ألقت جائحة كورونا بظلالها السلبية على قطاع التمويل الأصغر ومؤسساته، خاصة مع الخوف المتزايد من التداعيات الاقتصادية للأزمة، وتوقف بعض العملاء عن السداد بمساندة بعض الشخصيات السياسية، وفى سيناريو مشابهة للأزمة المغربية، وقدمت الأزمة دروساً هامة، وكشفت عن الصورة الذهنية للصناعة لدى البعض، ومثلت تجربة حقيقة لقياس صلابة القطاع وقدرته على الاستدامة، وفيما يلى تحليلاً شاملاً للأزمة ومقترحات للمساهمة فى حلها.
أبرزت الأزمة أهمية دور هيئة الرقابة المالية فى المتابعة وتقديم الحلول الواقعية والسريعة لمعالجة الأزمة، مما جعل منها طرفاً فاعلاً في احتواء الأزمة وتعزيز استدامة القطاع، خاصة مع ضعف التنظيم الذاتى لبعض المؤسسات لمواجهة الأزمة وتداعياتها السلبية، وتحتاج الأزمة مراجعة نسب حساب المخصصات تحسباً للتغيرات السلبية المتوقعة، مع زيادة الرقابة على جودة المحافظ، وإعادة النظر فى دور إدارة المخاطر والذى لم يكن فاعلاً قبل وبعد الأزمة.
وأكدت الأزمة دور الحوكمة، فالمؤسسات التى خططت للاستدامة على المدى الطويل وحافظت على جودة محافظها، وتجنبت مخاطر الإقراض المتعدد ستكون أقل تضرراً من التى حققت نمواً سريعاً غير محسوب وغير خاضع للرقابة، لذا يجب تجنب هذا المنهج والاستفادة من هذا الدرس القاسي، وأكدت الأزمة أهمية العمل المشترك للوصول لحلول فى اتجاه واحد بدلاً من حلول متباينة تضر على المدى الطويل، وكذلك أهمية التخطيط المشترك عند التوسع للحد من الإقراض المتعدد والذي فاقم الأزمة بزيادة مديونية العميل، وضعف جودة المحافظ وصعوبة استردادها.
وظهر مع الأزمة عدم الوعى الكافى بدور وطبيعة الصناعة لدى كثير من الشخصيات السياسية والعملاء، حيث هاجموا القطاع بشكل أثر سلباً عليه، وهذا يوجب على جميع الأطراف الفاعلة القيام بحملة توعية للمجتمع بشكل عام، ولهذه الشخصيات وللعملاء بشكل خاص لتوضيح أهمية القطاع فى محاربة الفقر وتخفيض معدلات البطالة لملايين الأشخاص، وأيضاً خطورة التوقف عن السداد، حيث سيؤدى لضعف القطاع وخسارة ألاف الموظفين لوظائفهم، وخسارة العملاء لخدمات التمويل وبدون بديل أخر.
وأظهرت الأزمة أهمية البنية التحتية خاصة ضعف كفاءة نظم المعلومات وعجزها عن توفير المعلومات المطلوبة فى الوقت المناسب، ومع استمرار هذه المشكلة ستضعف السيطرة على المحافظ، وتنعدم القدرة على التخطيط المبنى على إدارة المخاطر وإعادة تشكيل مزيج المنتجات ومزيج القطاعات وغيرها من أدوات إدارة الأزمة الحالية، لذا يجب إعطاء الأولوية لتطويرها، وتزويد إدارات المؤسسات بأدوات الإدارة الحديثة للتعامل مع المتغيرات المفاجئة، مع تكوين فرق خاصة لاسترجاع القروض المتأخرة ومتابعتها قانونيا.
وأكدت الأزمة على أهمية ولاء العملاء للصناعة، وهذا يتطلب ضرورة بناء علاقة وثيقة ودائمة معهم وإشعارهم بالدور التنموى للمؤسسات، ودراسة مدى مناسبة سياسات العملاء المتعثرين والمنتظمين للظروف الحالية، ودراسة تحديد تواريخ السداد بشكل متبادل أو ما يطلق عليه بمنتجات التحصيل، وتلبية احتياجات العملاء ومعالجة شكواهم بسرعة، كما يساعد تدريب العملاء على إدارة مشاريعهم على زيادة ولائهم.
وأخيراً وليس آخراً يجب الاهتمام بولاء وارتباط الموظفين بمؤسساتهم والتى لن تستطع النهوض من هذه الكبوة إلا بهم، خاصة مع الخوف من تسربهم لقطاعات أخرى إذا طالت الأزمة، لذلك يجب مراجعة وتطوير عوامل زيادة ولائهم كتوفير بيئة عمل صحية مناسبة، وتنميتهم بالتدريب، وتوفير نظام رواتب وحوافز وترقيات جيدة، ومشاركتهم فى القرارات المرتبطة بأعمالهم، وتحقيق العدالة والاستقرار الوظيفي، وتحسين علاقتهم بالمرؤوسين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة