عباس شومان

الجديد فى مؤتمر الأزهر العالمى للتجديد «5»

السبت، 28 مارس 2020 11:21 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من النتائج المهمة التى صدرت عن المؤتمر: «من الخلل الفكرى عدم التمييز بين ما هو عقدى وعملى وأخلاقى من الأحكام». والمراد من هذه النتيجة فك الاشتباك والخلط الذى تقع فيه الجماعات المتطرفة والإرهابية، وكثير من غير المتخصصين؛ حيث يصدرون أحكامًا على أفعال لا علاقة بينها وبين أحكامها، وهذه مشكلة كبرى تذيب الحدود الفاصلة بين أحكام الاعتقاد وأحكام الأعمال، فكثير من الناس يطلق لفظ «الكافر» مثلًا على تارك الصلاة تكاسلًا، مع أنه يعتقد فرضيتها، وكذا الصيام أو الزكاة أو الحج. وهذا خطأ؛ فالتكفير لا يكون إلا لخلل عقدى، ومعتقد ركنية ما سبق ذكره اعتقاده صحيح لا مشكلة فيه، وإنما مشكلته عملية تتعلق بتقصيره فى أداء هذه الأركان.
 
والخلل العملى وصف فاعله يكون بالعاصى وليس بالكافر، فمن ينكر بعض هذه الأركان أو جملتها، وكذا ما ثبت يقينًا تحريمه كالقتل والسرقة وشرب الخمر، وغير ذلك، يكون لديه مشكلة فى اعتقاده، بخلاف من آمن بحكمها إذا كانت من الفرائض الواجب أداؤها أو المحرمات التى يجب تركها، ولكنه أخل بما يجب عليه عمله، فهنا يكون فى دائرة العصيان لا الكفر.
 
وبيان المعصية والطاعة يكون من أهل العلم الثقات، ليس من عند أنفسهم
ولا تشهيًا، وإنما بالرجوع إلى أحكام الأفعال فى نصوصها، ففى الصلاة مثلًا يجدون قول الله عز وجل: «إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا»، ويجدون قوله تعالى: «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ»، والآيتان تدلان على فرضية الصلاة، كما دلت الأية الثانية على فرضية الزكاة أيضًا، وهنا يسهل وصف غير الممتثل لهذا الحكم القطعى بالعاصى؛ حيث رفض الامتثال لما أمره الله به، وهذا هو معنى العصيان كما يفهمه سائر البشر. أما إذا صاحب عدم الامتثال إنكار الحكم أيضًا؛ أى أنه لم يصلِّ ولم يزكِّ لكونه لا يؤمن بأن الصلاة والزكاة من الفرائض؛ فهنا انتقل الأمر من الحكم على الأفعال التى هى بين الطاعة والمعصية، إلى الحكم على العقائد.
 
وإذا كان الأمر متعلقًا بخلل عقدى؛ فإن كان الأمر ثابتًا بيقين كوحدانية الله، وصدق الرسل، والإيمان بالبعث والحساب.. إلخ، فإن إنكاره يخرج المنكر من الإسلام إلى الكفر، ومع ذلك لا يجوز لآحاد الناس ولا للعلماء الحكم عليه بالكفر؛ فقد ثبت شرعًا أن الحكم بالكفر يختلف كثيرًا عن الحكم بالمعصية؛ حيث إن المعصية لا تخرج العاصى من انتسابه إلى دينه الذى اعتقده، بخلاف الكفر؛ فهو يقطع صلته بهذا الدين بشكل تام، وحيث إن الكفر يتعلق بالباطن، وهو مما يصعب الوقوف عليه، بخلاف المعاصى؛ فإنها تتعلق بعمل الجوارح الظاهرة، وحيث إن الحكم الثابت بيقين لا يزول إلا بيقين يخالفه، وحيث إن المخالف هنا ثبت له الحكم بالإسلام قبل خلله العقدى هذا؛ فيبقى على حكم إيمانه حتى يثبت يقينًا اعتقاده لخلاف معتقده السابق، مع علمه وإصراره، وحيث إن أمر الاعتقاد باطن لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال إقرار المعتقد له به؛ فقد لزم سؤال المخالف المحكوم عليه عن اعتقاده، فإن أقر بما يفيد اختلاله؛ بُيِّنَ له خطورة خلله العقدى، وطولب بتصحيح اعتقاده قبل الحكم عليه، فتارك الصلاة مثلًا، يُسأل عن حكم إيمانه بها، فإن أقر بفرضيتها، فلا مشكلة فى اعتقاده ولا مجال للحكم بكفره، فهو فى دائرة العصيان متى تركها تكاسلًا عنها، وإن أقر بأنه تركها لكونه لا يعترف بأنها من أركان الإسلام؛ فقد جمع بين الخلل العقدى والخلل العملى، ومع ذلك لا يُحكم بكفره إلا بعد إعلامه بخطورة خلله العقدى، ومطالبته بالتوبة وتصحيح معتقده، ليكون اعتقاده فرضية الصلاة وغيرها من أركان الإسلام صحيحًا، وكذا ما ثبت تحريمه بيقين، فإن أقر بالحكم؛ فقد صحح خلله العقدى وبقى خلله العملى حتى يمتثل ويؤدى الصلاة، ويخرج القدر الواجب عليه من الزكاة، ويصوم رمضان كبقية المسلمين، وهكذا فى بقية أركان الإسلام.
 
ودور العلماء فيما يتعلق بالخلل العقدى هو البيان والتحذير من المخالفة، والإعلام بأن الخلل العقدى يضر بالعقيدة فيكفر صاحبه، وينتهى دورهم عند هذا الحد؛ بمعنى أنه ليس من حقهم إسقاط حكم الكفر على شخص أو جماعة وإن اعترفوا بخلل عقدى؛ وذلك لما سبق بيانه من أن الوقوف على الخلل العقدى يحتاج إلى تحقق وتثبت وإعذار وإنذار، ويترتب على الحكم بالكفر العديد من الآثار، ولذا كان المختص بإصدار الحكم بالكفر القضاء وحده؛ فهو جهة الإلزام بتطبيق أحكامه وترتيب آثارها، ولا يملك العلماء ولا المؤسسات شيئًا من ذلك، بخلاف المعاصى؛ فدور العلماء يكون ببيانها والتحذير منها، والحكم على أصحابها بأنهم عصاة؛ حيث إن الحكم فى هذه الحال لا يترتب عليه إلزام، وإنما إعلام به ليكون لصاحبه الخيار، فإما الامتثال والتوبة أو البقاء على معصيته، وتبقى سلطة الإلزام لولى الأمر بحكم ولايته العامة وقيامه على حفظ الدين وشريعته، فمن واجبه إلزام الناس بالاستقامة على أمور دينهم الظاهرة؛ ولذا يعاقبهم على المجاهرة بالإفطار فى نهار رمضان؛ لما فيه من انتهاك لحرمة الشهر وإغواء للآخرين، وكذلك له أن يصدر من القوانين ما يحافظ على سلامة الامتثال لأحكام شرائع ديانات المواطنين، ولا يملك العلماء ولا غيرهم من الأفراد أو الجماعات شيئًا من ذلك.
 
أما الخلل الأكبر، فهو المتعلق بإدخال الأمور التى تتعلق بالعادات ومكارم الأخلاق فى دائرة الأحكام الملزمة بالفعل أو الترك، مع أن هذه الأمور لا تخرج عن دائرة التخيير من جملة الأحكام التكليفية التى تشمل الندب والكراهة والإباحة، فالحكم بتحريم الصلاة وقت شروق الشمس أو الزوال أو الغروب خطأ؛ لأن الحكم الصحيح هو الكراهة، والحكم بوجوب إكرام الضيف خطأ؛ لأنه مندوب إليه لا يأثم تاركه وإن فاته ثوابه؛ ولذا كان من الضرورى الفصل بين الأمور العقدية وأحكامها وبيان دور العلماء فيها ودور القضاء، وبين الأمور العملية بما فيها من إلزام وتخيير، وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة