- الفن يربح الجولة الفاصلة مع الإرهاب
- دفاع الإخوان عن عشماوى وهجومهم على "منسى" يفضحان روابط الجماعة مع كل التيارات الإرهابية
- 120 ثانية قبل تتر "الاختيار" تطلق كلاب التنظيم لنهش روح الوطن وجثمان الشهيد
- توثيق الوقائع بمشاهد أرشيفية يحاصر فرص هروب الجماعة من جرائمها كما اعتادت منذ الثلاثينيات
- قنوات اسطنبول تستعيد طريقة استهداف فيلم الممر وتطلق سهامها على المسلسل قبل بدء العرض
- واقعية الأحداث وبساطة الأداء والصورة وإيقاع الحكاية وموسيقى تامر كروان تفوز على الإخوان من الحلقة الأولى
- ارتباك عملاء اسطنبول يشتت سهامهم بين استهداف المنسى وكرارة والدولة والفن ودراما رمضان
دقيقتان فقط كانتا كفيلتين بإصابة كبد الإخوان. اختار باهر دويدار وبيتر ميمى أن يبدأ العمل من الذروة. عادا إلى السابع من يوليو 2017 مازجين المتاح من مشاهد اقتحام تمركز الكتيبة 103 صاعقة فى مربع البرث جنوبى رفح بشمال سيناء، وتدخلات تمثيلية محسوبة بدقة لدمج وجه أمير كرارة فى بنية الأحداث. يطمئن الضابط أحمد صابر المنسى على رجاله وتمركزهم داخل مقر الكتيبة، ثم يقطع عهدا بألا يأخذ الإرهابيون أحدا منهم، حيا أو ميتا، وبعدها يخرج للمواجهة التى فاضت فيها روحه!
أقل من ثلاث سنوات بين استشهاد المنسى ورفاقه، وعودته الرمزية مجددا فى صراع أقوى وأعمق مع الإرهاب، وأكثر منها قليلا بين اقتحام مقر الكتيبة، وتهديد القيادى بجماعة الإخوان، محمد البلتاجى، من اعتصام رابعة المسلح "صيف العام 2013" باستمرار الإرهاب الدموى فى سيناء ما لم تخضع الدولة للتنظيم، وتسحق ملايين الثائرين عليه لصالح إبقاء حكم مكتب الإرشاد ومندوبه محمد مرسى فى قصر الاتحادية. خلال السنوات السبع تغيرت كثير من الأمور: استُشهد المنسى وعشرات من أبطال مصر، وذهب هشام عشماوى ومئات الإرهابيين إلى الجحيم. نجحت الدولة فى تحجيم التيارات الإرهابية، وتآكلت "الإخوان" بعدما لفظها الشارع تماما. هناك أمر واحد لم يتغير تقريبا، هو عداء الجماعة لمصر بصورتيها المؤسسية والشعبية، وحربها ضد كل من يقف على ضفة الوطن، حتى لو كان شهيدا لم يعد يحمل السلاح ويُبدد النوايا السوداء بضوء الرصاص. الجماعة تكره النور تماما، ويبدو أن "منسى" من جنته ما يزال قادرا على إطفاء جحيم الإخوان!
المنسى يهزم إرهاب الإخوان
كان العقيد أركان حرب أحمد صابر منسى ضابطا مميزا بالصاعقة، ومقاتلا مشهودا له ضمن أبطال الكتيبة 103 صاحبة الصيت الواسع، التى تولى قيادتها عقب استشهاد سلفه العقيد رامى حسنين فى تفجير استهدف مدرعته أواخر أكتوبر 2016. خلال سنوات العمل فى سيناء أنجز المنسى عمليات نوعية مهمة، وربح جولات عديدة فى مواجهة الإرهاب، أهمها هزيمة الإخوان ممثلة فى تهديدات محمد البلتاجى، بإبقاء الأوضاع قيد السيطرة رغم كثافة الاستهداف والتمويلات ودعم بعض القوى للميليشيات الإرهابية بالمنطقة، وإفساد كل محاولات إشعال شمال سيناء أو إخراجها عن سلطة الدولة.
من ناحية التنظيم، تعامل الإخوان مع القوات المسلحة باعتبارها العدو الأول. كانت الجماعة تتطلع لتطويع المؤسسة حتى تكون قوتها الضاربة للسيطرة على مفاصل الدولة، وانتظرت من الوحدات العسكرية الانحياز للتنظيم على حساب الشعب، ومساندة حكم المرشد رغم إرادة ملايين المتظاهرين فى شوارع 30 يونيو. تجاهلت الجماعة أو لم تكن تعى أن العقيدة القتالية الراسخة لدى العسكرية المصرية تختلف تماما عن تلك الرؤية الإجرامية لتنظيم انتهازى احترف الكذب وتلوث بالدم منذ نشأته. لذا كانت محطة إطاحة الجماعة من السلطة نقطة مفصلية لتطور حالة العداء للدولة داخل الإخوان. تلك الحالة كانت مضاعفة بالنسبة للمقاتلين المشتبكين مع الإرهاب مباشرة. يُمكن القول إن التنظيم كره أحمد منسى ورفاقه مرتين: الأولى لأنهم أبناء المؤسسة العسكرية، والثانية لأنهم يتصدون لعناصر التنظيم وحلفائه المسلحين، ويُحبطون خططهم العملية لتقويض الدولة من أطرافها!
سعت قواعد التنظيم الإرهابى للضغط على المؤسسات عبر تنشيط الأذرع الإرهابية. تشكلت مجموعات من داخل الإخوان مثل حسم ولواء الثورة، وانخرط مئات من عناصرها فى التنظيمات الأخرى داخل سيناء وغيرها. لم تُفرق تلك التحركات فى عملياتها بين المدنيين والعسكريين، اعتبرت أن لها ثأرا مع الفريق الأول لثورته عليها، وناصبت الباقين العداء لأنهم ساندوا الثائرين. كان المنسى ورفاقه الشهداء أهدافا مباشرة بدءا من العام 2013 بدفع من تلك الرؤية. هكذا تخيلت الجماعة أن بإمكانها هزيمة الدولة ومؤسساتها، وأن تلك الهزيمة الافتراضية المستحيلة ستكون مقدمة لاستعادتها مقاليد السلطة. فى المقابل كانت تتكبد هزائم قاسية، وفضائح تبدد ما زرعته من أكاذيب فى عقول البسطاء، وحتى عندما أوقعت شهداء من المقاتلين فى صف الدولة، كانت على موعد مع انهزام جديد!
نجح العقيد منسى فى هزيمة جماعات الإرهاب خلال جولات عديدة خاضها معهم. وكان استشهاده ضربة أقسى من رصاصه. مشهد استهداف الكتيبة 103 واستشهاد نحو 26 مقاتلا من أبطالها أضاف كرها جديدا للإخوان وحلفائهم، وعزز حالة الرفض والنفور من كل ما تعتنقه الجماعة أو تحاول الترويج له، وفضح التحالفات المشبوهة بين قادتها فى اسطنبول وقواعدها بالداخل والمجموعات المسلحة المتعاونة معها فى سيناء وغيرها، والأهم أنه وثق جريمة بشعة لا يمكن الهروب منها، كما فعلت الجماعة مع جرائم أخرى طوال العقود السابقة، وأضفى على منسى ورفاقه ملمحا أسطوريا يتجاوز قيود الجغرافيا وسنوات الخدمة وحدود القتال التقليدى، لتصبح الذاكرة الحية ساحة حرب، والوقائع الثابتة أسلحة وذخيرة، واسم المنسى ورجاله رايات انتصار مضمون. تلك الحالة الاستثنائية لا تُمثل انكشافا فاضحا للجماعة أمام الوعى الجمعى فقط، وإنما تقارب حدود الهزيمة المتجددة فى الزمن، إذ لا تملك الجماعة أن تزيف حقائقها، وغاية ما تستطيعه أن تشن حربا جديدة على أسماء الشهداء، فتكتسب مزيدا من العار والفضيحة والهزائم، فى متوالية لا تنقطع من عمليات تعرية التنظيم وتعميق خسائره!
الفن يدك معاقل الإرهاب
منذ تأسيسها أواخر عشرينيات القرن الماضى، تورطت جماعة الإخوان فى عشرات الجرائم والأعمال الإرهابية. قتلت النقراشى والخازندار وأحمد ماهر وحاولت اغتيال جمال عبدالناصر، حرقت وفجرت حارة اليهود بالموسكى وعشرات المحلات ودور السينما وشاركت فى حريق القاهرة، خططت لتفجير القناطر الخيرية وإغراق الدلتا، شاركت فى تدشين الجماعة الإسلامية ورعت عملياتها وغيرها من التيارات، بدءا من أحداث الفنية العسكرية حتى موجة التسعينيات، مرورا باغتيال الرئيس أنور السادات. سجل طويل من الإرهاب والدم، كانت الجماعة تتحايل عليه بالتضليل وتشويه الأدلة واختلاق روايات خاصة للتغطية على حقائق الوقائع وما دوّنه المؤرخون والكتاب وأوردته أوراق التحقيقات والقضايا. تعرف الجماعة الإرهابية أن التوثيق ألد أعدائها، وأنها قد تظل بمأمن رغم كل جرائمها، طالما ظلت الجرائم غير موثقة!
تبدو تلك الحقيقة أكثر وضوحا بالعودة إلى ديسمبر 2012، عندما اغتالت عناصر الإخوان الصحفى الناصرى الحسينى أبوضيف، لأنه وقف أمام قصر الاتحادية بكاميرا بسيطة يوثق جرائم الجماعة واعتدائها على متظاهرين رافضين لقرارات محمد مرسى المضادة للدستور، بينما كان الوجه الإخوانى محمود مكى، النائب الجديد للرئيس عقب إعلان 12 أغسطس، يهدد ويتوعد بالحشد والعنف فى مؤتمر رسمى من داخل القصر. تكرّر الأمر فى وقائع أخرى باعتداءات ممنهجة على صحفيين ومصورين وأطقم بث تابعة لقنوات رسمية وخاصة. وكانت ذروته فى اعتصام رابعة الذى اختُطف فيه صحفيون ذهبوا لممارسة عملهم، ثم أُخضعوا لتحقيقات مُشدّدة وعمليات تعذيب ممنهجة داخل غُرف أُعدّت خصيصا لتلك الأمور!
أهم ما فى مسلسل الاختيار، الذى بدأ عرضه مع أول أيام رمضان، ويروى سيرتى الشهيد أحمد منسى والإرهابى هشام عشماوى، أن صناعه كانوا واعين لتلك النقطة المفصلية. الإخوان يعشقون الظلام ويعيشون فيه، لذا لا يوجد شىء يزعجهم أكثر من إضاءة الأنوار، سواء بإطلاق الرصاص على مخططاتهم فى مهدها، أو إدارة الكاميرات وتوثيق الوقائع. هذا الانحياز التوثيقى اتُّخذ عنوانا للمسلسل منذ أول مشاهده، بدمج المواد الأرشيفية المتاحة من الهجوم الإرهابى على مقر الكتيبة 103 ضمن بنية الأحداث، ثم نسج التتر الذى يشغل نحو أربع دقائق من عشرات المشاهد والصور الواقعية التى توثق جنازات الشهداء، وعنف الإخوان واعتداءهم على المواطنين، وشوارع 30 يونيو المتخمة برافضى حكم المرشد. وتكررت تلك الرؤية القريبة من الدراما التوثيقية عدة مرات خلال أول حلقتين، بدءا بتسلُّم هشام عشماوى من ليبيا ثم وصوله مصر على متن طائرة عسكرية من طراز C130، ومشاهد الهجوم على مجندين فى نقطة أمنية برفح خلال رمضان "أغسطس 2012"، ومؤتمرات متحدث الرئاسة الإخوانى ياسر على، واعتداء ميليشيات الجماعة على المتظاهرين أمام قصر الاتحادية، وغيرها من الوقائع الموثقة.
تكرار الصيغة التوثيقية، والمزج الاحترافى بين الدراما والمشاهد الأرشيفية، يؤكدان أن تلك الآلية ستصاحب المسلسل إلى النهاية. هنا يتخذ الفن طابعا أكثر واقعية من مُحاكاة الأحداث، إذ يُعيد إنتاجها فى سياق جمالى تتضافر فيه الدراما مع الذاكرة من دون نتوءات بصرية أو حكائية، بما يُعيد قراءة الأرشيف وفق رؤية فنية وسردية تاريخية أعمق مما يحتفظ به العقل لتلك الوقائع فى زمنها الحقيقى، ويُضفى على الصورة المصنوعة قدرا من موثوقية الرواية وحساسية الانفعال التاريخى. تلك المزاوجة تدك مكونات الخطاب الإرهابى، إذ تُحدث أثرا مضاعفا للصورة المصنوعة بفضل شحنة الذاكرة، وللمشاهد الأرشيفية بفعل جمالية الدراما وتفسيرها للأحداث، والأهم أنها تُعيد تجميع كل الوقائع وتوثيقها، حتى لا تتكرر أخطاء العقود الماضية، وتفلت الجماعة من تاريخها الأسود بسبب تشتت الذاكرة أو تضليلها بالروايات الإخوانية المكذوبة.
من الممر إلى الاختيار
العداء المركب الذى تحمله جماعة الإخوان تجاه الدولة والمصريين، يتجلى فى طيف واسع من المواقف ومحاولات الاستهداف. الأمر ليس معارضة للسلطة السياسية كما تدعى الجماعة، وإنما ضربا عميقا للمفاصل الحاملة لهيكل الدولة ومنظومة العلاقات المؤسسية والشعبية داخله. هكذا لا تُفرّق الخطابات الإخوانية بين القيادة والحكومة والبرلمان والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية والأحزاب والنقابات والأفراد والفن والإعلام. الجميع أعداء، والجميع مستهدفون بالدرجة نفسها!
خلال يونيو الماضى بدأ عرض فيلم "الممر"، الذى يجسد جانبا من بطولات مقاتلى المؤسسة العسكرية وعقيدتهم الوطنية والقتالية. منذ الإعلان عن موعد طرحه بدأت قنوات الإخوان التى تبث من اسطنبول هجوما حادا على الفيلم، امتد طوال وجوده فى دور السينما، ثم تجدد مع عرضه تليفزيونيا بالتزامن مع الذكرى السادسة والأربعين لانتصارات أكتوبر 1973. الصيغة نفسها من الهجوم تجددت مع مسلسل الاختيار، الذى استهدفته الجماعة بالتشويه منذ الإعلان عن بدء تصويره قبل شهور، فى المقابل أنتج الإخوان أعمالا درامية سطحية لترويج خطابات دعائية ضد الدولة ومؤسساتها، واحتفوا بشرائط مصنوعة ومواد ملفقة بثتها الجزيرة وغيرها. وبينما دافعوا طويلا عن الإرهابى هشام عشماوى منذ القبض عليه حتى إعدامه، هاجموا الشهيد المنسى وحاولوا تشويه صورته عبر برامج وحلقات مطولة فى قنوات الإخوان، أو تغطيات ومعالجات فى قنوات قطرية أو ممولة من الدوحة، ومن خلال مدونين يعملون تحت راية الجناح الإعلامى للإمارة من عينة عبد الله الشريف وأحمد بحيرى وصابر مشهور وغيرهم.
حالة الارتباك التى عاشتها دوائر الإخوان مع فيلم الممر، بعدما أحدث حالة من الالتفاف حول الدولة، ومسح آثار ست سنوات من الرسائل الدعائية للجماعة ومُموّليها، تجدّدت بدرجة أكبر مع مسلسل الاختيار. كانت الجماعة تخشى من تأثيرات استحضار قصة أحمد المنسى فبادرت بالهجوم، لكن مع سقوطها شعبيا وتحوّل الأغلبية إلى الجانب المضاد لروايتها، تسبب هذا الهجوم المبكر فى زيادة رواج المسلسل بشكل تجلّى فى نسب مشاهدة قياسية للحلقة الأولى، فبدأت البحث عن آليات هجوم أخرى. بدأ التنظيم مبكرا بمهاجمة أسطورة المنسى، بعدها هاجم الدولة والقوات المسلحة، ثم دعا لمقاطعة المسلسل، ثم مقاطعة دراما رمضان كاملة بدعوى التفرُّغ للعبادة، ثم مهاجمة أمير كرارة والحديث عن أجره. سقطت المحاولات كلها حتى الآن، وبالتأكيد ستبحث الجماعة عن وسائل أخرى، لكنها فى الغالب لن تخرج عن تلك المسارات، وستظل محكومة بالارتباك الناتج عن تكرار الفشل وانهيار كل السيناريوهات طوال سبع سنوات!
ورقة "منسى" الرابحة
كان أحمد منسى ورقة رابحة بين مقاتلى الصاعقة المصرية، وحتى بعدما غادر الأرض وأصبح حكاية درامية فإنه ما يزال ورقة رابحة. يُمثّل اسم العقيد الشهيد ثقلا وطنيا وشحنة عاطفية لا تُقاوم لدى ملايين المصريين، ومع إنتاج مقاربة حساسة بمُعطيات فنية قادرة على ترجمة تلك القيمة الرمزية بصريا، فإن المعادلة ستتجاوز الحيز الفنى إلى المواجهة النوعية مع الخطاب الضد، لتزيد رمزية اسم المنسى وأبعاده الأسطورية، وتُعمق النفور من إرهاب عشماوى وداعميه ومن يقفون معه فى مساحة واحدة.
ذكاء الرؤية الدرامية التى تأسس عليها مسلسل الاختيار يبدو واضحا منذ الدقائق الخمس الأولى، بالرهان على التباين الواضح عبر إنتاج سياقين متقابلين فى كل التفاصيل والمكونات: المنسى بعقيدته وأسرته ودوائره وجنوده، وعشماوى بأفكاره وتطرفه وانغلاق محيطه الاجتماعى وتحولاته الحادة. تلك التقابلات كان يُمكن أن تبدو فجّة حال حصرها فى حيز الدراما المصنوعة فقط، لكن الرهان على الطابع التوثيقى مع الاستعانة بالمشاهد الأرشيفية أضفيا قدرا من الاتزان مع تأكيد واقعية الأحداث، كما ساهم فى تعميق تلك الرؤية الاعتماد على أداء تمثيلى بسيط، ينحاز للنعومة والتدفق بدلا من التشنج والانفعال، ويُراهن على التأثير النفسى المستمد من إنسانية المواقف وشحنها ذاتيا من طاقة المتلقى نفسه، عبر دمج الذاكرة الانفعالية فى الصراع من خلال تحفيزها بالمشاهد الأرشيفية.
ترجمة تلك الرؤية بصريا راهنت على التوازن بين الجمال والتقشف. صنع المسلسل صورة جمالية فى تأثيرها وبسيطة فى تكويناتها، جاءت أغلب الكادرات طبيعية وغير معقدة، لتكون أقرب إلى اليوميات. وحقق السيناريو توازنا بين تدفق الحكاية بمستوياتها السردية وتقابلات المواقف لدى منسى وعشماوى، وحالة الاسترسال والحكى الحميمية بدون نتوءات أو قفزات غير مفهومة، بما يسمح بإدخال المتلقى ضمن طبقات الحكاية ويُبقى على انخراطه فيها. هذا التوازن صنع إيقاعا ذكيا لم يقلل من تدفق المسلسل وجاذبيته، وفى الوقت نفسه حافظ على التوتر والتقابل بين عشماوى المرتبك ومنسى المتدفق فى نعومة واتزان. وكانت موسيقى تامر كروان عنصرا معززا لتلك الرؤية، بقدرتها على الترجمة النفسية للشخصيات، والتوازن بين التدفق والارتباك، ودفع إيقاع المشاهد للأمام طوال الوقت. كل العناصر تضافرت لتصنع خلطة مُتجانسة، نجحت فى التأثير والتذكير والشحن وإعلاء أسطورة منسى ورفاقه مقابل الحط من إرهاب عشماوى وأشباهه، لذا تضررت جماعة الإخوان من المسلسل ونشطت فى مهاجمته، لأنها استشعرت خطر الانكسار أمامه منذ الحلقة الأولى!
لم يتطلب الأمر أكثر من 120 ثانية تسبق تتر المسلسل "أفان تتر"، لتطلق الإخوان كلابها ضد العمل وصناعه وبطله الشهيد، عبر القنوات التليفزيونية أو منصات مواقع التواصل الاجتماعى. وعلى العكس من كل خطاباتها المراوغة بشأن علاقتها بالإرهاب، كان هجومها على العقيد أحمد المنسى سابقا وحاليا، مقابل دفاعها عن الإرهابى هشام عشماوى من قبل والآن، دليلا واضحا على علاقة الجماعة المباشرة بالإرهاب، سواء العمليات أو التنظيمات، الأمر يتجاوز تهديدات البلتاجى وطارق الزمر وعاصم عبدالماجد وصفوت حجازى ومحمد عبدالمقصود وغيرهم من فوق منصة رابعة، إلى انخراط عناصر الجماعة فى صفوف القاعدة وداعش فى بيئات إقليمية ملتهبة، أو عملهم مع أنصار بيت المقدس وولاية سيناء ضد مصر. لم يعد هناك شك بشأن تورط الإخوان المباشر وغير المباشر فى كل العمليات الإرهابية منذ ثورة 30 يونيو 2013. صحيح أنها كانت تنكر الأمر إلى أن يثبت بحق عناصرها كما فى حادثتى اغتيال النائب العام الأسبق هشام بركات وتفجير معهد الأورام بالمنيل، إلا أن موقفها تجاه اسمى المنسى وعشماوى حاليا، وتجاه مسلسل الاختيار، يؤكد ما كان فى حيز الشك لدى عامة الناس. من هنا تتضاعف أهمية العمل بما يُشكّله من تفكيك لسرديات الجماعة، وإعادة بناء للذاكرة الوطنية، وتوثيق متكامل وذى دلالات عميقة للجرائم الإرهابية المُغلّفة بغطاء دينى. ويبدو المشهد كما لو كان الشهيد أحمد المنسى يُطلّ من جنّته الآن، لينفخ من روحه الطيبة بردا وسلاما، ويُطفئ جحيم الإخوان المفتوح على مصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة