القارئ محمد محمد صقر يكتب: فيروس كورونا

الثلاثاء، 24 مارس 2020 12:00 م
القارئ محمد محمد صقر يكتب: فيروس كورونا فيروس كورونا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ولد الإنسان خائفاً، أمه تبكى ألماً، وهو يبكى فزعاً من العالم الجديد الذى يدخله. ولكن عندما تحتضنه أمه، وترضعه يشعر بالأمان والرضى والاستقرار. وما نشهده اليوم على الساحة العربية ما بين فعل الكورونا وفعل الانتماء المعنوى لهويتنا الوطنية، أصبح يخجل الكثيرين منا بفعل مرضهم من هويتهم، أو بفعل ما ينصب عليهم وعلى ذويهم من اتهامات وتجريح من قبل الآخرين.

ناهيك عن انعدام ثقة المواطن بدولته وبمؤسساتها المختلفة، سيما المؤسسات ذات العلاقة وعلى رأسها وزارة الصحة اليوم، مما يزيد تخوفهم من عدوى الفيروس وميكروبات الأفكار الهدامة والتخريبية التى يتم تداولها عبر وسائل الإعلام المختلفة وخاصة الإعلام الجديد المتمثل بوسائل التواصل الاجتماعي.

ولكى لا نلق اللوم على أحد هنا أو هناك، يجب علينا أن نعترف جميعاً، بأننا اليوم أمام وباء عالمي، عابر للقارات، ليس حكراً على دولة دون أخرى، وكل فرد منا فى هذه الدولة أو تلك مسئولا عن تصرفاته وأفكاره وحتى ردود أفعاله، وهو المسئول الأول عن حماية نفسه وحماية المحيطين به أو تدميرهم بأفكاره الهدامة والبائسة. ونتساءل نحن هنا – كمثقفين ومتخصصين- هل هناك حاجة لمنهجية خاصة فى التعاطى مع أنفسنا ومع الآخرين فى ظل هذا الوباء العالمي؟ وماذا عن الخوف والتوتر العصبى والقلق؟ وما هى علاقتها بالصحة النفسية والصحة الجسمية؟!

هذا الوباء يهدد صحة الإنسان

يتفق المتخصصون على أن هذا الوباء العالمي، وباءً يهدد صحة الإنسان كما الأوبئة الأخرى المعروفة، ولكن أخطر ما فيه، أن نقبع – جميعاً – فريسة للخوف والضغط العصبى والقلق، الذى قد يؤدى بنا الى الوقوع بأمراض نفسية وجسمية قد لا تحمد عقباها.

أصبح مرهقاً ومؤذياً، يؤثر على الصحة والمزاج العام

ولا ننكر هنا بأن الخوف هو رد فعل طبيعى للتعامل مع الخطر، وشعورنا بالتوتر والضغط والقلق يعتبر حالة انفعالية مركبة غير سارة تمثل مزيجاً من مشاعر الخوف المستمر والفزع والرعب والانقباض والهم نتيجة توقع شر وشيك، أو الاحساس بالخطر والتهديد من شيء ما مبهم وغامض، يعجز المرء عن تبينه او تحديده على نحو موضوعي، الا أنه إذا تخطى حدوده الطبيعية أصبح مرهقاً ومؤذياً، يؤثر على الصحة والمزاج العام والعلاقة بالآخرين وعلى جودة الحياة ككل.

“التوعية النفسية” ضرورة حياتية

ففى ظل تلك الراحة القلقة لدى العديد من الأفراد بفعل فيروس كورونا، تعد “التوعية النفسية” ضرورة حياتية ليس فقط على مستوى الأزمة الصحية والتخوف من المرض بل هى ضرورية لمواجهة كل الأزمات الحياتية التى تعترضنا.

ففى ظل المؤثرات النفسية التى نعيشها اليوم جراء الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وصولاً الى انعدام الأمن المهنى والأمن الصحى .. إلخ، الأمر الذى يضع الفرد فى دائرة الضغوط النفسية وما يترتب عليها من تدهور فى الحالة الصحية الجسمية.

فالعلاقة هنا بين الضغط النفسى والصحة الجسدية علاقة متبادلة التأثير، فكلما زاد الضغط النفسى على الفرد انخفضت الصحة العامة لديه وتراجعت وتدهورت، بينما انخفاض الضغط النفسى يترتب عليه الحصول على صحة جيدة. ويعود سبب ذلك الى التغيرات الفيزيولوجية فى الجسم، فأى تأثير نفسى يكون أشبه بجرس إنذار يترتب عليه ردود فعل فى معظم انحاء الجسم. وهذه التغيرات التى تطرأ نتيجة الحالة النفسية التى يمر بها الفرد يسميها البعض استجابات التهيؤ، والتى تتفاوت حدتها وشدتها من فرد لاخر، تبعا للمناعة النفسية لديه.

الجهاز العصبى يسيطر على جميع أعضاء وأجهزة الإنسان الداخلية

وتفيد الدراسات الطبية : أن الجهاز العصبى يسيطر على جميع أعضاء وأجهزة الإنسان الداخلية، ومهما كانت المؤثرات النفسية المختلفة بسيطة فى ظاهرها، لها تأثير كبير بالمقابل على وظائف جسم الإنسان ككل، وعلى افرازات غدده الداخلية، فعند الشعور بالخوف والقلق المستمرين، تتدهور تدريجياً صحتنا النفسية ويتعرض جسمنا لأمراض مختلفة بفعل تراجع وتدهور عمل الجهاز المناعى للجسم، حيث إن جهاز المناعة ينخفض تركيزه عند التعرض للضغط النفسي, مما يزيد احتمالية الإصابة بالمرض.

ومن بين تلك الأمراض مثلاً: ” الأمراض السرطانية، أمراض القلب، ضيق الشرايين، أوجاع فى المفاصل، أوجاع فى الرقبة، أوجاع الظهر، آلام فى المعدة، الصداع النصفي، ارتفاع الضغط وتغير لون الجلد..الخ. ناهيك عن أن الخوف من المجهول وترقّب الخطر وتوقعه سرعان ما يتحول إلى مظهر تأزم وبؤر قلق ومولد للانفعالية اللاعقلانية ومهلك للفكر ومولد للكآبة ومهدم للسعادة وقاتل للرجاء والأمل وعائق للتوازن النفسي.

من هنا تأتى أهمية الصحة النفسية للأفراد والتى تتحقق حين يتمكن الشخص من الوقوف على قدميه، وتحمل مسؤولية مصيره، ويتمكن من عيش رغباته ومشاعره فى حالة من اللقاء مع الذات الواعية القادرةعلى مواجهة تحديات الحياة وتخطى العقبات بفعالية وثبات. وفى غمرة تعقيدات الوضع الراهن غيرالعادي، والفيروس العالمى الذى أرخى بظلاله على توازنات حياتنا اليومية، وجعلها مشحونة بالتوتر والضغوطات التى لم تكن بالحسبان وسريعة الايقاع.

ينبغى علينا إعادة برمجة لطرائق تفكيرنا بعيدا ًعن القلق، وتغيير أنماط سلوكياتنا ومواجهته بالوعى والحكمة والهدوء، والابتعاد عن كل مصادر الخطر، والوقاية منه باتباع إرشادات منظمة الصحة العالمية وارشادات وزارة الصحة المحلية، والعيش مع ما لا يعاش، دون ذعر أوهلع أو تشنج، والتحكم بعواطفنا وانفعالاتنا وتعزيز طرق التفكير الوقائية والإيجابية لدينا بعيداً عن المنغصات، وألا نسقط فى شر الوسواس الخناس، وألا نستسلم، وإلا مصيرنا التهلكة.

كيف نتعامل مع هذا المرض؟

إن التعامل مع هذا الفيروس الوبائي، يكون بالتصدى له انطلاقاً من المسؤولية الفردية.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة