوماتي وهي الاهتمام بالتقنية الرقمية؛ التي جعلت من العالم عبارة عن قرية صغيرة، حيث أصبح كل شيء قابلاً للتحول إلى أشكال رقمية إلكترونية.
كما يفرض التقاضي عن بعد أسلوباً غير مألوف في تسيير الإجراءات والمعاملات القضائية، وذلك بالتحول من الإجراءات المعتمدة كلياً على الورق إلى استخدام الوسائل الإلكترونية المستحدثة في قيد الدعوى، ومباشرة إجراءاتها، وحفظ ملفاتها.
وتقوم فكرة التقاضي عن بعد على تشبيك الأجهزة القضائية كلها، وضمها ضمن إطار تفاعلي واحد، وذلك يستلزم البدء من عمل كل دائرة قضائية على حدة، وربطها معاً لتؤدي عملها عبر الوسائل الإلكترونية، ولتجري الاتصالات بين المؤسسات القضائية عبر الوسائل ذاتها، وتقوم قواعد البيانات مقام المحررات الورقية؛ الملفات، والأرشيف، على نحو يتيح سرعة الوصول إلى المعلومات، وسرعة استرجاعها والربط فيما بينهما، وميكنتها عن طريق الإسراع في التحول الرقمي والميكنة، وتطوير ورفع كفاءة مقرات المحاكم، وذلك بغرض التسهيل على المواطنين، والحد من حالة التكدس والازدحام داخل المحاكم والنيابات للحفاظ على صحتهم.
وهذا ما يميز نظام التقاضي عن بعد، حيث إنه حدد إطاراً للتعامل مع المرفق القضائي وليس فقط في الإجراءات القضائية داخل المحاكم، وإنما شمل مراحل التقاضي التقليدية ليصبح وفق إطار إلكتروني؛ أي عن بعد. وهذا يكون وفق توظيف القواعد العامة لقانون المرافعات المدنية دون استبعاد أي منها، بل تطويعها للعمل بموجب هذا النظام مع وجوب تدخل تشريعي بتعديل البعض منها، مع تلافي العيوب التي يتضمنها نظام الدعاوى الورقية التقليدية: والتي منها صعوبة الاطلاع على الدعاوى من قبل الخصوم، صعوبة تبادل المذكرات، صعوبة إرسال الدعوى، إمكانية التلاعب في المستند الورقي المرفق مع الدعوى، وسهولة تعرض المستند للسرقة، وسهولة إتلافه من خلالتأثير عوامل الزمن باستهلاكه وإتلافه نتيجة الأساليب البالية؛ خلال عمليتي التخزين والنقل داخل المحاكم.
لذلك فإن جميع المعوقات والصعوبات التي تواجه تداول الدعوى بالطريقة التقليدية في الوقت الحاضر وبعد انتشار الوباء العالمي الذي أجل النظر في الكثير من الدعاوي لأسباب عديدة وأهمها حضور المدعين أو من ينوب عنهم وخلافه. لذلك برزت ملامح تقديم الدعوى عبر الانترنت للمحاكم الإلكترونية أسهل وأيسر في هذا الوقت، والتي تبدأ بقيام المدعي بعرض دعواه عن طريق الموقع الإلكتروني الخاص بالمحكمة أو بالمحامي المعلوماتي على شبكة الإنترنت، وذلك بعد قبول توكيل من قبل المدعي به بوكالة قانونية صادرة من الجهة المختصة.
فلذلك يكون على المتقاضي المعلوماتي إذا توافرت لديه الرغبة في إقامة الدعوى عن بعد، أن يقوم بإرسال عريضة الدعوى عبر البريد الإلكتروني للمحكمة المرادة من خلال الموقع الإلكتروني المخصص، وبحيث يكون هذا الموقع متاحاً 24 ساعة يومياً وطيلة أيام الأسبوع، ليتم إستلام هذه العريضة وكافة المستندات المرفقة بها بمعرفة الشركة القائمة علي إدارة هذا الموقع، والتي تقوم بدورها بإرسال العريضة إلى المحكمة المختصة، حيث يتسلم ملف الدعوى للموظف المختص بقلم كتاب المحكمة، والذي يقوم بدوره بفحص المستندات، والتأكد من هوية المستخدم، ثم يقرر قبولها من عدمه، ومن ثم يرسل للمتقاضي رسالة إلكترونية يعّلمه بإستلام ملف الدعوى، والقرار الصادر بشأنها.
وان ما يميز نظام التقاضي عن بعد، سهولة الاطلاع على ملف الدعوى عن بعد، وإمكانية تبادل المذكرات عن بعد، وتقديم الطلبات بذات الوقت دون تأجيل الدعوى لأكثر من أجل، بالإضافة إلى ذلك التخلص من الأعمال الروتينية؛ كالتحرك لأكثر من جهة لإيداع الدعوى وتسجيلها، وتسديد رسومها بإحدى وسائل الدفع الإلكترونية، وإجراءات الإعلان، وسهولة الانتقال وتوفير الوقت، لأن أصبح لا حاجة للذهاب إلى مقر المحكمة للاطلاع على قرار المحكمة أو الحكم الصادر في الدعوى، ولا حاجة للسفر لحضور الجلسات، مع إمكانية إرسال ملف الدعوى بشكل فوري من محاكم الدرجة الأولى إلى محاكم الدرجة الثانية، أو عند إرسالها إلى مكاتب الخبراء أو الطب الشرعي، مع ضمان حق الخصوم بأن ما قرره الخصم أو الشاهد يتم إثباته بمحاضر الجلسات والسجلات لتحقيق الشفافية في التعامل مع الدعوى، كما سهولة حفظ القضايا وسرعة تداول الملفات مع توفير النفقات والجهد والوقت في عملية انتقالالمبلغ إلى موطن المدعى عليه.
وبالإضافة إلى ما سبق فإن هذا النظام له آثار إيجابية أخرى، والتي من أهمها اختفاء النظام الروتيني، وإحلال المحررات الإلكترونية بدلا من المستندات الورقية عبر شبكة الإنترنت، والسرعة في إنجاز إجراءات التقاضي، بالإضافة إلى توفير الوقت والجهد والتكلفة، كما نتفادى عيوب الخطوط اليدوية على المستندات الورقية التي يصعب قراءتها ولاسيما من جانب الكتبة.
وبوجود هذا النظام يكون النظام القضائي قد حقق نقلة نوعية لمواكبة التطورات التشريعية لاستثمار وسائل تقنية علمية حديثة لتحقيق أهداف القضاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة