تراودنا رغبةً مُلحةً في فهم الطبيعة المحيطة بشكل يعجز عن التعبير، ولكن الله أمد الإنسان بالعقل حتى يُسمح للإنسان أن يكتشف أسرار هذا الكون تدريجياً حتى حد معين، ولكن ماذا عن أسرار الإنسان نفسه؟ هل الإنسان قادر على فهم نفسه أم أن النفس معقدة لهذه الدرجة من التقلبات والافكار الغير مترابطة؟.
دعونى أطرح عليكم مثالاً بسيطاً: "ربي، لقد نفذ صبرى وضاق صدرى ولم أعد احتمل. يارب إنني أحتاجك بشدة" عباراتٌ يائسةٌ قالها صديقنا أحمد وهو جالس في غرفته ناظراً إلى سقف الغرفة؛ تملكه الاكتئاب وسيطرت عليه كثيرٌ من الطاقات السلبية. صمت لوهله وصرخ مجدداً وقال:"أنت أعلم الناس، أنت من خلقتني هكذا؛ أنت من قدر لي هذا؛ أنت لم تكن بجانبي أبداً. أنا حتى لا أدرى إن كنت موجوداً!". سلسالٌ من الندمِ وشفقةِ النفسَ شريداً وحيداً. أتعلمون لو عرف الإنسان ماذا يُخبئ له القدر لحمد الله حمداً كثيراً ولكننا ضعاف جداً؛ ضعاف لدرجة أننا لا نريد الاعتراف بالهزيمة بل نُحمل الآخرين منا زنباً لم يقترفوه. فما بالُكَ لو حَمّلت الله زنباً كهذا!
هل تنتظر أن يرد الله على أحمد؟ بالتأكيد لن يرد بهذه الطريقة بل سينير قلبه ويلهمه لفعل الصواب. الله ليس بصنم فهو يشعر ويتكلم ويجيب عن أسئلتنا ولأن رب الخير لا يأتي إلا بالخير؛ فما عليك إلا بالثقة به.
أحزنني أنني أرى كثيراً من المصلين طمعاً في الفائدةِ الناتجةِ عن هذا الفعل. فنجد أناس يصلون رغبةً في شىء يحتاجونه بشدة ولا يجدون سبيلاً إلا أن ينحنوا بجبهتهم الكاذبةِ على تلك القطعة الطاهرة من القماش كما لو كانوا حولوا الصلاة والدين إلى تجارة او مقاضية؛ تصلي لتحصل على ما تريد. هل هذه حقاً عبادة؟!
قال الله تعالى في كتابه العزيز:"إنا خلقنا الإنسان في كبد"، لكن دعوني أسألكم: هل خَلقنا الله لنتعذب في الدنيا؟ بالتأكيد لا؛ لأن الله خلقنا لنبدأ حياة جديدة. فبعد أن انتهت الحياة في الجنة منذ آدم -عليه السلام- وظن الإنسان أنه يتلقى عقاباً لا مثيل له حتى أبد الدهرِ، ولكن إن تمعنت في حكمةِ الله ستجد أنه لا يريد منك إلا أن تبدأ حياةً جديدةً فعند الله ما ينتهى يبدأ من جديد ولكن في صورة أخرى، صورة أكثر جمالاً.
أتعلم ماذا يحدث عندما تُردد من جوفك ومن قلبك لفظ "يا الله" عند سؤاله عن ما يسمى بالمستحيل؟ إننى أعرف شخصاً ومعه قومه أرادوا أن يستنجدوا بالله؛ فشق الله البحر من أمامهم ليعبروه في سلام وعندما أراد فرعون أن يعبر مثلهم، وجد نفسه مدفوناً في أعماق البحر وجعل من لحمه ولحم من معه طعاماً للسمك. وهناك من أراد أن يذهب من مكة إلى المدينة ومعه صاحبه الصِديق وهم في غار ثور وهم على وشك أن يُلاحظوا من أولائك الكفار وكان صاحبه خائفاً. رد عليه رسول الله وقال "لا تحزن إن الله معنا". مع الله لا يوجد ما يُسمى بالمستحيل. الله -سبحانه وتعالى- لا يكره أي عبدٍ من عبيدهِ بل يُحب ما يخلق ومن يخلق والكل عند الله سواء. لذلك لا تحزن إن أراد الله أن يختبر صبرك ولا تقل أن الله غاضبٌ مني بل قل أن الله يحبني وقد افتقدني كثيرا وأريد أن أخاطبه وأدعوه.
الصلاةُ فرضٌ علينا واول شرط فيها هو صفاء النفس والرضا بما قَسَمَهُ الله لك. فقال الله تعالى في كتابه العزيز: "زُينَ للناس حبُ الشهواتِ من النساءِ والبنينِ والقناطيرِ المقنطرةِ من الذهبِ والفضةِ والخيلِ المسومةِ والانعامِ والحرثِ ذلك مَتاع الحياة الدنيا والله عِندَهُ حُسنُ المئابِ" صدق الله العظيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة