صفحات من سيرة الفقه والدم 2.. مدونات شياطين الخطاب الدينى بين التقيّة وحلم الخلافة وجبال أفغانستان.. 28 كتابا تؤسّس للإرهاب من إخوان البنا للقاعدة.. وقطب وعبدالرحمن وفرج وفضل وعزام والقرضاوى أبرز مرجعيات القتل

الجمعة، 08 مايو 2020 11:37 ص
صفحات من سيرة الفقه والدم 2.. مدونات شياطين الخطاب الدينى بين التقيّة وحلم الخلافة وجبال أفغانستان.. 28 كتابا تؤسّس للإرهاب من إخوان البنا للقاعدة.. وقطب وعبدالرحمن وفرج وفضل وعزام والقرضاوى أبرز مرجعيات القتل مدونات شياطين الخطاب الدينى بين التقيّة وحلم الخلافة وجبال أفغانستان
حازم حسين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- 5 كتب ورسائل متطرفة بتوقيع البنا و6 لسيد قطب و5 عمر عبدالرحمن.. والفريضة الغائبة وكتابا عبدالله عزام و4 للدكتور فضل و5 للقرضاوى تمثل مدونة التكفيريين والإرهابيين والجماعات الإسلامية المسلحة بالقرن العشرين

- مؤسس الإخوان يعتمد "التقيّة" ويستند إلى مفهوم الفرقة الناجية لتسويق الجماعة واستلاب وعى الأعضاء

- سيد قطب يتدرَّج فى الحرب على العالم.. ويستعير أفكار المودودى ليُكفِّر ديار الإسلام ويُبرِّر القتل

- عُمر عبد الرحمن يفتح النار على المجتمعات الإسلامية المعاصرة بتأويل منحرف لآيات سورة التوبة

- الدكتور فضل يُؤسِّس مُنطلقات الجهاديين لتبرير حروب العقيدة.. ويتّهم الإسلام بأنه "دين إرهاب"

- قاتل السادات يُقدِّم القتال على الصلاة وفروض الأعيان.. ويُلزم الجميع بحمل السلاح تحت راية الدين

- الإخوانى الفلسطينى عبد الله عزام يُروّج لعالمية الجهاد.. ويدعو إلى تطبيق تجربة أفغانستان فى دول المنطقة

- يوسف القرضاوى يسير على طريق البنا فى "فقه التلوّن".. ويُنتج خطابات مُراوغة لتسويق أفكار العنف
 
 
عاش الإسلام بضع عقود من رحلته صافيًا لا تُخالطه شائبة، لكنّ سنوات الفوضى والتناحر التى اندلعت شرارتها فى السقيفة عقب وفاة الرسول، وتعالت نيرانها مع الفتنة الكبرى وصراعات الحُكم، ثمّ تأبيد سلطة الأُمويِّين وفق آلية "أوتوقراطية" تتجاوز الشورى والقبول العام، تركت آثارًا مُباشرة على وعى المُشتغلين بالفقه. ربما كانت أفكار أحمد بن حنبل مشحونةً بهذا التراث، ومن ورائه ابن تيمية وابن القيِّم وصولاً إلى الوهابية وأبوالأعلى المودودى، لكن رغم هذا المسار المُتّصل من تشدُّد الحنابلة، فإن تطوُّرات السياسة الحديثة أنتجت محنة شبيهة بفتنة العصور الأولى، وكما كان تراجع الدولة وغزو التتار حافزين للحنابلة الأوائل، فإن سقوط الدولة العثمانية، وتفكيك المنطقة واستعمارها، كانت حوافز مُبتكرة لطابور جديد من الإسلاميين المُنحازين لخطابات العنف، لم يكن بعضهم حنبلى المذهب، لكنهم انخرطوا جميعًا فى الدائرة نفسها.
 
كان الملمح الأبرز فى أصولية القرن العشرين وما بعده، أنها تجاوزت التحديد الدقيق لمدارس الفقه، ومزجت أفكارًا واتجاهات مُتنوِّعة، بل ومُتضاربة أحيانًا، إلى حدّ استعارة بعض السنّة لأُطر تنظيمية وفكرية ذات مرجعيات شيعية، أو تداخل مفاهيم الاعتقاد والفقه والشرع والجهاد من حقول شتّى، لتتآلف معًا تحت ظرف استثنائى، أو بفعل مُحفِّزات السياسة، أو لضعف وسيولة المُنظِّرين العقائديين، وتُنتج مساحة واسعة من الممارسات المُتشابهة، أو المُتطابقة، قد يدّعى كل فصيل منها اختلافه عن الباقين، أو تقدّمهم عليهم، أو براءته من بعض أمراضهم، لكن الجميع ينحازون فعليًّا وعلى أرض الواقع لخطاب يكره الحياة ويسعى لإحراق العالم، وفى قلبه المسلمون، لا فارق فى ذلك بين جهادى أو سلفى أو إخوانى.
 

التقيَّة وتعاليم حسن البنا

بدأ مؤسِّس جماعة الإخوان ومرشدها الأول، حسن البنا، كتابة سلسلة رسائل تُوجز رؤيته للتنظيم وهياكله وآليات عمله، اعتبارا من أواخر عشرينيات القرن الماضى. وتؤسِّس تلك الرسائل فى مجملها لمفاهيم أقرب إلى تأميم العقيدة وحصرها فى الجماعة، كما تُمثّل عودة لفكرة الفرق التى تجاوزها المجتمع الإسلامى قرونا، وتُسوِّغ الخروج من مفهوم الجماعة الموروث باعتباره مظلَّة تشمل عموم الأمّة، إلى تشكُّل جماعات طرفية صغيرة، واحتكارها للدين. ورغم سيطرة هذا الملمح على الوجه الأعمّ من أفكار البنا، كانت رسالة التعاليم أكثرها تطرفًا، إذ تعيد بناء فكرة "الفرقة الناجية" داخل حيّز مُغلق، تتحول فيه الجماعة إلى حاضنة مُنزّهة، وجيش لا خيار للمنخرطين فيه إلا السمع والطاعة.
يفتتح "البنا" رسالته بأنها إلى "الذين آمنوا بسموّ دعوتهم، وقُدسيّة فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها أو يموتوا فى سبيلها... وهى ليست دروسا تُحفظ، وإنما تعليمات تُنفّذ"، يصكّ المؤسس شعارًا من خمس جُمل، يؤمِّم فيها الله والرسول والقرآن، ثم يوجّه إلى الجهاد والشهادة. ويُحبِّذ فكرة الجندية داخل التنظيم، ثم يضع عشرة أركان للبيعة تدور كلها حول عصمة الجماعة وقادتها وأفكارها، بعيدًا عن الشك أو السؤال، مُشدِّدا على أن للقيادة حقّ الوالد والأستاذ والشيخ والقائد، فى نفى صريح للفردية لصالح مركزية التنظيم. أما فى "مذكرات الدعوة والداعية" فإنه يُرسى لسلوك انتهازى فى إدارة علاقات الجماعات الدينية بالمجتمع، سواء عبر وقائع تلقى تمويلات من شركة قناة السويس، أو العمل مع القصر ضد الحركة الوطنية، أو التقرب للوجهاء والمسؤولين طمعا فى المصالح والمنافع. ويتكرر الملمح الانتهازى نفسه فى "رسالة الانتخابات" التى يسوّغ بها سلوك مسارات سياسية رغم موقف التنظيم من الديمقراطية، طمعا فى إحراز حضور عام يُغطى ممارسات الجماعة القاعدية، وفى "رسالة المنهج" وكتاب "قضيتنا" يُعيد تكييف المسائل العامة فى إطار فكرة أن الجماعة تستحوذ على العقيدة الصافية، وأن هيمنتها على الفضاء الدعوى والاجتماعى وصولا إلى إحراز السلطة ليست هدفا تنظيميا فقط، وإنما غاية دينية لها ما للدين من قدسية! 
 
لم يكن البنا حنبليًّا، بل درس المذهب الحنفى واتصال بالتصوف، لكنه تعاطى مع الحنابلة على الأرضية الوهابية ومن خلال سلفية أستاذه ومرشده الروحى محمد رشيد رضا. ورغم مواقف التيارات الأصولية حاليًا من الإخوان، إلا أن جذورها البعيدة اتّصلت بها تربويًّا أو تنظيميًّا، إذ خرجت أغلبها من عباءة الجماعة بين ستينيات وثمانينيات القرن الماضى، وبهذا فقد انطبعت أفكار الإسلاميين بتلك الرؤية المُنطلقة من مفهوم فُسطاط الحق، وشكّلت النواة التى تأسَّست عليها باقى التيارات والجماعات الحركية، خاصة باكتمال أفكار البنا من خلال تنظيرات سيد قطب، فضلاً عن ترجمة تلك الرؤية عمليًّا من خلال النظام الخاص المُسلَّح وما نفّذه من إرهاب واغتيالات، لنجد بعد ذلك طيفًا من الفرق التى تبدو مُختلفة فى ظاهرها، لكنها تنطلق من مشرب واحد، مع ما تعتنقه من أفكار أوضحها العصمة والانغلاق والاستعلاء بالدين والسموّ فى مقابلة الآخر المُدنَّس، وأشدّها خطرًا تأميم العقيدة لصالح الرؤى التنظيمية. هكذا كانت "الإخوان" خطوة نحو هيكلة فرقة مُغلقة تظن أنها تمتلك الدين الصحيح، لكنها مهَّدت لخطوات أخرى شبيهة لدى التكفيريين والجهاديين والجماعات الحركية المسلحة.

حاكمية سيد قطب وجاهليَّته

رغم أن مُؤسِّس الإخوان لم يكن حنبليًّا، وإن تورَّط فى بعض رؤى الحنابلة، فإن المرحلة التالية من تنظيرات الجماعة شهدت انعطافًا حادًّا، مزج فيه سيد قُطب أفكار "البنّا" التنظيمية والحركيّة وتصوُّراته عن صفاء عقيدة التنظيم وأفضليّته، بتراث الحنابلة وفقه ابن القيم وتجلِّياته لدى المودودى، وخرج بحزمة أفكار واصطلاحات أرست ركيزة مُهمَّة للتيارات الأصوليّة والجهادية خلال نصف القرن الأخير.
 
بدأ قطب من كتابه "العدالة الاجتماعية فى الإسلام"، الذى أخذ موقفًا مضادًّا لأُسس الاجتماع والاقتصاد المُستحدثة، وبدأ الفرز الاجتماعى على أرضية عقائدية، وهو ما زرع بذرة مفهوم الثورة، أو الانقلاب الإسلامى على المجتمع، وبالطبعة الثانية من كتابه "فى ظلال القرآن" بدأ التأسيس لمفهوم الجهاد من حيث كونه فريضة وشُغلاً شاملاً تكتسب كل تفاصيله حُكم الفريضة نفسها، إذ يقول: "فالاستعداد بما فى الطوق فريضة تصاحب فريضة الجهاد"، ويأمر "بإعداد القوة على اختلاف صُنوفها وألوانها وأسبابها، بحيث لا تقعد العصبة المُسلمة عن سبب من أسباب القوة". وفى كتابه الأشهر "معالم فى الطريق" تتبلور مفاهيمه عن العنف والقتال الدينى، من خلال تطوير رؤى المودودى عن الحاكمية والجاهلية، والخروج بأحكام بشأن ضلال المجتمع، وتحوّل بلاد المسلمين إلى ديار كُفر، وإطلاق أيدى التيارات الأصولية فى الحديث باسم الله، باعتبارهم أدوات تلك الحاكميَّة. وفى كُتب: معركة الإسلام والرأسمالية، والمستقبل لهذا الدين، والإسلام ومُشكلات الحضارة، يواصل تغذية الصراع مع العالم ومكوّناته، سعيًا إلى إحلال تلك الفكرة الحركيّة بديلاً لكل الأنظمة فى أذهان الأُصوليِّين، بما يُعزِّز مسلكهم الجهادى وفق تصوُّر الثورة على الحاكمية.
 
تحوّل مفهوم "الجاهليّة" فى فهم المودودى وقطب، من مرحلة زمنية مُنتهية، إلى سياق عقائدى ومعيشى مُمتدّ، لذا فإن المجتمع الراهن يعيش جاهلية جديدة لن يكون الخروج منها إلى الحاكمية إلا بثورة شاملة، كما أن عملية البعث الإسلامى تستلزم التعامل مع كل العالم باعتباره ديار كفر وحرب؛ إذ لا تُعدّ البلدان إسلامية بوجود المسلمين، وإنما بتطبيق أحكام الدين، وتحطيم ممالك البشر لإقامة مملكة الله، وإلغاء كل القوانين، وهكذا تسقط عصمة الدماء تحت أى شعار دينى أو إنسانى، لأن جاهلية العالم تحرمه من أُخوّة الإسلام، كما أنه لا عهد أو أمان للآخر الدينى، بما يقود فى الأخير إلى إعلان حرب شاملة على الجميع، وإحراق العالم حتى يصل الجهاديون إلى دولة الإسلام التى يتخيَّلونها فى أذهانهم.

خصوم عمر عبد الرحمن

رغم خفوت اسمه خلال العقدين الأخيرين، بعدما اعتُقل فى الولايات المتحدة على خلفية تفجيرات نيويورك 1993، فضلا عن تطور الخطاب التكفيرى وبروز مُنظرين جدد تحت عباءتى القاعدة وداعش، إلا أن عُمر عبدالرحمن يظلّ واحدا من أبرز الأعمدة التى تأسَّس عليها الخطاب التكفيرى والجهادى منذ سبعينيات القرن الماضى. يُعدّ الرجل الذى رحل قبل ثلاثة أعوام الأب الروحى للجماعة الإسلامية، فضلاً عن امتدادات وتجليات عديدة لخطاباته لدى الجهاديين، وحضوره الرمزى فى وعى كل الحركيين من تيارات أخرى، باعتباره نموذجا قويما للمجاهد من وجهات نظرهم.
أنتج "عبد الرحمن" عديدًا من المصنّفات التأسيسية لخطاب التكفير والتطرّف، منها: كلمة حق، وقولوا للظالم لا، ووصية إلى أمة الإسلام، والإسلام شريعة كاملة، وكلها تؤسس للتصور الحنبلى عن احتكار العقيدة، وتضع الفقه فوق الشرع، وتقدم تبريرا ملتويا عبر التأويل المفرط والمُوجَّه للنصوص، بما يُشرعن مسلك العنف والخروج على المجتمع، إلا أن أهم ما طرحه فى هذا الباب كتاب "موقف القرآن من خصومه"، الذى كان محور رسالته لنيل الدكتوراه من جامعة الأزهر، وفيه ينطلق من حيث وصل سيد قطب فى تصوُّره عن الحاكمية وجاهلية المجتمع، مؤسِّسًا ذلك على رؤية أصولية للخطاب القرآنى فى سورة التوبة. وتتجلَّى صدامية أفكاره مع الجزم الصريح بأن ما دون المسلمين مُشركون يجب قتالهم، كما أنه لا يجب أن يقوم فى الجزيرة العربية دين غير الإسلام، مع ضرورة اتخاذ موقف من جاهلية المجتمع والحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله، إذ إن الشريعة سلطة عليا مُؤسّسة فوق الدولة، بحسب تعبيره، لذا فإن الحكومات القائمة لا تستحق طاعة الناس.
 
يجعل الكتاب من الإسلام قومية مُغلقة لا دينًا إنسانيًّا مفتوحًا، وهو بذلك يتّخذ منحى يُقارب الرؤية الأصولية فى اليهودية، إذ تصبح الأعراف والقوانين الشرعية ضابطًا داخليًّا لا حقّ للآخر فيه، وهو بهذا يُجيز للمسلم أن يفعل ما يريد بغيره، وأن يُكرهه على الدخول فى الدين، وأن ينقض عهوده متى رأى مصلحة فى ذلك، وتحت تلك الرؤية يرى أن كل آيات حرية العقيدة نُسخت بسورة التوبة، وأنه لا خيار مع الآخر الدينى إلا الإسلام أو الجزية أو القتل، وفق فهم يرى أن "آيات القرآن فى التعامل مع المشركين بمكّة ليست حالة طارئة أو وقتية، لكنها حالة عامة وطبيعية وحتمية حيثما وُجد مؤمنون ومشركون، والأمر فى تنفيذها إنما يتعلّق بالمقدرة، ولا يتعلق بأصل الموقف الذى لا يتبدّل على الزمان"، ويُفسّر الأمر بقوله: "موقفنا من المشركين والمُلحدين فى كل مكان وزمان، إما أن ينصاعوا للإيمان ويدخلوا فى دين الله، أو يُصرّوا على ما هم فيه... وإن كانت الثانية فلا عهد لهم، ولا سبيل معنا سوى القتال حتى يخضعوا للحق"، ويُبرّر تلك الحرب المفتوحة بأن "أهل الكتاب بصفاتهم هذه حرب على الإسلام اعتقادًا وسلوكًا، كما أنهم حرب على المجتمع المسلم، بحكم طبيعة التعارض والتصادم بين منهج الله ومنهج الجاهلية، والإسلام ينبغى أن ينطلق لإزالة العوائق المادية من وجهه، وإخضاع أهل الشرك عن طريق الجزية، أو القتال حتى استئصال وجودهم".

فريضة قتلة السادات الملوَّثة

لم يكن خريج الهندسة محمد عبدالسلام فرج مُتخصِّصًا فى الفقه، لكنه أنتج عنوانًا شديد التأثير فى مسار الجهاديين والتكفيريين. فى كتابه "الفريضة الغائبة" يرى أن الجهاد فرض مُعطَّل، ويضعه فى مقام الركن السادس للإسلام. كما يستند إلى آراء ابن تيمية فى كتابى الفتاوى، ويذكره 25 مرة خلال صفحات كُتيِّبه الصغير، الذى يُؤسِّس للسلفية الجهادية، ويمزج التصوُّرات السياسية الراهنة يالركائز الفقهية الموروثة.
 
ينطلق "فرج" من المقابلة بين ديار الإسلام الآن وما كانت عليه إبّان غزو المماليك، ليخلُص إلى أن بلداننا أصبحت ديار كفر، وأننا نرتضى نصوصًا ودساتير وضعها الغرب ولا نحكم بما أنزل الله، لذا فإن المجتمعات الإسلامية الحديثة أكثر ردَّة من التتار، بحسب تعبيره، ثمّ يُضيّق التصوُّر العقائدى بكامله ليحصره فى هذا المسلك، عبر انتقاد كل التيارات الإسلامية ومهاجمتها، خاصة المتصوُّفة والجمعيات الخيرية، بجانب الأحزاب والحركات السياسية، ودُعاة التغيير الاجتماعى أو تطوير المجتمع من قواعده، كما يشقّ مسارًا جديدًا بتقديم القتال ضد المجتمع على مواجهة أعداء الخارج، تحت لافتة الفرز بين ما أسماه العدو البعيد والعدو القريب، قائلا: "هناك قول بأن ميدان الجهاد هو تحرير القدس، ولكن المسلم يُقدّم الحلول الحاسمة الجذرية، فقتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد". 
 
ويذهب "فرج" إلى أن الإسلام توسَّع بحدّ السيف، وأن الجهاد من حيث كونه فرض عين، لا يجوز تعطيله أو تأجيله تحت أى مسمَّى، إذ إن ديار المسلمين أصبحت ديار كفر ويجب قتال أهلها، كما أن آية "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" نسخت 124 آية فى 54 سورة عن اللين والصفح والصبر. ويستند بجانب ابن تيمية إلى مفاهيم مستدعاة من ابن القيم، فضلا عن حاكميّة سيد قطب وأفكاره عن جاهلية المجتمع، وقد كان "الفريضة الغائبة" التأصيل الفقهى لاغتيال السادات، كما ظلّ حاملاً نظريًّا لمسار طويل من العنف، حتى طوَّرت التيارات الحركية الناشئة حديثًا، مثل القاعدة وداعش، تنظيراتها ومُدوّناتها الخاصة.

فروض عزام وتأثيم المجتمع

أسَّس عبدالله عزام دار خدمات المُجاهدين؛ لاستقطاب وتنظيم ورعاية المُقاتلين المُتدفّقين على أفغانستان إبان الصراع مع الاتحاد السوفيتى، وإلى جانب دوره الحركى لعب دورًا فكريًّا عبر كتابه "آيات الرحمن فى جهاد الأفغان"، الذى استدعى فيه جانبًا من تُراث الحنابلة، وفقه ابن القيم، ومُنطلقات الوهابية والمودودى وسيد قطب فى الحاكمية والجاهلية والقتال فى ديار الإسلام، فضلاً عن تسويق قتال طالبان باعتباره انتصارا لعوام الأفغان، وقد تشدَّد "عزام" فى أن الجهاد فرض عين واجب على كل مُكلَّف، مُتجاوزًا ذلك إلى تكفير الجميع تقريبًا بسببه: "الناس كلهم آثمون بسبب ترك الجهاد... لا إذن لوالد على ولده، ولا زوج على زوجته".
 
بالغ الإخوانى الفلسطينى فى تعزيز مركزية مفهوم الجهاد، وإسباغ هالة قداسة كاملة عليه، والسعى إلى عولمته بما يتجاوز حدود المجتمع المُسلم أو دوائر العداء التقليدية، مع تغذية تطلُّعات دائمة لفرض الهيمنة على العالم بكامله. لذا فقد اعتبر الجهاد مُقدّمًا على كل فروض الأعيان، وأوّلها الصلاة. وأكد فى كتابه "الدفاع عن أراضى المسلمين أهم فروض الأعيان" أن تلك المسؤولية مُعلَّقة فى رقبة كل مُسلم، وليس أهل البلد المُحتلّ فقط، وذلك خارج اشتراطات وضوابط الحدود والوطنية. وإلى جانب كتابات أيمن الظواهرى، فقد مثّل "عزام" مرجعيَّة لتيارات الجهاد، ثم تنظيم القاعدة، وصولاً إلى داعش وغيره، بفضل افتتان تلك التيارات برؤيته العالمية للمدّ الجهادى، ومركزية مفهوم القتال، واستناده إلى آليات حمل الفقه على العقيدة بما يُيسّر التوسُّع فى التكفير، ويُسوّغ القتال فى بلدان الإسلام.

إرهاب الدكتور فضل

تراجع الطبيب سيد إمام الشريف، أو عبدالقادر عبدالعزيز "الدكتور فضل"، عن كثير من أفكاره السابقة، وأصدر وثيقة "ترشيد الجهاد" التى أثارت غيظ الجهاديين، ودفعت الظواهرى للردّ عليها، لكن رغم التراجع ما تزال أفكاره مرجعًا لدى الحركات الإسلامية المُسلحة، خاصة كتاب "العمدة فى إعداد العدة"، الذى يفرز الناس بين مؤمن وكافر تنعقد بينهما عداوة دائمة، ومع تضييق مفهوم الإيمان فإن أنظمة الحكم تُصبح كافرة، ومن ورائها الأفراد الذين تنطبق عليهم أحكام الأصل، ليصبح القتال واجبًا؛ لأن الأمة المسلمة من وجهة نظره مُجاهدة ولا تُصاغ سياستها إلا باختراق القانون الدولى وفرض رؤاها بالقوّة.
 
يتطوَّر الأمر بدرجة أكبر فى كتاب "الإرهاب من الإسلام"، الذى يستند فيه لآية "وأعدوا لهم ما استطعتم..."، ليستخلص أن الإسلام يدعو إلى الإرهاب، وأن التدريب العسكرى واجب على كل مُسلم، والجهاد فرض عين، وتخويف الأعداء ضرورة والتزام. كما اعتبر الإمارة والبيعة واجبًا إسلاميًّا، وأن غياب الإمام لا يُسقط الجهاد. وإلى ذلك فإنه يُوجب على الفرد نصرة الجماعة المجاهدة، ويرى أنه لا يجوز تعدُّد جماعات الجهاد، بل على كل المقاتلين الانخراط معًا، ويدعو للهجرات الجهادية، ويُحدّد 8 أصول للجهاد تشمل معاداة الديمقراطية وإبطال ما يخالف الشريعة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، الذى يحقّ لآحاد الناس بعيدا عن سلطة ولى الأمر.
 
وفى "نقد الشيعة" يواصل مسيرة التكفير وإباحة الدم على أرضية الفقه، كما يستكمل مسار الشحن فى كتاب "النصيحة فى التقرُّب إلى الله"، مُرجعًا مناط القبول وسلامة العقيدة باتخاذ مواقف جادة من المجتمع الجاهلى، والانحياز لحُكم الله، والولاء والبراء وفق فهم ابن تيمية. ويُشدِّد إمام، أو فضل، على أن الإرهاب واجب شرعى، وأن محاربته محاربة للإسلام ذاته، إذ إن سماحة الإسلام فى حمل السلاح وسفك الدماء، كما يرى!

فقه التلوّن عند القرضاوى

ربما لا يحضر اسم يوسف القرضاوى بقوّة ضمن أدبيات الإسلام السياسى الحركى وجماعاته التكفيرية بقوة، لكنه لا يغيب عن ذهنية كثير من عناصر تلك التيارات، أو عن فُقهائها ومُنظّريها. إذ يُمكن الوقوع على إشارات عديدة فى رسائل وكتب ومطبوعات التيارات التكفيرية على تنوُّعها، فضلاً عن آلية التوفيق والتسوية التى اعتمادها طوال مشروعه؛ لإنتاج أشدّ الأفكار انغلاقًا وتطرُّفًا فى صورة قد تبدو ليّنة ومُنفتحة، تجلّى ذلك فى كتاب "الحلال والحرام فى الإسلام" الذى يستخدم الفقه مدخلا لتقويض الشرع وتضييق العقيدة بما يُسهّل حصرها فى دائرة محدودة من ذوى الأفكار والتوجهات الأصولية، لكن تلك النظرة كانت أكثر وضوحا وبروزا فى كتابه "فقه الجهاد".
 
الخلفية الإخوانية لم تغب عن "القرضاوى" على مستوى التفكير، وتقنيات المراوغة والتخفّى التى تُقارب "التقيَّة" لدى الشيعة، لذا لم يُجاهر مُنظّر الإخوان الأبرز حاليًا بما يُحسب على رفض سلطة الدولة ومنظومتها التشريعية، لكنه سرّب كثيرًا من تلك الأفكار فى ثنايا كتبه، كما فعل سابقون عليه من الإخوان مثل سيد سابق فى فقه السنة ومحمد الغزالى فى كثير من إنتاجه. وفى "فقه الجهاد" يتورّط القرضاوى بوضوح فى حيّز مقارب لما ابتدعه ابن تيمية، بجعل أمور الفقه جانبًا حاكمًا على منظومة الشرع، ومن ورائها إيمان الأفراد، وهنا يُصبح القتال وفق هذا التصوّر واجبًا لازمًا على الجميع، إذ لا تقوم العقيدة إلا بقيامه! 
 
يمضى مُنظر الإخوان فى مسار التأصيل لفكرة الدولة الدينية عبر كتابه "من فقه الدولة فى الإسلام"، ممهدا أرضية عقائدية لمنظومة الحُكم، بشكل تُبنى عليه أفضلية مباشرة للتيارات الأصولية. وفى "الدين والسياسة" و"ملامح المجتمع المسلم الذى ننشده" يُؤصّل لتلك الذهنية الحاكمة للإسلام السياسى، ويردّ أمور الاجتماع إلى حيز العقيدة، المنضبط بالموروث الفقهى، إلى حدّ أن الصورة المُختلقة بالكلية تُصبح تصورا بشريا أكثر من كونها رسالة سماوية. وكما تبدّلت كثير من أفكار القرضاوى لاحقًا حسب توجهات السياسة وما تريده منه حكومة قطر، التى تستضيفه وتعتبره فقيهًا رسميًّا للقصر، فإن الكتاب ينطوى على مراوحة بين الأفكار والمسارات، وفى القلب يُرجِّح الكاتب بعضًا منها بالتوقُّف أو التعمُّق أو التحبيب، ويبدو منحازا إلى جانب من تصورات سيد قطب التى تصل فى خلاصتها العميقة إلى القول بانطباق حُكم الأصل على الفرع، وتكفير الرعية بالراعى. وتتّصل تلك الرؤية بمسار من الفتاوى التبريرية والدعائية للعنف الأصولى، مثل إجازته حمل السلاح على المجتمع، أو قبوله تفجير النفس؛ شريطة أن يكون من خلال الجماعة ووفق مصالحها، بحسب تعبيره!
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة