تنشأ العديد من الأزمات والمشكلات التي تنشأ بين البائع والمشترى في مجال سوق العقارات، وبالأخص فى حالة اكتشاف المشترى أن الشقة أو العين التي قام بشرائها من البائع قد بيعت لشخص أو عدد من الأشخاص، ليتفاجأ أنه أمام عملية نصب ممنهجة لـ "تحويشة العمر"، دون أن يدرى ما هو الموقف القانوني له عند الوقوع فى الأزمة.
وهنا نكون أمام إشكالية ما الذى يجب على الإنسان فعله إذا وجد نفسه فى مواجهة شخص لا يعرفه، أو مجموعة أشخاص اشتروا جميعاً نفس الشقة، ما الإجراء السليم فى هذه الحالة، ولمن تثبت ملكية الشقة؟ أو بمعنى أدق من الأحق بالحماية فى حالة تعدد البيوع على ذات العين وأيهما يكون باطلا- وكيفية معرفة حقيقة وصحة العقد الأسبق فى التاريخ المعطى للعقدين، وما دور محكمة النقض في التصدي لتلك الأزمات؟.
لو لقيت شقتك متباعة لأكثر من شخص..تعمل إيه؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية الأحق بالحماية فى حالة تعدد البيوع على ذات العين، ومسألة تعادل سندات المشترين لعقار واحد بأن يكون لكل منهم عقد ابتدائي، وبين أن يكون أحدهم مسجلا هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، بين ما إذا كان البائع لهما هو المالك للعين المبيعة فعلاً أم غير المالك – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض ممدوح العوادلى.
فى البداية – يجب أن نعلم أن هذه الحالة تسمى قانوناً تزاحم المشترين أى وجود أكثر من شخص اشترى ذات العقار من نفس البائع "المالك الحقيقى"، وجميع العقود ترد على عقار واحد، وجميعها صحيحة ومكتملة الأركان، وطبقا لنص المادة 9 من القانون 114 لسنة 1946، التي تشترط التسجيل لنقل الملكية، فإن الأولوية تكون لمن يسبق من المشترين المتزاحمين ويسجل عقده، حتى لو كان متأخراً فى التاريخ الفعلي، أو كان سيئ النية بتواطئه مع البائع – وفقا لـ "العوادلى".
محكمة
وقد تواترت الأحكام القضائية على أن الأولوية تكون بالتسجيل، ولم يكن أمام باقى المشترين سوى الرجوع على البائع الذى غالبا ما يكون قد هرب، ويتم الرجوع عليه جنائياً بجنحة نصب، أو مدنياً بالطعن على العقد الذى تم تسجيله بدعوى عدم صحته ونفاذه فى مواجهتهم، فى محاولة لرد المبيع لملكية البائع ثم محاولة أى منهم القيام بتسجيل عقده عن طريق الحصول على حكم بصحته ونفاذه وإشهاره إذا توافرت الشروط – الكلام لـ "العوادلى".
3 حالات حددها المشرع فى تزاحم المشترين
فى البداية – يجب التفريق بين تعادل سندات المشترين لعقار واحد بأن يكون كلاً منهما عقود ابتدائية، وبين أن يكون أحدهما مسجلا من ناحية، ومن ناحية أخرى، بين ما إذا كان البائع لهما هو المالك للعين المبيعة فعلاً أم غير المالك، وذلك من خلال 3 عناصر رئيسية:
1-إذا كان عقد شراء كل منهما ابتدائياً، فإن تسلم أحدهما العين من البائع تنفيذاً للالتزامات الشخصية التى يرتبها عقده في ذمة البائع له لا يجوز معه نزع العين من تحت يده وتسليمها إلى المشترى الآخر إلا بعد تسجيل عقده، وذلك طبقا للطعن رقم 15901 لسنة 82 جلسة 11 مايو 2014.
2-أما إذا كان أحدهما سجل عقده فيكون من قام بالتسجيل أولاً هو الأحق بالعقار إلى حين ثبوت مدى صحة عقده من عدمه، إعمالاً لقاعدة أن: "التسجيل لا يطهر العقد من العيوب"، حيث قضت محكمة النقض: "أن مؤدى نص المادة التاسعة من القانون 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقارى، وجوب شهر جميع التصرفات المنشئة للحقوق العينية العقارية الأصلية ويترتب على عدم الشهر ألا تنشأ هذه الحقوق، ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول لا بين ذوي الشأن ولا بالنسبة للغير، مما مفاده إجراء المفاضلة عند تزاحم المشترين في شأن عقار واحد على أساس الأسبقية في الشهر ولو نسب إلى المشتري الذي بادر بالشهر التدليس أو التواطؤ، طالما أنه قد تعاقد مع مالك حقيقى لا يشوب سند ملكيته عيب يبطله"، وذلك طبقا للطعن رقم 13544 لسنة 81 جلسة 26 ديسمبر 2013.
3-أما إذا اختلف البائعون إلى المشترين المتزاحمين فإنه لا يكون هناك محل لإعمال قاعدة الأسبقية في التسجيل إنما تكون العبرة بتحديد المالك الحقيقي من بين البائعين المتعددين للمبيع، إذ يصح العقد الصادر منه وتُهدر باقي العقود لعدم نفاذها في حقه وحق المشتري منه؛ إذ أن التسجيل وحده لا يكفي لنقل الملكية إنما شرط ذلك أن يكون البائع مالكاً للعين المبيعة، ومن ثم يفضل المشتري من المالك على المشتري من غير مالك ولو كان الأول لاحقاً في التسجيل أو لم يسجل عقده أصلاً.
لكن ما هي الكيفية التى يتم بها معرفة العقد الأسبق في التاريخ فقد يعطى المتعاقدين تاريخ غير حقيقي للعقد؟
لكن ما هي الكيفية التى يتم بها معرفة العقد الأسبق في التاريخ فقد يعطى المتعاقدين تاريخ غير حقيقي للعقد؟ الأصل أن التعرف على العقد الأسبق في التاريخ يكون بالتاريخ المعطى للعقد، وفي حالة عدم المنازعة في صحته، ولا يغير من ذلك عدم إثبات تاريخ هذا العقد، إلا أنه في حالة المنازعة على التاريخ المعطى للعقد فإن التعرف على العقد الأسبق في التاريخ يكون بثبوت تاريخه في الشهر العقاري من خلال التقدم بطلب الشهر أو في أي ورقة رسمية أو أي حالة من الحالات المنصوص عليها بالمادة 15 من قانون الإثبات، وفي معنى ما تقدم توجد تطبيقات قضائية لمحكمة النقض كُثُرُ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
تطبيقات قضائية لمحكمة النقض:
المقرر في قضاء محكمة النقض أنه متى تعادلت سندات المشترين لعقار واحد بأن كان عقد شراء كل منهما له ابتدائياً فإن تسلم أحدهما العقار من البائع تنفيذاً للالتزامات الشخصية التى يرتبها العقد بينهما لا يجوز معه نزع العين من تحت يده وتسليمها إلى المشترى الآخر إلا بعد تسجيل عقده وثبوت أفضلية له فى ذلك، وذلك طبق للطعن رقم 15901 لسنة 82 جلسة 11 مايو 2014، كما أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه اذ لم يسجل المشتريان لعقار واحد عقديهما فانه لا يكون ثمة محل للمفاضلة بين البيعين وذلك بسبب تعادل سندات المشترين، ومن مقتضى ذلك أنه إذا كان المشترى الأول قد تسلم العقار المباع من البائع له أو ورثته من بعده تنفيذاً للالتزامات الشخصية التى يرتبها العقد، فإنه لا يجوز بعد ذلك نزع العين من تحت يده وتسليمها إلى المشتري الثاني إلا بعد تسجيل عقده وثبوت أفضلية له بذلك، وذلك طبقا للطعن رقم 2092 لسنة 49 ق جلسة 13 ديسمبر 1990.
طعن أخر بين شركة ومشترى
إذ كان الثابت من الأوراق أن الطاعن تسلم شقة النزاع مشتراه بالعقد المؤرخ 5 أبريل 2003 من الشركة المطعون ضدها الثانية البائعة له ووضع اليد عليها ولم تدع المطعون ضدها الأولى وضع يدها عليها بمناسبة شرائها لها من ذات الشركة بالعقد المؤرخ 10 سبتمبر 2001 وخلت الأوراق بدورها، مما يفيد حيازتها لها حيازة فعلية في أي وقت من الأوقات، وهو ما دعاها إلى توجيه إنذار على يد محضر إلى الشركة البائعة بتاريخ 28 فبراير 2007 تطالبها فيه بتسليمها تلك الشقة تنفيذاً للعقد مشتراها، وذلك لرفض الأخيرة تسليمها لها.
ومن ثم فإنه لا يجوز نزعها من تحت يد الطاعن وتسليمها للمطعون ضدها الأولى لعدم وجود أفضلية لها لتساويها معه في سنده بعقد بيع ابتدائى صدر من نفس البائع وذلك عملاً بأحكام القانون المدني في شأن المفاضلة بين المشترين الواجبة التطبيق على واقعة النزاع على نحو ما سلف بيانه، ولما كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وقضى ببطلان العقد مشترى الطاعن لكونه لاحقاً وفق ما تقضى به المادة 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 وإخلاء شقة النزاع وتسليمها للمطعون ضدها الأولى رغم عدم انطباق هذا القانون، فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وذلك طبقا للطعن رقم 15901 لسنة 82 جلسة 11 مايو 2014.
بيع ملك الغير تصرف باطل
المقرر في قضاء النقض أن المشرع إعمالاً للمادة 23/1 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر قد حظر على مالك المكان بيعه لمشترٍ ثان بعقد لاحق بعد سبق بيعه لمشتر آخر، ورتب على مخالفة هذا الحظر بطلان التصرف اللاحق بطلاناً مطلقاً متعلقاً بالنظام العام لمخالفته لأمرٍ ناهٍ، مما مؤداه زوال كافة الآثار التى رتبها هذا العقد وعودة الأوضاع إلى حالها قبل إبرامه كلما كان ذلك ممكناً، ولا يسوغ القول بأن تدخل المحكمة الجنائية يعتبر لازماً لتقرير بطلان عقد البيع اللاحق في شأن الوحدة ذاتها إعمالاً للنص آنف البيان، إذ أن البيع اللاحق أبرم بالمخالفة لقاعدة آمرة تعد بذاتها مصدراً مباشراً لبطلانه ومجرد إعمالها يعتبر كافياً لإيقاع الجزاء المقترن بها، وذلك طبقا للطعن رقم 4890 لسنة 66 جلسة 6 ديسمبر 2010.
عقوبة من باع أو أجر بعقد غير مشهر
إذ كان مناط المفاضلة بين العقود أن تكون كلها صحيحة وكان النص في المادة 135 من القانون المدني أنه: "إذا كان محل الإلتزام مخالفاً للنظام العام أو الآداب كان العقد باطلاً"، هذا ولا يجوز أن يتعارض محل الإلتزام مع نصٍ ناهٍ في القانون لأن مخالفة النهي المقرر بنص في القانون تندرج تحت مخالفة النظام العام والآداب بحسب الأحوال، ولما كانت المادة 82/1 من القانون رقم 49 لسنة 1977 قد نصت على أن:
"يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة شهور وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألفي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أجر مكاناً أو جزءاً منه أو باعه ولو بعقد غير مشهر وكان ذلك التأجير أو البيع على خلاف مقتضى عقد سابق ولو كان غير مشهر صادر منه أو من أحد شركائه أو نائبهم ومفترض علم هؤلاء بالعقد الصادر من أيهم "ولئن كانت لم تنص صراحة على البطلان بلفظه جزاء مخالفتها كما فعل القانون 136 لسنة 1981 في المادة 23/1 منه إلا أن مقتضى الحظر الصريح والذي عاقب على مخالفته بعقوبة جنائية يرتب هذا الجزاء وإن لم يصرح به، وذلك طبقا للطعن رقم 2336 لسنة 56 جلسة 26 يناير 1994.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة