الموقف الدينى عنده لا يحل محل التفسير العقلى والعاطفة الدينية لا تضيق بالانتصارات المتتالية التى يحققها العقل.
غضب منه أبو الحسن الندوى الهندى بسبب اعجابه الشديد بالتقدم التكنولوجى فى اوروبا وما توفره رفاهية الغرب من احترام آدمية الانسان أنشأ ما عرف باسم «الجامعة الشعبية» وكان هدفه منها نشر الثقافة بين الشعب عن طريق المحاضرات والندوات، كان رأيه أن تقتصر جماعة الإخوان على نشر الدعوة، والعمل فى مجالى الأخلاق والخدمة الاجتماعية، وان تبتعد عن السياسة، لأن إقحام الدين فى السياسة يفسد السياسة والدين على السواء
فى كتابه "أحمد أمين "يقول مؤلفه الشيخ كامل محمد عويضة " ان أكثر ما يلفت النظر فى شخصية أحمد أمين وفى انتاجه القوى ذلك التركيب الفريد بين العاطفة الدينية البالغة القوة والنزعة العقلانية البالغة الاستنارة ولا أظن أن أحد من مفكرى جيله قد اجتمعت لديه هاتان النزعتان بمثل هذا الانسجام والتوافق . ان من المستحيل لمن يقرأ لأحمد أمين أن يشك لحظة فى عميق ايمانه وصدق اسلامه ولكن من المستحيل أيضا على من يقرأ له أن يشك فى عقلانيته واستنارته.
وهو ما دعمه فى المعركة الحامية التى دارت بين ما يسمون العلمانيين ومن يسمون السلفيين فهو المثال الحى لرجل استطاع أن يتجاوز الموقفين تجاوزا طبيعيا لا يشوبه تكلف ، فهو لا يتنكر لدينه وتراثه ولكنه لا يضيع اية فرصة تتاح له للاصلاح.
الشيق فى موقف أحمد أمين الشخصى والفكرى هو ان الموقف الدينى عنده لا يحل محل التفسير العقلى بل يكمله والعاطفة الدينية لا تضيق بالانتصارات المتتالية التى يحققها العقل. كما أنها لا تحاول منافسة العقل فى ميدانه بل هى تتوج عمله وتعطيه معناه.
العقل والدين يتعايشان عنده تعايشا سليما رائعا وكأنهما يعكسان ذلك الامتزاج الغريب فى الطبيعة الانسانية بين المحدود واللامحدود..بين المعرفة اليقينية والحدس بين لحب الغريزى للاستطلاع والاكتشاف ..وبين الحيرة أمام المجهول بين الشعور بالقوة المستمدة من المعرفة والسيطرة على الطبيعة وبين الشعور باعجاز امام المجهول منها وأمام الموت.
هكذا كان أحمد امين الصادق دائما مع نفسه ..المعتد برأيه دون غرور الشغوف بالاصلاح دون شطط المتفائل بالمستقبل دون غفلة عن حدود الطبيعة الانسانية واوجه عجزها ..المفتون بحضارة الغرب دون انهيار نفسى امامها المؤمن بحتمية التطور دون تنكر للثابت من نوازع الانسان وحاجته
أحمد امين الثار المحافظ أو العلمانى الورع ..لم تكن قوة ايمانه عقبة أمام تفسيره الاشياء تفسيرا عقلانيا صرفا ولم تدفعه قط الى استبدال التفسير الديني بالتفسير العلمى
لم يفقد يوما اعجابه الشديد بالتقدم التكنولوجى لدى الغرب وما توفره رفاهية الغرب من احترام آدمية الانسان .. وقد آثار هذا الاعجاب دهشة وقدرا من السخط لدى الكاتب الاسلامى رئيس جامعة ندوة العلماء أبى الحسن الندوى الهندى عندما جاء الى القاهرة وقابل احمد أمين مدفوعا باعجابه الشديد باسلامياته لكنه رأى عنده افتتانا ببعض مسالك الغرب لم يكن هو ليرضى عنها.
ولهذا السبب كتب العقاد فى رثائه مقالا بعنوان" المدرسة الوسطى"(نشر فى جريدة اخبار اليوم بعد ايام قليلة من وفاة أحمد أمين فى 30 مايو 1954) وكان العقاد يقصد بذلك ان أمين لا ينتمى الى المدرسة التى ترفض التغريب برمته ولا الى المدرسة التى تتنكر للتراث .
وقد منحه اللك فاروق جائزة فؤاد الاول للاداب عام 48 لما امتاز به كتابه " ظهر الاسلام" من دقة البحث . ويقول أحمد امين " كان من الطبيعى ان ابتهج لكن المنحة جاءت عقب العملية الجراحية فى عيني وما اصابنى من ذلك فى نفسى فلم يهتز قلبي كما ينبغى ولا ابتهجت نفسى كما يجب .
ينتمى المفكر الدكتور أحمد أمين (1 أكتوبر 1886 - 30 مايو 1954)، إلى أدباء ومفكري عصر النهضة العربية الذين حملوا لواء العصرنة والتنوير على مستويات الفكر والأدب والتاريخ، فقد خاض بقلمه السيال في كل تلك المجالات، وكان ذا أسلوب جميل وعقل أريب، واطلاع واسع على العلوم الإنسانية الحديثة، إضافة إلى ما حصّله من علوم العربية والشريعة وعلم الكلام في الأزهر الشريف الذي تعلم فيه، وحصل على شهادته.
لقد شهدت مصر في الفترة بين أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وأوائل القرن العشرين تكون جيل من العلماء الموسوعيين في كافة المجالات، استطاع أن يقود الحياة الثقافية في مصر والعالم العربي ردحا من الزمن، واستطاع أيضا أن ينير الطريق الثقافي للأجيال التي جاءت بعده لتبني على مجهوداته ولتكمل مسيرته.
تدرج أحمد أمين في تعليمه من «الكُتّاب» إلى المدرسة الابتدائية إلى الأزهر إلى «مدرسة القضاء الشرعي» التي كانت تدرس مواد متعددة، دينية ولغوية وقانونية عصرية وأدبية، حيث نال منها شهادة القضاء سنة 1911م، ونظراً لتفوقه اختاره عاطف بركات ناظر مدرسة القضاء الشرعي، ليكون معيداً بنفس المدرسة، وكان عاطف بركات ناظراً ذا كفاءة فكرية وعلمية عالية وأخلاق رفيعة، أثر بها في أحمد أمين الذي صادقه وصحبه ثمانية عشر عاماً، فتعلم منه العدل والحزم والثبات على الموقف، وكان يعلمه كل شيء في الدين والقضاء وفي تجارب الناس والسياسة، حتى أن أحمد أمين أُقصي عن مدرسة القضاء الشرعي بسبب وفائه لأستاذه، بعدما قضى بها 15 عاماً نال فيها أكثر ثقافته وتجاربه، لذلك قال عن تركه لها: «بكيت عليها كما أبكي على فقد أب أو أم أو أخ شقيق»، وأصبح له نشاط موازٍ في الكتابة والتأليف، وفي تلك الفترة انكب على تعلّم اللغة الإنجليزية حتى أتقنها، وفي عام 1926م عرض عليه صديقه طه حسين أن يعمل مدرساً في كلية الآداب بجامعة القاهرة، فعمل فيها مدرساً، ثم أستاذاً مساعداً إلى أن أصبح عميداً لها في 1939.
أنشأ أحمد أمين مع بعض زملائه سنة 1914م «لجنة التأليف والترجمة والنشر» وظل رئيساً لها حتى وفاته 1954م، وكان للجنة أثر بالغ في الثقافة العربية، إذ قدمت للقارئ العربي ذخائر الفكر الأوروبي في كل فرع من فروع المعرفة تقديماً أميناً محايداً، كما قدمت ذخائر التراث العربي مشروحة، وشارك في إنشاء «مجلة الرسالة» (1936م)، وكذلك أنشأ مجلة «الثقافة» الأدبية الأسبوعية (1939م)، وفي 1946م بعد توليه الإدارة الثقافية في وزارة المعارف، أنشأ ما عرف باسم «الجامعة الشعبية» وكان هدفه منها نشر الثقافة بين الشعب عن طريق المحاضرات والندوات، وفي نفس الفترة، أنشأ «معهد المخطوطات العربية» التابع لجامعة الدول العربية.
كتب أحمد أمين المقالات الصحفية، وأسهم في النقاشات الفكرية والأدبية التي كانت دائرة في مصر في النصف الأول من القرن العشرين، وأثرى بمقالاته مجلات مثل «الرسالة» و«الثقافة»، ومن أهم معاركه الثقافية تلك التي خاضها مع الدكتور زكي نجيب محمود الذي كتب مقالاً انتقد فيه محققي التراث العربي، وقلل من أهمية نشر ذخائره، ورأى أن الفكر الأوروبي أجدر بالاهتمام والنشر، وأن ترجمته أولى من صرف الوقت في نبش الغبار عن ذلك الماضي الثقافي العربي، الذي وصف كتبه بأنها «الكتب القديمة المبعوثة من قبرها»، ثم قال: «سيمضي الغرب في طريقه، وهو يحاول الصعود إلى ذرى السماء، ونحن نحفر الأجداث لنستخرج الرِّمم»، وأثارت هذه المقالة أحمد أمين فتصدّى للردّ عليه، ودافع بقوة عن الحضارة العربية وثقافتها، ورأى أنها هي التي مهدت للمدنية الغربية الحديثة، ورأى أنه لو لم تكن للتراث العربي قيمة فكرية وحضارية، لما انشغل به المستشرقون، واهتموا بنشر ذخائره.
موقفه من جماعة الاخوان
يذكر المفكر الراحل الدكتور جلال أمين فى مقال له فى سبتمبر عام 2013 عن علاقة ابيه بجماعةالاخوان فيقول :"كانت فكرة (تطور الظروف الاجتماعية وضرورة الاجتهاد) التى يتكرر التعبير عنها فى كتبه ومقالاته، بما فى ذلك تأريخه للحياة الفكرية للإسلام، من الأسباب الرئيسية لنجاح الكتاب وحسن استقباله وانتشاره. وقد كان هذا النجاح نتيجة أيضا لطبيعة المناخ الاجتماعى والثقافى الذى كان سائدا فى مصر فى فترة ما بين الحربين العالميتين. كانت الطبقة المتوسطة المصرية متعلمة تعليما راقيا وراضية عن نفسها، ولم تصب بما أصابها فيما بعد من تشنج فكرى.
"كانت هذه الفترة هى أيضا فترة نشوء ونمو جماعة الإخوان المسلمين. كان مؤسسها (الشيخ حسن البنا) ينتمى إلى هذه الطبقة، ولم يكن غريبا (فى ذلك الوقت) أن ينشر الشيخ حسن البنا فى جريدته مقالا يحمل بالخط الكبير عنوان «خطاب مفتوح إلى الأستاذ أحمد أمين» يثنى فيه على مؤلفات أبى عن تاريخ الإسلام ويدعوه للانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين..عام 46
وكان رد أبى كما أذكره، أن رفض العرض فى أدب، ولكنه أضاف أن رأيه (الذى عبر عنه فى مناسبات مختلفة بعد ذلك) ان جماعة الإخوان المسلمين كان يجدر بها ان تقتصر على نشر الدعوة للإسلام، والعمل فى مجالى الأخلاق والخدمة الاجتماعية، وان يبتعد عن السياسة، لأن إقحام الدين فى السياسة يفسد السياسة والدين على السواء.
كان أحمد أمين غزير الإنتاج منصرفاً إلى الدرس والمطالعة والبحث، فألف ما يربو على 16 كتاباً، وشارك في تأليف وتحقيق عدد من الكتب الأخرى، وترجم كتاباً في مبادئ الفلسفة، ومن أشهر كتبه: «قصة الأدب في العالم» و«فيض الخاطر» و«النقد الأدبي» في جزأين و«زعماء الإصلاح في العصر الحديث» و«إلى ولدي» و«حياتي» و«قاموس العادات» و«الصعلكة والفتوة في الإسلام».
وتعد سلسلة «فجر الإسلام، وضحى الإسلام، وظهر الإسلام والاسلام اليوم» التي ألفها أحمد أمين أهم كتبه، وأكثرها شمولية وتأثيراً في تاريخ الثقافة العربية الحديثة، فقد قدم فيها دراسة متكاملة عن الحضارة العربية الإسلامية، وتاريخ العقل والفكر في تلك الحضارة، وقد صدرت عام 1929، وتعتبر أول دراسة معمقة لتاريخ العقل الإسلامي، بمنهج تاريخي علمي رصين، اجتهد صاحبه في جمع كم هائل من المعلومات، وبذل طاقة جبارة في التحليل والاستنتاج، فخرج برؤى فكرية تصف أسس ذلك العقل، وتحدد معالم الشخصية الإسلامية، بلغة علمية مباشرة ومجردة، وقد قال عنه طه حسين في مقدمته لكتاب «ضحى الإسلام»، إنه: «قصد إلى عمله في جد وأمانة وصدق، وقدرة غريبة على احتمال المشقة والعناء، والتجرد من العواطف الخاصة. والأهواء التي تعبث بالنفوس، فوفق من ذلك إلى أعظم حظ يستطيع العالم أن يظفر به في هذه الحياة، قد استقصى فأحسن الاستقصاء، وقرأ فأجاد القراءة، وفهم فأتقن الفهم، واستنبط فوفق إلى الصواب. قد فتح في درس الأدب العربي باباً وقف العلماء والأدباء أمامه (طوال هذا العصر الحديث) يدنون منه ثم يرتدون عنه، أو يطرقونه فلا ينفتح لهم، ووفق هو إلى أن يفتحه على مصراعيه، ويظهر للناس ما وراءه من حقائق ناصعة، يبتهج لها عقل الباحث والعالم والأديب».
درس أحمد أمين في كتابه «فجر الإسلام» تاريخ العرب قبل الإسلام ثم ظهور الإسلام وانتشاره، في صدر الإسلام والدولة الأموية، كما تناول شرائع الإسلام وأخلاقه، مبرزاً القيم الجديدة التي جاء بها، وما كان لها من تأثير في حياة الفرد نشأ عنه تحول وتهذيب للإنسان، وفي «ضحى الإسلام» تناول العصر العباسي الأول إلى نهاية المئة الأولى من حكم العباسيين، أما كتابه «ظهر الإسلام» فقد خصصه لفترة تتناول في جملتها الحركات الاجتماعية والأدبية والفِرَقَ الدينية التي ظهرت في العصر العباسي الثاني، ويرتكز محور التحليل في الجزء الأول على وصف الحالتين الاجتماعية والعقلية بما اشتملت عليه الأخيرة من أعلام وتيارات ومدارس. وينتقل المؤلف في الجزء الثاني ليتناول تاريخ العلوم والفنون والآداب في القرن الرابع الهجري، أما الجزء الثالث فيخصصه المؤلف لدراسة الحياة العقلية في الأندلس منذ أن فتحها المسلمون إلى أن أُخرجوا منها، ويتناول الجزء الرابع المذاهب والعقائد الإسلامية وتطورها وصراعها ومستقبلها.
لقد جاءت تلك السلسلة التي بذل فيها أحمد أمين جهداً خارقاً في لحظة تاريخية مهمة من عصر النهضة الحديثة، وكانت الساحة الثقافية بحاجة إلى تفكير مستنير، ورؤية عميقة للإسلام لكي تستطيع أن تواجه الدعوات المغرضة التي قامت ضده في تلك الفترة، فكان أحمد أمين هو خير من يتصدى لهذه المهمة، بعقله الراجح وعلمه الواسع.
ومن كتب أحمد أمين المهمة في تاريخ الفكر الإسلامي الحديث كتابه «زعماء الإصلاح في العصر الحديث» الذي تناول فيه التجارب الإصلاحية الإسلامية التي ظهرت خلال العصر العربي الحديث، وكان مساهمة مهمة في توثيق تاريخ أولئك المصلحين، وقد أصبح هذا الكتاب مرجعاً لكل من يدرس تلك الحقبة من تاريخ العمل النهضوي الإسلامي، وتياراته، وأطروحاتها الفكرية، فقد تناول تقريباً كل التجارب المعروفة، محللاً ومقارناً ومستنتجاً، من دون إغفال للسياق الحضاري الذي كان يعيشه أولئك المصلحون والمشكلات التي تصدوا لها، وأرادوا حلها، والأهداف التي قصدوها، وقد تناول الكتاب بالدراسة عشرة من المصلحين هم: محمد بن عبد الوهاب، ومدحت باشا، وجمال الدين الأفغاني، وأحمد خان، وأمير علي، وخير الدين التونسي، وعلي مبارك، وعبد الله النديم، وعبد الرحمن الكواكبي، ومحمد عبده. -
كانت السياسة عند أحمد أمين تعني الوطنية لا يرى فرقا بينهما، وترجع معرفته بالسياسة وأقطابها إلى أستاذه عاطف بركات، وقد أُعجب الزعيم سعد زغلول به وبوطنيته، وبدقة تقاريره التي كان يكتبها عن أحوال مصر إبان ثورة 1919 ورغم ميله للوفد فإنه لم يشارك في السياسة بقدر كبير خوفا من العقوبة، وفي صراحة شديدة يقول: "ظللت أساهم في السياسة وأشارك بعض من صاروا زعماء سياسيين ولكن لم أندفع اندفاعهم ولم أظهر في السياسة ظهورهم لأسباب أهمها لم أتشجع شجاعتهم، فكنت أخاف السجن وأخاف العقوبة".
صدامه مع طه حسين
بدأ اتصال أحمد أمين بجامعة القاهرة سنة (1926م) عندما رشحه الدكتور طه حسين للتدريس بها في كلية الآداب، ويمكن القول بأن حياته العلمية بالمعنى الصحيح آتت ثمارها وهو في الجامعة فكانت خطواته الأولى في البحث على المنهج الحديث في موضوع المعاجم اللغوية، وكانت تمهيدا لمشروعه البحثي عن الحياة العقلية في الإسلام التي أخرجت "فجر الإسلام" و"ضحى الإسلام".
تولى في الجامعة تدريس مادة "النقد الأدبي"، فكانت محاضراته أولى دروس باللغة العربية لهذه المادة بكلية الآداب، ورُقِّي إلى درجة أستاذ مساعد من غير الحصول على الدكتوراة، ثم إلى أستاذ فعميد لكلية الآداب سنة (1358 هـ= 1939م)، واستمر في العمادة سنتين استقال بعدهما لقيام الدكتور محمد حسين هيكل وزير المعارف بنقل عدد من مدرسي كلية الآداب إلى الإسكندرية من غير أن يكون لأحمد أمين علم بشيء من ذلك، فقدم استقالته وعاد إلى عمله كأستاذ، وهو يردد مقولته المشهورة: "أنا أصغر من أستاذ وأكبر من عميد".
في الجامعة تصدَّع ما بينه وبين طه حسين من وشائج المودة إذ كان لطه تزكيات خاصة لا يراها أحمد أمين صائبة التقدير، وتكرر الخلاف أكثر من مرة فاتسعت شُقَّة النفور، وقال عنه طه: "كان يريد أن يغير الدنيا من حوله، وليس تغير الدنيا ميسرا للجميع". وقد عد فترة العمادة فترة إجداب فكري وقحط تأليفي لأنها صرفته عن بحوثه في الحياة العقلية
يحكى أحمد أمين قصة خلافه مع الدكتور طه حسين خلال الفترة الأولى التى تولى فيها أحمد أمين عمادة كلية الاداب بجامعة فؤاد الأول(القاهرة حاليا). فيتهم امين استاذ سابق بكلية الاداب بالدس بينه وبين طه حسين..وسرعان ما بدات العلاقة تفتر بسبب ان عميد الادب العربىكان يتوقع أن اعمل فى الكلية حسب اشارته وطوع أمره وهذا ليس من أمرى، فنانا متاثر بالقضاء واتحرى العدل واطالب به واعمله مهما كانت النتائج، فلما خالفته فى رايه غضب وتغير وبدأت الامور تجرى مجرى الخصومة .. مثل واقعة الدكتور سليمان حزين الذى اراد الدكتور طه حسين ترقيته استاذا مساعدا للجغرافيا رغم رفض قسم الجغرافيا وترشيحه الدكتور عبد المنعم الشرقاوى وعرض الامر على مجلس الكلية وايدت ترشيح الشرقاوى مع الاغلبية فغضب العميد وقال باعلى صوته " انكم تلعبون.." فغضبت ن ذلك ..
تصالحنا بعد ذلك لكن الصلح لم يدم سوى اياما فادركت ان السبب لا يمكن علاجه لانه يرجع الى الطبيعة لا الى سبب ظاهرى فامتنعت عن السعى الى الصلح.. ايضا الدكتور طه حسين خلق بحاجة الى التدليل الدائم فهو يريد الشيئ ويتظاهر بعكس ذلك واقرب الناس اليه من يدلله فيرجوه فى قبوله وهكذا. وقد ضاق صدرى من هذا لافراط فيه وعدم قدرتى على مجاراته.
أصيب أحمد أمين قبل وفاته بمرض في عينه، ثم بمرض في ساقه فكان لا يخرج من منزله إلا لضرورة قصوى، ورغم ذلك لم ينقطع عن التأليف والبحث حتى توفاه الله في 27 رمضان 1373 هـ الموافق 30 مايو 1954م، فبكاه الكثيرون ممن يعرفون قدره. ولعل كلمته: "أريد أن أعمل لا أن أسيطر" مفتاح هام في فهم هذه الشخصية الكبيرة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة