تواصل عدد من محافظات الجمهورية عملية حصاد القمح المنزرعة التي بدأت في بداية الشهر الحالي وتنتهي حتى شهر يونيو، حيث أوضحت المؤشرات أن النتائج الأولية لموسم حصاد القمح في جميع أنحاء الجمهورية مبشرة نتيجة نجاح خطة الإرشاد الزراعي في أنحاء الجمهورية، ومن المقرر أن تتضاعف مساحات الأرض المنزرعة بالقمح العام المقبل.
وفى مثل هذا التوقيت من كل عام يتبادر إلى أذهان العديد من التجار والفلاحين السؤال حول مدى جواز شراء القمح قبل حصاده من الناحية القانونية والشرعية وما هي الشروط الواجب توافرها حتى تتحقق عملية الييع، فعلى سبيل المثال لو أن هناك شخص معه مال يريد أن يستغله، فيقوم بشراء القمح قبل حصاد المحصول بشهور بسعر أقل للإردب مع علمه الحقيقى بالسعر الذي هو أكثر من المعروض.
مدى جواز بيع وشراء القمح قبل حصاده شرعاَ وقانوناَ؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية تهم ألاف التجار والفلاحين خاصة بعملية بيع وشراء الثمار وعلى رأسها القمح قبل حصاده – وهو لا يزال على الأرض – سواء من الناحية الشرعية أو من الناحية القانونية، وماذا يعرف مثل هذا النوع فى عملية البيع والشراء؟ وماذا لو نقص الثمن فيه عن الثمن وقت ظهور المحصول، وعن الثمن الذي حددته الجهات المعنية من أسعار – بحسب الخبير القانوني والمحامى محمد شليل.
المشرع أجاز البيع ووضع 7 شروط لصحته
فى البداية – يجب أن نعلم إن عملية بيع المزارعين أو الفلاحين محصولهم من أرز وقمح ونحوه قبل حصاده بالحالة المذكورة هو المعروف في الفقه الإسلامي ببيع السلف أو السلم - وهو بيع آجل - وهو القمح أو نحوه كالأرز- بعاجل - وهو الثمن – والقمح والأرز مما يجوز فيهما السلم شرعًا وقانوناَ، فيجوز للمزارعين من الناحية القانونية أن يتعاقدوا على بيع كمية من القمح الجديد أو الأرز الجديد بالثمن المتفق عليه الذي يقبضونه من التاجر المشتري له في مجلس التعاقد على أن يسلم المبيع إلى المشتري في الوقت والمكان المعينين للتسليم، ويجب أن يذكر في العقد ما يفيد كمية المبيع ونوعه وصفته ومقداره ووقت التسليم ومكانه والثمن المقبوض بما يرفع الجهالة ويمنع وقوع النزاع – وفقا لـ"شليل".
التعاقد
ماذا لو نقص الثمن فيه عن الثمن وقت ظهور المحصول؟
وفى الحقيقة متى توافرت هذه الشروط في هذا البيع المسؤول عنه كان صحيحًا وجائزًا قانوناَ وشرعًا ولا شيء فيه وإن نقص الثمن فيه عن الثمن وقت ظهور المحصول، وعن الثمن الذي حددته الجهات المعنية من أسعار؛ لأن الجهات المعنية حين تشتري من المزارعين المحاصيل لا تدفع الثمن الذي تحدده إلا بعد استلام المبيع فعلا، ولا تدفعه مقدما قبل خروج المحصول كما هو الحال في بيع السلم المفروض فيه شرعًا أن يشتري رب السلم – المال - سلعة معدومة عند الشراء بثمن أرخص من ثمنها عند استلامها في الميعاد المحدد لتسليمها ليحصل له من ذلك ربح تحقق منفعته هو ومنفعة البائع له بحصوله على المال الذي يحتاج إليه، فحصل الفرق بين شراء الجهات المعنية وبين بيع السلم الجائز شرعًا متى توفرت شروطه المذكورة – الكلام لـ"شليل".
وهل تصح عملية البيع بثمن حال وبثمن مؤجل إلى أجل معلوم؟
وعملية البيع قانوناَ وشرعاَ تصح بثمن حال وبثمن مؤجل إلى أجل معلوم، فإذا كان الأجل في البيع المسؤول عنه معلوما صح هذا البيع، ولا شيء فيه، لأنه من قبيل المرابحة، وهي نوع من أنواع البيوع الجائزة من الناحية القانونية والشرعية التي يجوز فيها اشتراط الزيادة في الثمن في مقابلة الأجل، لأن الأجل وإن لم يكن مالًا حقيقة إلا أنه في "باب المرابحة يزاد" في الثمن لأجله إذا ذكر الأجل بمقابلة زيادة الثمن قصدا، فاعتبر مالًا في المرابحة احترازا عن شبهة الخيانة فيها، وبهذا يجوز بيع السلعة بثمن مؤجل زائد عن ثمنها الحال إذا كان الأجل معلوما.
الرأى الشرعى فى بيع القمح قبل حصاده
أما من الناحية الشرعية، فقد سبق لدار الإفتاء التصدي لمسألة بيع القمح أو الأرز قبل حصاده فى الفتوى المقيدة برقم 3433 حيث قالت رخص الشارع فيه وإن كان المبيع معدوما وقت العقد بنص القرآن في آية المداينة في سورة البقرة وبالسنة الصحيحة؛ لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: "مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ مِنْ كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ"، رواه الجماعة وانعقد عليه الإجماع.
دار الإفتاء
ووفقا لـ"الفتوى": قال الكمال ابن الهمام في فتح القدير بيانا لحكمة مشروعية هذا النوع من البيع لحاجة كل من البائع والمشتري إليه: "فإن المشتري - وهو رب السلم - يحتاج إلى الاسترباح لنفقة عياله وهو بالسلم أسهل، إذ لا بد من كون المبيع - وهو المسلم فيه - نازلا عن القيمة فيربحه المشتري، والبائع - وهو المسلم إليه - قد يكون له حاجة في الحال إلى المال وقدرة في المآل على المبيع، فتندفع به حاجته الحالية إلى قدرته المالية، فلهذه المصالح شرع"، وجاء في المغني لابن قدامة الحنبلي: "إن الإجماع على جوازه، لأن بالناس حاجة إليه لأن أرباب الزروع والثمار والتجارات يحتاجون إلى النفقة على أنفسهم وعليها لتكمل، وقد تعوزهم النفقة فجوز لهم السلم ليرتفقوا ويرتفق المسلم – المشتري - بالاسترخاص وهو أخذ المبيع رخيصًا".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة