فكيف للإنسان أن يرضى بالواقع مع ما في الواقع من جروح وانكسارات، وصدمات، كيف يمكن للإنسان أن يقبل الواقع ويرضى به؟
الإجابة ببساطة في رغبة البعض للوصول لقمة المثالية مع عجزهم عن تحمل الثمن الباهظ للتجارب السلبية، ولكن ما الذي يعطي القوة لتحمل التجارب الأليمة وقبولها؟
إن النية عنصر فارق حاسم في تلك المسألة، ولكي نفهم تلك المسألة سنعقد مقارنة بين شخصين، لكل شخص منهم نية مختلفة عن الآخر، الأول نيته الوصول للمثل العليا والأخلاق والإتقان، ولنطلق عليه اسم "الصالح"، والثاني يرى أن العيش في الحياة مع الفاسدين لا تكون إلا بمجاراتهم بفسادهم والتفوق عليهم في أدوات الفساد، فنيته دائماً إتقان لعبة الفساد ونطلق عليه اسم "الفاسد".
فهناك فارق كبير بين الصالح والفاسد عند اقترافهم لنفس الخطأ، فالخطأ عند الصالح مرحلة يعبرها للوصول للمثالية والأخلاق التي ينشدها، أما الثاني يرى في الخطأ والفساد أسلوب وسبيل حياة لا حياة بدونه، وأن المثل العليا مجرد قيم لا تصلح للحياة.
ولكن الصالح عند اقترافه الخطأ يرى نفسه في ميزان واحد مع الفاسد، ويقع في دوامة جلد الذات، وهنا تكمن المشكلة التي تستوجب التوقف والتصحيح، لأن وقوع الصالح بدوامة جلد الذات يعطل مسيرة التجربة لديه ويجعلها تتوقف عند مرحلة معينة، فتنتج خبرات ناقصة، بينما يستمر الفاسد في تجاربه بما يكسبه ثقة بالنفس متحملاً كافة آلام التجربة ليصل لمبتغاه.
فيا أيها الإنسان الصالح لا تجعل تشابه خطوات الخطأ بينك وبين الفاسدين تسلمك لحالة من عدم قبول نفسك أو قبول واقعك، فيجب عليك أن تتقبل طريقك بكل ما فيه من أخطاء وانكسارات، لأنها ببساطة جزء من الطريق الذي اخترته بنواياك الصالحة، تلك النية التي وضعتك في ميزان خاص بك بعيداً عن الفاسدين، ميزان يحفظ كرامتك وعزتك ويعطيك القوة لكي تكمل طريق المحاولة حتى تصل للإصلاح الذي تبتغيه.