أكرم القصاص - علا الشافعي

القارئ محمود رفعت الحلو يكتب: حضارة وادى النيل‎

الثلاثاء، 31 مارس 2020 04:00 م
القارئ محمود رفعت الحلو يكتب: حضارة وادى النيل‎ نهر النيل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

إذا بدأنا بمصر، فلعل أقرب ما يتبادر إلى الخاطر من نصيبها فى التمايز الإقليمى عن جيرانها، هو أن جريان نهر النيل فى أرضها قد خفف نتائج جفافها المناخى إلى حد كبير، على الرغم من دخولها فى النطاق الصحراوى العظيم الذى يمتد فى أغلب بقاع الشرق الأدنى من الخليج إلى المحيط. ثم استطاع أن يطبعها بطابع خاص من الكفاية والاستقرار، وأن يوجه معايش أهلها وجهة زراعية غالبة مترابطة منذ أن أنس أجدادهم إلى ضفافه وزاد استقرارهم عليها فى فجر تاريخهم القديم، ومنذ أصبحوا يستغلونه ويقدرون جوانب نفعه أكثر ما يتهيبون مظاهر جبروته وطغيان فيضاناته.

وأدت خاصية الامتداد الرأسى الطويل لنهر النيل من الجنوب إلى الشمال مع ندرة فروعه الطبيعية الجانبية فى مصر، إلى توزيع مواطن العمران فيها على جانبيه توزيعا رأسيا أكثر منه أفقيًّا، وهى ظاهرة أدت فيما هو معروف إلى تكاثف سكانها فى مناطق محدودة المساحات نسبيًّا، وإن سمحت فى مقابل ذلك بتيسير الاتصالات المكانية ووسائل النقل المائية بينهم،  وترتب على هذه الاتصالات البشرية والمكانية المتاحة بعض الأثر فى الإيحاء إلى الحكام والمفكرين المصريين القدماء بواقع الترابط الطبيعى بين أجزاء أرضهم ومدى اتصال مصالحها ومقومات حياتها وقوميتها، وأفضى هذا الأثر أو هذا الإيحاء، مع غيره من مجريات الأحداث القديمة فى مصر، إلى التبكير فيها بظهور أول وحدة سياسية كبيرة مستقرة معروفة فى تاريخ البشرية كلها.

ولم تخل البيئة المصرية من مشكلات تطلبت أن يوجهها سكانها بالتحدى العملى والفكرى حتى يتغلبوا عليها أو ييسروها ويقللوا من أخطارها، وغالبًا ما كانت التحديات ولا تزال من أهم الحوافز إلى الرقى والإبداع الحضاري.

والواقع أن أمور النيل والزراعة لم تكن هينة دائمًا فى أوائل عصور التحضر المصرى القديم، وإنما تخللتها مصاعب وظواهر ظلت تتطلب من أهلها كثيرًا من الصبر والجهد المتصل، وإن يكن جهدا منتجا فى حد ذاته، ففيضانات النهر كانت ولا تزال، على الرغم من جودها وانتظام مواسمها، تستدعى اليقظة الجماعية لمواجهتها، وتتطلب التعاون لتقليل أخطارها، وتحتاج إلى كثير من بذل الجهد وتطوير المهارة لتيسير الانتفاع بها وتوصيلها إلى الأراضى المرتفعة عن مستوياتها، وبقيت بعض ضفاف النيل ومناطق دلتاه بخاصة، على الرغم من خصوبتها الفطرية، موطنا للأحراج النباتية والمناقع المائية طوال دهور ما قبل التاريخ وخلال أوائل العصور التاريخية ذاتها، وبهذا ظلت هى الأخرى تحتاج إلى تكاتف بشرى وجهد متصل فى سبيل استصلاحها وتهذيبها واستغلالها. وأدت جهود المصريين فى الحالين إلى تزكية إحساسهم الجماعى بضرورة الارتباط بحكم مركزى مستقر يشرف على جهودهم العامة وينسقها وينظم الانتفاع بنتائجها.

وإذا كانت الصحراوات المصرية الواسعة قد شابهت غيرها من صحراوات الشرق الأدنى، فى مظاهر فقرها الطبيعي، وفى أن هذا الفقر كثيرًا ما دفع بدوها المحليين إلى تعكير أمن حواف المناطق الزراعية وطرق التجارة البرية، وظلت نتيجة لذلك تستدعى اليقظة الدائمة من الحكومات المصرية القائمة لكسر شرة بدوها.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة