محمد ثروت

فى ذكرى رفاعة الطهطاوي إمام التنوير

الخميس، 28 مايو 2020 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذا أول شيخ معمم يقدم مشروعا فكريا تنويريا وحضاريا عن المواطنة والليبرالية وتحديث مصر وتعليم البنات.
 
إنه الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي (1801-1873) الذي تمر علينا اليوم ذكرى وفاته وقد رحل بجسده وبقية أفكاره النهضوية فى سبيل تحديث العقل العربي.
كانت مفارقة عجيبة أن الشيخ رفاعة الذي رشحه أستاذه بالأزهر  الشيخ حسن العطار  لدى محمد على باشا ليصبح إماما لأول بعثة لفرنسا عام 1826 ليحافظ للطلاب على ثوابت العقيدة الإسلامية وأصول الدين أن يكون جسرا لتحديث التراث الديني ومترجما منفتحا على الحضارة الغربية بكل قيمها ومداراتها وخاصة فى كتابه تخليص الابريز (أى الذهب) فى تلخيص باريز (أى باريس). الذي ترجم فيه نصوصا من الدستور الفرنسي عن حقوق المواطنة وما يرتبط بها من حقوق مدنية وسياسية وفكرة العقد الاجتماعي، ومكانة المواطن فى الجماعة السياسية. فى وقت كان عصره ينادي بالخلافة الإسلامية، وهذا تطور مهم عند رفاعة فى مفهوم المواطنة التى كانت بالملة وليس الدولة وإن لم يذكرها صراحة لأنها كلمة ليس لها مكان فى اللغة العربية ومعظم معانيها تدل على البيت. 
 
 ليس هذا فى مجال التنظير فحسب بل طبق رفاعة الطهطاوي أفكاره ومارسها على أرض الواقع عندما عاد الشيخ رفاعة إلى مصر عام 1831 بعد خمس سنوات قضاها هناك، أسس مدرسة الألسن لتعليم اللغات ودعا لتعليم البنات فى كتابه المرشد الأمين فى تعليم البنات والبنين وهو أول من كتب وثيقة زواج لنفسه اشترطت فيها زوجته ألا يتزوج عليها. كما نادى بقدرات وذكاء المرأة بخلاف نظرة بعض المشايخ السلفيين لها نظرة دونية حيث يقول الشيخ رفاعة: " استعاضت المرأة عن بنيتها الضعيفة بقوة عقلها وحدة ادراكها، واذا كانت المرأة ذات معارف زاد عقلها كما لا ما تعرفه، وتعلم الأدب فى النساء والرجال جميعا، لكنه فى النساء أحسن لما فيهن من الرقة الطبيعية والمحاسن المعنوية".
 
ومن أهم أقوال الشيخ رفاعة التى تحتاج إلى التحليل والقراءة النقدية
يقول عن حُب الوطن: "فجميع ما يجب على المؤمن لأخيه المؤمن منها يجب على أعضاء الوطن، من حقوق بعضهم على بعض، لما بينهم من الأُخُوَّة الوطنية فضْلاً عن الأُخُوَّة الدِّينية. فيجب أدَباً لمن يجمعهم وطن واحد، التعاون على تحسين الوطن وتكميل نظامه، فيما يخص شرف الوطن وغِناه وثروته، لأن الغِنَي إنما يتحصَّل من انتظام المعاملات وتحصيل المنافع العمومية، وهي تكون بين أهل الوطن على السَّوِية، لانتفاعهم جميعاً بِمَزِيَّة النَّخْوَة الوطنية". وهذا فكر متطور لمفهوم المواطنة مقدما الأخوة الوطنية على الأخوة الدينية. وياليت المغفلين من أتباع جماعات الإسلام السياسي قرأوا فكر الرجل ولكنهم وإن قرأوه لم يعقلوه، فاتهموه بالتغريب، لأن عقولهم ليست ملكا لهم بل لشيوخهم الذين علموهم أن  الخلافة العابرة للأوطان أهم من الوطنية. لقد قرأ هؤلاء تراث الشيخ رفاعة قراءة سماعية ولم يعلموا أن الشيخ رفاعة تعامل مع الحضارة الغريبة بشكل منهجى فميز بين التقدم المادي فى العلوم والصناعات  وبين القوانين التى اختار منها ما يتوافق بين روح الشريعة واعمال العقل. ورفض المادية المفرطة فى الغرب والنظر للمرأة كجسد فقط واستلهم منهم تعليمها وتربيتها لتكون مساهمة فى بناء الوطن. 
 
ومن أقوال الشيخ رفاعة أيضا: "الناس على دين ملوكهم" وهذا يبين أثر السلطة فى فرض أى شىء والمثل يقول ما لا ينزع بالقرآن ينزع بالسلطان. فلولا وجود الوالي محمد على باشا لما انتشرت أفكار الشيخ وتعززت مكانته. أما المقولة التى جعلها المفكر  لويس عوض نبراسا له فهي:
"تبني الأوطان بالحرية والمصنع"، أى أن الدول تقوم وتنهض بالإنتاج والاقتصاد جنبا إلى جنب مع الحريات العامة. 
 
“مصر الوطن الذى تولى إمرتها الغربا، أعجاماً كانوا أم عرباً.”فى إشارة للوافدين الذين تولوا حكمها على مدار التاريخ. 
 
“فلو تُعُهِّدت مصر وتوفرت فيها أدوات العمران لكانت سلطان المدن ورئيسة بلاد الدنيا” أى أن مصر لديها موارد لمن يحسن استغلالها وتوظيفها.
رحم الله الشيخ رفاعة أحد رواد التنوير والنهضة وجعلنا على دربه ومسيرته، متلمسين لخطاه عسانا أن نعود إلى عصر التنوير لا زمن التكفير.
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة